أحاول أن أختفي..
أن أظهر..
أن أهرب..
أن أعود..
أبحث عن قطعة من الليل نست المصابيح أن تطردها وأضع رأسي وأنام لأنهض باحثاً عن جزء يقض في رأسي لأبدأ اليوم.. أسير على الأرض التي تسأل خطاي عني.. كميرات المراقبة تحز الناس وهم يسعون في أرصفة المدينة..
إن صورتي مسجونة في أشرطة المراقبة المهملة.. لا أحد يشعر بالأمان هنا بعد أن قرر الجميع أن يعيشوا وفق زوايا المثلث..
فإما زبون أو تاجر أو لص..
الكلمات المشتتة تستعمر وعيي.. أسمعها وهي تهذي في أذني.. أشعر وكأنها سر مخيف تم تفكيكه وتفريقه بين الأشياء البريئة..
تقول لي حين تدرك أنك لا تستطيع بناء أي شيء ستدرك أيضاً قدرتك الهائلة على تحطيم كل شيء..
تقول لي إن شيء خبيث يكرهك.. يريدك أن تأتي معطوباً كما أنت للغد..
تقول لي بأن شيئاً بشع يجب أن يحدث ليدرك المغفلين الحقيقة..
أخبرتني أنه لا شيء قادرة على مقاومة الرغبة بالبقاء.
لذا تكاثر النمل..
هاجرت الطيور..
صنع الإنسان..
بعد فترة مات النمل.. ولد نمل آخر..
ماتت الطيور.. وولدت أخرى..
حينها نقش الإنسان على الصخر صورة له وهو ممسك بوحش مرعب.. ثم مات الإنسان.. لكن لم يولد آخر.. لقد ولد هو من جديد.. أنه يعود من جديد ليكمل عمله.. لا يصح أن يسير الأمر بشكل دائري لكائن مثل الإنسان..
هناك ذروة لابد من الوصول إليها.. حتى إن اقتضى الأمر تحطيم الكون كله..
صورة الإنسان الممسك بالوحش تحولت إلى أسطورة للأغبياء.. مادة علمية للأذكياء.. و شيء مثير للسخرية يشبه صورة الزعيم وهو على صهوة آلته العسكرية المرعبة..
بعد مليون سنة سيشاهد ثلاثة أحد زعماء العصر القديم وهو يسير بين الناس وهم يهتفون ويلوحون له..
الأول سيظن بأنه أسطوره.. وهذا هو المغفل
والثاني سينظر له نظرة العلم.. وهذا الذكي
والأخير سيكمل ما بدأته قبل مليون سنه وسيكتب عن استحالة مقاومة رغبة البقاء..
تلك التي تجعل الكائنات الضعيفة تتكاثر لستمر بالهاث في درب الوجود..
تلك التي تجعل الكائن المعقد الوحيد ينحت على الحجر.. يبني في السماء.. يسافر للقمر.. يطل من فوق أسوار المجهول..
فقط ليخبر اللاحقين أنه كان هنا.. أنه قتل الوحش.. أنه حاول البقاء قدر المستطاع..
أنه لا يجب أن يسير في كينونته كما بقية الأشياء بالشكل الدائري..
ولكنه مات.. تحلل.. أختفى..
( لقد مات الإنسان ! )
هكذا تقول أدواته التي نقش بها على الصخر صورة له وهو ممسك " بالوحش "..
منتديات جنيفا الأروع ... الأحلى .... الأجمل .... الأمثل