قبل الذهب الأسود كان لون الزمن أبيض وكانت قلوب الناس خضراء
كانت الأحلام بسيطة / أبسط من ان تذيقنا مرارة التفكير في قادم مجهول و تحرمنا لذة النوم
فالاشياء كانت تشبه الطبيعة / تشبه الفصول / تشبه المطر !
وكان المطر صديق حميم يدخل المنازل ولا يؤذيها ولايؤذينا
فكان صوت قطرات المطر على اجهزة التكييف القديمة هديل طفولة !
كان لليوم المدرسي الاول و استلام الكتب المدرسية والأدوات المدرسية والعودة للمنزل
لتغليف الكتب ولصق الطوابع وكتابة بياناتنا على الدفاتر
نكهة مازلنا نستطعمها في قلوبنا مع تباشير أول العام الدراسي !
كان لإعلان أسماء الناجحين عبر التلفاز والاذاعة رهبة وقشعريرة
مازالت تسري في أجسادنا كلما سمعنا العندليب الأسمر يردد
(وحياة ألبي وأفراحه وهناه بمساه وصباحه )
كان لفرحة المشاركة في الاذاعة المدرسية وحفظ المشاركة وتكرارها
رهبتها التي تحرمنا النوم
وتجعلنا نقف أمام المايك في طابور الصباح
بغرور يشوبه من الارتباك والتوتر الكثير!
اشرطة الفيديو القديمة ذات الحجم الصغير والتى كنا نتعامل معها بكل حب وحرص وإنتباه
وكانها أقرب الأشياء إلينا ربما لاننا كنا نخزن بها الجميل الذي نعشق مشاهدته/
ونكرر المشاهدة بمتعة لم يعد لها الأن حولنا أثر !
انتظار تحميض الصور التي كنا نحرص على انتقاء خلفيات جميلة نقف امامها لالتقاطها
مع الحرص على ان لاتكون يدنا في الصور خالية من شيء ما
حتى وان كان هذا الشيء مجرد وردة او فاكهة او تحفة قديمة !
تجمعنا أمام باب المنزل بحقائبنا القماشية الملونة لانتظار اذان العصر
لبدء طقوس الاحتفال بالمتوارث الشعبي (حق الليلة)
ومرورنا على المنازل القريبة والبعيدة
وعدم العودة الى منازلنا قبل غروب الشمس محملين بالكثير من الحلويات والمكسرات !
الذهاب الى (الخياط ) والخضوع لأخذ مقاسات الملابس الجديدة
االفرحة التي أفسدتها علينا الملابس الجاهزة
والمرور على الأسواق الكبرى والمولات على مدار الساعة / مما أفقدنا عادة الاستمتاع بالتسوق
!
فرحة خروج احد الاخوة من المنزل للزواج او السفر للدراسة
وخلو غرفته لإخوته / في زمن كانت الغرف تضيق بأعداد ساكنيها !
وداع المسافرين بدموع / واستقبالهم بتهليل!
وفرحة دخول المطار في زمن كان دخول المطار فيه بمثابة رحلة ممتعة للمودعين والمستقبلين !
كان الفوز بزجاجة بيبيسي في غطاء الزجاجة
امر مفرح قادر على ان يجعلنا نطلق صرخة دهشة عظيمة كاننا عثرنا على كنز مفقود !
كانت رسالة واحدة من صديق طفولتنا ماجد
جديرة بان تحولنا الى اسعد اطفال العالم
وان تفتح شهيتنا لقراءة الرسالة مرات ومرات ونغمض اعيننا على سطورها بفرح!
كانت للعيدية من يد الجد والجدة والاقارب والجيران متعة وفرحة افتقدها اطفال هذا الجيل
الذي اصبحت فيه اعيادهم متشابهة متناسخة بلا نكهة وبلا ملامح !
كانت ملابس العيد المعلقة امامنا خارج خزانة الملابس
وبجانبها الحذاء الجديد والحقيبة الجديدة
جديرة بان تسرق النوم من اعيننا فرحا وترقبا لشروق شمس العيد!
كان احراق الكتب في اليوم الأخير من العام الدراسي
تعبيرا طفوليا عن فرحة لاتفسدها محاضرات العقلاء عن الورق
واهمية المحافظة على الورق وحماية البيئة من التلوث !
كان اخفاء طباشير الفصل الملونة في حقائبنا المدرسية
للكتابة على جدران المنازل
سرقة بريئة لاتعترف بجرمها طفولة لاتعي معنى الحقوق والواجبات !
كانت النجمة بقلم المعلمة الاحمر في دفتر الواجب
تجعلنا نختال فرحا و تمنحنا من الثقة بالنفس الكثير الكثير!
كانت هدايا بيت الله الحرام
الخواتم الزجاجية الملونة
ولعبة التلفاز المصغر وصور الكعبة
والكاميرا وصفارة الجمل والعباءة الصغيرة كنوز طفولة !
كانت للعبة السلالم والثعبان لذة كبرى لاتعادلها الان كل العابهم الالكترونية والانترنتية !
كان تناول اللبن المثلج في حر الصيف /
شعور آخر لايقدره ولايعرفه ولايشد أجنحة الحنين إليه
إلا أرواح تذوقت لذته ذات زمن وذات صيف!
كان الذهاب الى الاعراس عادة عفوية لايفسدها ارهاق التجول في الاسواق
لشراء احدث الفساتين واحدث المجوهرات
اوالتقيد بشروط ما قبل ان يخترعوا بطاقات الدعوة
وجملتهم الشهيرة (يمنع اصطحاب الأطفال جنة الاطفال منازلهم )
فالأعراس في ذلك الزمان كانت ( جنة الأطفال )
كان لكتابة اول رسالة بريد لصديق بالمراسلة طقوس جميلة
نحرص على مزجها بالصدق/
فننسخ في الرسالة تفاصيل صادقة عنا/
فنذكر له الاسم الصريح والعنوان والهوايات بلاخوف !
ولااعلم لماذا كانت المراسلة وجمع الطوابع والسباحة هوايات مشتركة بين اصدقاء المراسلة في ذلك الزمن !