علم النفس المناعي العصبي هو العلم الذي يدرس التغيرات في جهاز المناعة في الجسم المرتبطة بنفسية الفرد وسلوكه كما يدرس التغيرات السلوكية المتأثرة بتغيرات جهاز المناعة في الجسم . وتنتج هذه العلاقة عن تفاعل بين الجهاز العصبي والمناعي والهرموني في الجسم . وقد نشأ هذا الفرع من العلم خلال الثلاثة عقود الماضية ، وبالرغم من الأدلة المتراكمة التي أظهرت أثر الضغوط النفسية على الصحة الجسدية فإن أبحاث قليلة درست أثر العلاقات الاجتماعية ونوعيتها مثل إساءة المعاملة في الأسرة والكبت العاطفي على الصحة الجسدية في المرأة والرجل.
إن الوظيفة الأساسية لجهاز المناعة هي التعرف على الأجسام الغريبة عن الجسم والدفاع ضدها ، كما يقوم جهاز المناعة بالتعرف على أعضاء الجسم وخلاياه وتفريقها عن الأجسام الغريبة حيث تكون ردة فعل جهاز المناعة السليم موجهة فقط للأجسام الغريبة دون غيرها.
يتكون جهاز المناعة من أعضاء مثل النخاع والغدد الليمفاوية والطحال والنسيج الليمفاوي، كما يحتوي على أنسجة مختلفة وخلايا ذات أنواع متعددة ، وعندما يدخل جسم غريب إلى الجسم تغير هذه الخلايا من مدى انقسامها وتكاثرها وكمية إفرازاتها المضادة للجسم الغريب وحركتها في اتجاه الجسم الغريب وقدرتها على ابتلاعه.وهناك نوعان أساسيان من الوظائف المناعية : مناعة خلوية تقوم بها خمسة أنواع أساسية من الخلايا المناعية حيث تقوم بمهاجمة الجسم الغريب مباشرة . وهناك المناعة الكيميائية حيث تفرز الخلايا مضادات حيوية تلتصق بالجسم الغريب وتدمره بأشكال مختلفة .
خلايا المناعة تتصل ببعضها وتتناقل المعلومات فيما بينها من خلال مواد كيميائية تفرزها تسمى cytokines وهناك العديد من أنواع هذه المواد ولكل منها وظائف محددة وتفرز عند حدوث أمراض معينة مثل السرطان والالتهابات والإيدز .وهناك حالات يهاجم فيها جهاز المناعة أعضاء الجسم وكأنها أجسام غريبة وتسمى هذه الحالات أمراض المناعة الذاتية، ويمكن لجهاز المناعة في هذه الحالات أن يهاجم عضو واحد أو جهاز في الجسم بكامله، ويحدث ذلك نتيجة فشل جهاز المناعة في التعرف على ما هو جزء من الجسم وما هو غريب عنه .
لمدة طويلة كان يعتقد أن جهاز المناعة يعمل بشكل منفصل عن تأثيرات الجهاز العصبي ولكن اكتشافات جديدة أظهرت أن أعضاء جهاز المناعة تستلم أوامر عصبية من خلال أعصاب ممتدة من المخ إلى هذه الأعضاء وبالإضافة فإنه وجد أن خلايا الجهاز المناعي عليها مستقبلات للناقلات العصبية الكيميائية المسماة neurotransmitters .
وهذه المواد التي تنقل الرسائل بين الخلايا العصبية وكون خلايا المناعة تستقبل هذه الكيميائيات فإن ذلك يدل على أن الجهاز العصبي يؤثر في الجهاز المناعي من خلال الأعصاب ومن خلال هذه الكيميائيات. ولهذه النتائج أهمية كبيرة حيث أنها توضح أن الأمور النفسية يمكن لها أن تؤثر في وظائف المناعة من خلال الأعصاب والمواد الكيميائية الناشئة من المخ . كما وجد الباحثون أن خلايا المناعة عليها مستقبلات لهرمونات تدخل في رد فعل الجسم للضغط النفسي فعندما يتعرض الإنسان للضغوط النفسية يقوم الجسم بإفراز هرمونات مثل cortisol لمقاومة الضغط النفسي وعندما تتصل هذه الهرمونات بجهاز المناعة فإنها تضعف عمله ، ومعنى ذلك أنه إذا كان الإنسان يتعرض لضغط نفسي مزمن ولفترة طويلة فإن ذلك سيؤدي إلى الإخلال بعمل جهاز المناعة .
بالإضافة إلى ذلك وجد الباحثون أن خلايا في المخ وبالخصوص في الغدة النخامية لديها مستقبلات للسيتوكاينز وهي الكيماويات الحاملة للرسائل بين أجزاء الجهاز المناعي مما يعني أنه بإمكان جهاز المناعة أن يؤثر هو أيضا على المخ والنفسية والسلوك .فمثلا عندما يحدث التهاب ما في الجسم يزيد إفراز مادة السيتوكاينز وتؤثر هذه المادة على المخ بشكل يؤدي إلى ظهور ما يسمى سلوك المرض . فعندما يصاب الشخص بنزلة بر مثلا فإنه يعاني من حالة شبيهة بالاكتئاب الخفيف حيث يفقد الرغبة في الاختلاط مع الآخرين وفي الطعام ويضعف عنده التركيز فهذا يعني أن الالتهاب قد يغير سلوك ونفسية الفرد من خلال جهاز المناعة وأثره على المخ .وأبحاث عديدة في علم النفس المناعي العصبي تظهر أن العديد من الأمراض النفسية مثل الفصام أو ما يعرف عند العامة بالجنون قد يكون ناتج عن ردة فعل للجهاز المناعي . فقد وجد الباحثون أنه في حالات كثيرة من الفصام يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة المخ وكأنه عضو غريب والسؤال هو هل ينتج الفصام عن هذا الهجوم المناعي على المخ أم أن الهجوم على المخ سببه تغيرات في المخ نتيجة الفصام ؟لابد من إجراء المزيد من الأبحاث في هذا الشأن .
وقد وجد الباحثون أن الضغط النفسي المستمر يؤثر على أجزاء مختلفة من الجهاز المناعي مما يؤدي إلى زيادة أعراض كبر السن والشيخوخة وتأخر التئام الجروح وأمراض عديدة مثل السرطان والإيدز وأمراض القلب والضغط وأمراض المناعة بالإضافة إلى أمراض أخرى عديدة