مدمن حب
عرفت بأنه في حالة حب.. أعرفها الحالة، حين تنتابه الأعراض
نفسها الشرود والغياب في عالم منفصل عنا.. أعرف الطقوس ذاتها، أغاني أم
كلثوم وذوبانه معها.. أعرف حالته.. أعراضها ومظاهرها ولكنني لا أعرف علاجا
لها.
زوجي أنا مدمن حب، يهوى أن يعيش في حالة حب، حين عرفته كان هو
يعيش قصة حب مع جارة له، وكنت أنا زميلته التي يأتي كل يوم ليحكي لها عن
حبيبته، كنت أحسدها عليه وعلى كمية الحب الذي يحمله لها، والورود التي
يرسلها لها واتصالاته التي يلاحقها بها وكلامته عنها، كنت أحلم بأن يحبني
رجل مثلما هو يحبها.
حتى جاء يوما بوجه غارق في حزنه:
انتهى كل شيء.
تركته هي بعد أن خطبت لرجل آخر يفوقه مالا ومركزا لتنتهي بذلك قصة الحب التي بينهما، وجاء هو يشكو لي من اللوعة والحزن.
شعرت بنفسي أحزن معه وأتألم لألمه، يشكو لي آلامه فأسمعه،
يحكي لي عن همومه فأخفف عنه بكلماتي له.. قلت له إنها لا تستحقه، وأنه
يستحق إنسانة أخرى تقدر كل المشاعر التي يحملها له، ولكنه كان يتلوى حزنا
على فراقها، وعلى قصة الحب التي ضاعت منه.
أيام عاد بعدها إلى نفسه وإلى مرحه ورقته؛ ليفاجئني باعترافه لي بأنه يحبني.
أنا؟! تساءلت بذهول.. متى وكيف تكونت مشاعره تلك؟ كنت أكبره
بسنوات، وكان هو وسيما بينما كنت أنا متواضعة الجمال، قلت له إنني لا
أناسبه فهو أوسم وأصغر مني، ولكنه قال لي إنه يحبني ولا يستطيع أن يعيش من
دوني.. يأتيني بورود وهدايا جميلة ويقلق حين أتأخر أو أغيب.
كان يشعرني بأنني كل حياته وكأنه لم يحب قبلي ولم ينجرح
بغيري، أصبحت أنا كل شيء له فرحت بمشاعره لي، وشعرت بأن حلمي قد تحقق فها
أنا أحظى بمن يحبني كل هذا الحب.
كل شيء تم بسرعة.. خطبت له وتزوجنا في حفلة صغيرة، وانتقلنا
لنعيش بشقة في بيت أهله، هو الذي قرر أن ينتقل من القسم الذي يعمل به معي،
قال إنه ليس من المناسب أن نكون معا في المكتب وفي البيت.
شيء ما انطفأ بيننا؛ وكأنه ليس هو نفسه الذي يأتيني بوردوه
ويغرقني بكلمات حبه، صرت أقنع نفسي بأنه الزواج بمسؤولياته هو الذي جعله
يبدو لامباليا، ولكنه مازال الرجل الطيب المسالم الهادئ.
حملت فأفرحه خبر حملي والطفل الذي سيحمل اسمه، ولكن لم يعود
إليه وهجه ومرحه، حتى بدأت أعراض غريبة تطرأ عليه شروده وغيابه عني، وأغاني
أم كلثوم التي يغيب فيها بالساعات، عبث الشك بصدري؛ شعرت بأن هناك قصة حب
جديدة في حياة زوجي.
تأملته وهو يتأنق ويعدل غترته أمام المرآة.. انتظرته يخرج حتى
اتجهت إلى مقر عمله، دخلت وراءه لآراه معها.. زميلته الجديدة الشابة
الجميلة كان منسجما بحديثه معها، حتى أنه لم يشعر بدخولي، كان هو نفسه
بمرحه وألقه الذي كان في أيامه الأولى معي.
وما إن رآني أمامه حتى انتفض واقفا «اش يايبج».. قالها بذعر،
اتجهت نحوها وصافحته وأنا أعرّفها بنفسي «أنا زوجته»، اضطربت حين صافحتني
وعيناها مغروزتان في بطني، شعرت بلمعة دمعه بإحدى عينيها.
اختنق صوتها وهي تقول له بلوم «ماقلت لي بأنك متزوج»، نظرت
اليه وقلت بسخرية: «حب يسويها لج مفاجأة”، خرجت بعد أن أدركت بأنني قد دمرت
مشروع القصة الجديدة، وقصصت أجنحة الحب التي كان يحلق بها.. عرفت بعدها
أنها انتقلت إلى قسم آخر لتبعد عنه، أنجبت له طفله الذي طار فرحا به، وذهبت
إلى بيت أهلي لأمضي فترة النفاس، كان يأتيني كل يوم ليرى طفله وليحمله
بشوق وفرح ثم غاب عني.
صار يأتي سريعا ويفر بعدها.. يسألني أهلي عنه ولا أعثر على
إجابة لهم كان يتحجج بحجج لا يستطيع عقلي هضمها.. مرة مريضا ومرة مدعوا على
العشاء في الديوانية أو الشاليه.. شعرت لحظتها أنه وقاع في قصة حب جديدة.
أنهيت فترة النفاس وارتديت ثوبا جميلا وجاء ليأخذني أنا وطفلي
لم يبد متلهفا عليه وأنا التي غبت عنه كل تلك الأسابيع.. كان غارقا في
عالمه وأغاني أم كلثوم التي تعلن لي عن حب جديد.. صرت أفتش حولي بحثا عنها
ولكنني لم أعثر عليها.
شقيقته هي التي أخبرتني عنها؛ قالت إنها فتاة تسكن المنطقة
نفسها وأنه جاء إلى شقيقاته ليطلب منهن أن يخطبنها له، ولكنهن رفضن ووبخنه
على ذلك الزواج؛ عرفت منها اسم الفتاة وصرت أفتش عن رقمها حتى عثرت عليه..
اتصلت بها وكلمت أمها؛ قلت لها بأن ابنتها على علاقة بزوجي؛ طلبت منها
باكية أن تبعد ابنتها عن زوجي؛ لأنها هي سبب خراب بيتي.. بعد أيام تفاجئت
بها هي تطلبني.. عرفتني باسمها، قالت إنني حكمت بالإعدام على حياتها دون أي
ذنب منها، قالت إن كل ما يربطني بزوجك هو أنه رآني أمام بيتي صدفة، وتعلق
بي وصار يلاحقني من لحظتها، وأنا أبدا لم أفكر لحظة به ولم أتجاوب معه، فما
ذنبي إذا كان زوجك أحبني حتى تحطمي وتدمري حياتي؟
لقد أخرجني أبي من الجامعة وحبسني بغرفتي وأصبحت بعين أهلي
متهمة بسببك.. أقفلت الخط وصرت أتساءل: ترى هل ظلمتها حقا وجنيت عليها أم
إنها تستحق ما هي في؟
لن ألوم نفسي فأنا لست سوى زوجة، وزوجي مدمن حب وأرغب في الحفاظ على بيتي بأي ثمن.