لا يكاد يوجد إنسان في العالم من المهتمين
بالسياسة أو غير المهتمين، لا يعرف شيئاً عن (
الهولوكوست) أو ما يعرف عليه بأنه محرقة اليهود على
يد هتلر زعيم ألمانيا النازية، ويجبر كل زائر
للدولة العبرية على زيارة النصب التذكاري أو
متحف(الكارثة والبطولة) والتباكي على القتلى الذين
يختلف على عددهم بين خمسة آلاف وخمسة ملايين، إضافة
إلى أن هناك من يشكك أصلاً بوجود غرف غاز حرق فيها
اليهود، ويعتبر أن ما تم إنما يعبر عن سياسة تطهير
عرقي من عنصريين يعتقدون بسيادة العرق الآري،
ولذلك قتلوا اليهود والغجر وغيرهم.
إستطاع اليهود جعل مسألة الهولوكوست عقيدة
أوروبية حتى عند اللادينيين، ففي الغرب بإمكانك أن
تتعدى على أي دين وأي مقدس؟!
ولكن لا تقترب من
الهولوكوست ولا تحاول دراستها بشكل علمي، ولا
تحاول التشكيك فيها، وستقترف كبيرة الكبائر إن
أنكرت وجودها؟! مع أن هناك من ينكر وجود الله عز وجل
في هذه المجتمعات ولا يعترض عليه أحد؟!.
هناك من يرى أن حادثة الهولوكوست( محرقة اليهود في
معسكرات الإعتقال النازية) مكنت للحركة الصهيونية
في فلسطين، وشكلت عماداً لها ، وهنا أنا أختلف مع
هذا الطرح إن طرح على إطلاقه، فالحركة الصهيونية
مكنت لنفسها في فلسطين بفضل جو عام عنصري استيطاني
في أوروبا، تلائم وتناغم مع عنصرية أوروبية ضد
اليهود في أوروبا وليس في ألمانيا فحسب،
فالإستيطان اليهودي في فلسطين شكل حاجة أوروبية
أكثر من كونه تعاطفاً مع ما أصبح يطلق عليه
الهولوكوست، فيما أحسن اليهود والحركة الصهيوينة
استخدام هذه القضية وهذا الجو العام في سبيل تحقيق
العديد من الأهداف.
يثار في العديد من الأحيان النقاش حول موضوع
الهولوكوست، فينكره أحيانا بعض الناس، أو يقلل
بعضهم من الأعداد التي قتلت، وكل هؤلاء تتم
مهاجمتهم من الإعلام والسياسيين في الغرب بشكل
عام، وينضم لهم بعض الساسة والمفكرين من العالمين
العربي والإسلامي على سبيل أن عدو عدوي صديقي، فيما
يهاجم هؤلاء المنكرون للمحرقة من بعض المفكرين
العرب والفلسطينيين والمسلمين، ويتهمونهم بالجهل
والحمق لأنهم يعطون للصهاينة أدوات لحصارنا وتحجيم
دورنا السياسي في العالم.
نحن كفلسطينيين وعرب ليس من أولوياتنا أن نثبت أن
الهولوكوست تم أم لم يتم، وليس من أولوياتنا أن
ندقق في الأعداد التي قتلت هل هي صحيحة أم لا، فمن
الواضح أن النظام النازي في ألمانيا اقترف جريمته
ليس بحق اليهود فحسب بل في حق الغجر أيضاً وغيرهم من
الأعراق والشعوب،
ولا بد من لفت النظر إلى أن هذا
النظام العنصري كان له إتصالات مع الحركة
الصهيونية، وهناك من يقول أنه كان على إستعداد
للإعتراف بدولة الكيان الصهيوني عند إعلانها،
ولذلك لا أعتقد أنه من المهم أن ندخل أنفسنا في
معمعان النفي والتأكيد، أو الدفاع عن ممارسات
لنظام عنصري انتهى، ولو قدر له النصر في حربه لذقنا
منه الويلات التي نذوقها اليوم من العنصريين الذين
يطبقون علينا سياساته.
قبل سنوات تسنى لي حضور محاضرة للدكتور نورمان
فلنكستاين وهو أمريكي من أصل أوروبي، وقال حينها أن
له أقارب قتلوا في معسكرات الإعتقال النازية،
وعلمت أنه كان صهيونياً متطرفاً معادياً
للفلسطينيين،
ويقول أنه غير أفكاره بعد أن شاهد أن
ما يتم بحق الفلسطينيين، ما هو إلا هولوكوست حقيقي
تحت عين العالم وبصره، وبدأ بمحاربة الصهيونية،
وكان أول يهودي يمنع من دخول الدولة العبرية، وكان
لقائي معه عندما كان السماح الأول له بالدخول
لفلسطين المحتلة، وجاء حينها لجامعة بيرزيت وألقى
محاضرة حول العنصرية والصهيونية .
تيقنت من وقتها أن هذه القضية(الهولوكوست)
وبالرغم من كونها تعتبر من ضمن الأسباب الداعمة
والمسببة للمأساة الفلسطينية، إلا أن نفيها أو
تأكيدها لا يعنينا، وأنه من الواجب علينا أن نسلط
الضوء على الهولوكوست الذي يحدث على أرض الواقع في
فلسطين، وأمام الكاميرات، وبشكل موسع وأكبر مما تم
في ألمانيا، فاليهود يطبقون الهولوكوست على
الفلسطينيين بحذافيره، وربما بطرق أبشع مما تم في
ألمانيا.
فالفلسطينيون يحبسون في معسكرات إعتقال ضخمة،
تغلق عليهم الأبواب، يحرمون من العلاج والطبابة،
يحرمون من الماء والطعام، يحرمون من الحركة
والتنقل، يحرمون من الإحتجاج والتظاهر، يحرمون من
التجارة والصناعة، يحرمون من التعبد والصلاة في
أماكنهم المقدسة، يهجرون من بيوتهم وقراهم
ومزارعهم، تهدم بيوتهم على رؤوسهم، وتصادر أراضيهم
لصالح عرق آخر أو في سبيل رفاهيته، كأن تهدم بيوتهم
ويشردوا حتى يقام حديقة او متنزه أو مستوطنة؟!.
الفلسطينيون يحاربون حتى في خصوبتهم وتزاوجهم
وتوالدهم، يمنعون من البناء وترميمه حتى، يشكل
توالدهم وتكاثرهم عبئاً وهماً ومشكلة عند
العنصريين الصهاينة، ويعملون على الحد من تكاثر
الفلسطينيين بأي طريقة، يعتبر التقتيل والتهجير
بعضها، هذه لم تبق سياسات مخبأة بل ظهرت للعلن منذ
جولدا مائير، التي كانت تقول أنها تصاب بالإكتئاب
عندما تقرأ عدد المواليد الفلسطينيين كل يوم،
مروراً بطلب أحد المفاوضين الصهاينة من أحمد قريع
في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000م بإيقاف والده عن
التزاوج ولاتوالد؟! فهو يعتبر ذلك قضية تفاوضية،
ومشكلة حيوية؟! فالمشكلة عند هؤلاء العنصريين هي
بوجود الشعب الفلسطيني.
فالفلسطينيون يقتلون ويحرقون بالمئات والآلاف
أمام بصر العالم، فما الفرق مثلاً بين من يحرق
بالغاز، وبين من يحرق بالفسفور الأبيض؟ وما الفرق
بين من يموت بالمرض وقلة الغذاء وبالرصاص والقنابل
وبين من قتل بمثلها في ظل الحكم النازي.
ما الفرق بين أن يقضى على طموح وآمال وتاريخ وحقوق
شعب كامل لأجل شعب وعرق ودين آخر، لأن دولاً
إستعمارية رأت أن مصلحتها هي بزرع هذا الكيان في
منطقة تعتبرها معادية، وتريد منع أي نهضة حضارية
لها،
أو لأن هذا الشعب العنصري يعتقد أن الله وعده
بهذه الأرض؟! وبين من يدعي تسيد عرقه على بقية
الأعراق في العالم، وبالتالي يجب ان يستعبدها
ويذلها ويصادر حاضرها ومستقبلها لأجل رفاهيته؟!.
لذلك، من المهم لكل محب للشعب الفلسطيني، ويريد
نصرته، أن يعرف أن محاربة الحركة الصهيونية وما
تقوم به وليدتها(إسرائيل) من جرائم أسوأ من التي
حدثت في معسكرات النازية،
من المهم للجميع أن
يركزوا على المحرقة الحقيقية التي تتم في فلسطين
منذ العام1948م، وما يتم الآن من حشر الفلسطينيين في
جيتوهات عبارة عن معسكرات اعتقال ، يعتبر أكبرها
على مستوى العالم، معسكر الإعتقال في قطاع غزة، وما
يتم فيه من مجازر وجرائم في وضح النهار، ولا تحتاج
لباحثين لكي يثبتوها أو ينكروها.