روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ
وَحَمِدَ اللَّهَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ
يَقُولَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ
مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا
اسْتَطَاعَ ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ
الشَّيْطَانُ).
قيل في معنى ذلك: إن الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى
الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا، ويعجبه ذلك منه؛ لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر
فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ ، وليس المراد أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ
الشَّيْطَان هو الذي فَعَلَ التَّثَاؤُب.
وقيل : إنما أضيف التثاؤب
إلى الشيطان لأن التثاؤب ينشأ عن امتلاء البطن ، وينتج عنه التكاسل ؛
وَذَلِكَ إنما يكون بتأثير من الشَّيْطَان . قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله :
أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى
الشَّهَوَات ، إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ
وَامْتِلَائِهِ , وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي
يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل .
وقال
المناوي رحمه الله : أضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من
الشهوة ، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم
والشبع فيثقل البدن عن الطاعة .
ولا إشكال في وجود التثاؤب من العبد
في رمضان ، مع تصفيد الشياطين فيه ؛ لأنه على القول بأن معنى ذلك أن
الشيطان يحبه ويرضاه ، فليس من شرط محبته ورضاه أن يكون طليقا ، بل يحصل
ذلك منه ولو كان مصفدا .
وعلى القول بأن ذلك يكون من تأثير الشيطان ،
تأثيرا مباشرا، أو غير مباشر، فقد قيل إن الذي يصفد في رمضان هم المردة من
الشياطين فقط ، وأما غيرهم فيبقى على حاله ، فلعل التثاؤب يكون من فعل من
لم يصفد منهم .
وأما على القول بأن المراد بتصفيد الشياطين أن
إغواءهم وتصرفهم بالشر في المؤمنين يقل في ذلك الشهر عن غيره ، فلعل
التثاؤب يكون من ذلك التصرف القليل الذي يتمكنون منه في رمضان.