النوم حاجة أساسيَّة فلا تتجاهله
نعرف جميعنا أناساً يكتفون
بالقليل من النوم، فيسهرون حتى ساعة متأخّرة من الليل ويستيقظون باكراً من
دون أن يشعروا بالتعب. لا بدّ من أنك تحسدهم، لكن معظم الناس يحتاجون الى
ما بين سبع وتسع ساعات من النوم يومياً لينشّطوا ذهنهم وجسمهم.كثر منا لا ينالون قسطاً وافياً من النوم، فيشوّش هذا النقص تفكيرهم،
يزيد توتّرهم، يحدّ من قدرتهم على الاستمتاع بنهارهم، ويحوّل وجههم البشوش
إلى وجه متجهّم تعب مليء بالخطوط (إن كنت ممن يكتفون بالقليل من النوم، على
غرار الممثلة بيتي وايت التي لا تحتاج إلى أكثر من أربع ساعات من النوم
يومياً، على حدّ قولها، فأنت، إذاً، واحد من 5% من سكان العالم).
تذكَّر أن اسم الحسناء في القصة الخرافية «الحسناء النائمة»، لا الحسناء التي تتقلّب في فراشها.
رونالد كوتلر اختصاصي في النوم في جامعة بنسيلفانيا، وهو ليس اختصاصياً عادياً، بل يعمل مع الإعلامية المشهورة أوبرا وينفري.
بدأت رحلة كوتلر من مكتبه في فيلادلفيا إلى استوديو وينفري في شيكاغو في
مايو (أيار) الفائت، قبل بضع سنوات، في غرفة تصوير برنامج Good Morning
America («صباح الخير أميركا»)، حيث التقى بوب غرين، خبير الرشاقة الذي
يعمل مع وينفري. أعطى كوتلر غرين نسخة من كتابه
365aWays to Get a Good Night’s Sleep
365)3
طريقة لنوم هانئ أثناء الليل)، وبعد بضعة أشهر، تلقّى اتصالاً منه يطلب
منه فيه أن يكتب قسماً عن النوم في كتاب غرين الجديد
20aYears Younger (أصغر بعشرين سنة)، الذي يساعدك على تحسين صحتك لتبدو
«أصغر» سناً من خلال التمارين الرياضية والنظام الغذائي السليم والعناية
بالبشرة والنوم المنعش.
طبياً، كوتلر خبير في الأمراض الصدرية يعالج مرض انقطاع النَفَس، حالة
خطيرة يتوقّف خلالها الناس عن التنفّس أثناء النوم. يذكر: «تسترخي عضلاتك
حين تنام. لكن إن أفرطت عضلات جهاز التنفّس في الاسترخاء، يُصاب المرء
بانقطاع النفس».
في ما يشبه الحلقة المفرغة، قد تؤدي السمنة إلى انقطاع النفس، في حين أن
نوعية النوم الرديئة تسبِّب السمنة. يوضح كوتلر: «يكبح هرمون ليبتين الشهية
ويحدّ النقص في النوم من إنتاج هذا الهرمون».
لكن لا تقتصر تجارب كوتلر في عالم النوم على انقطاع النفس، فقد أمضى عقوداً
في إجراء أبحاث حول النوم، ويملك مركزاً رائداً في هذا المجال، يُراقب فيه
المرضى الذين تؤثّر قلة نومهم سلباً على حياتهم. نتيجة لذلك، يُعتبر
خبيراً في مسائل النوم كافة.
يقول كوتلر: «يعاني كثر مشاكل في النوم ولا يدركون أن ثمة علاجاً»، ويؤكد
هذا الطبيب أن سرّ الاستمتاع بنوم هانئ يكمن «في الخلود إلى النوم
والاستيقاظ في الأوقات عينها يومياً». كذلك، يُشجّع على أخذ قيلولة بعد
الظهر، إلا أنه يشدّد على ضرورة ألا تتجاوز العشرين دقيقة، لأن النوم فترات
طويلة قد يصعّب النوم ليلاً. يوضح كوتلر: «لا شك في أن القيلولة منعشة،
غير أنها ليست بديلاً للنوم ليلاً». ويضيف، مشيراً إلى النعاس الذي يصيب
كثيرين بعد تناول الغداء: «نعاني جميعنا تراجعاً في نظامنا اليومي بين
الثالثة والسادسة بعد الظهر»، فيحاول البعض، وفق كوتلر، تفادي هذا الشعور
بقيامه بنشاط ما أو تناوله الكافيين، علماً أن الحلّ الأول أفضل لأنه لا
يسبّب الأرق. لكنّ كثيرين يتجنّبون النوم ظهراً حتى في نهاية الأسبوع، ما
يُفاقم دين النوم المترتّب عليهم، وفق كوتلر.
لا تستطيع تسديد دين النوم بالإكثار منه. يراكم مسنّون كثر عقوداً من قلة
النوم، ومع أنهم يؤكدون أنهم لا يحتاجون إلى النوم فترات طويلة، يخالفهم
كوتلر الرأي. يقول: «ينام المسنون فترات أقصر لأنهم مع التقدّم في السن
يصبحون عرضة لمشاكل صحية (دخول الحمام، آلام وأمراض) تقضّ مضجعهم».
يعيقك الإجهاد والتوتّر أيضاً عن الاستمتاع بليلة من النوم الهادئ والمنعش.
يقول كوتلر: «تؤثر أمور كثيرة نواجهها خلال النهار في نومنا»، فيمكن ليوم
شاقّ في العمل أن يحرمك النوم العميق ليلاً، وقد تتفاقم هذه المشكلة يوماً
بعد آخر».
لكن إن كنت تُصاب بالأرق دوماً نحو الثالثة فجراً، فمن المستحسن أن تستشير
طبيباً، ويُفضّل أن يكون طبيباً نفسياً. يوضح كوتلر: «يُعتبر الاستيقاظ نحو
هذه الساعة أحد المؤشرات النموذجية على الإصابة بانهيار عصبي، مع أننا
نجهل السبب».
قد يساهم تناول الحبوب المنوّمة باعتدال في حلّ هذه المشاكل. يذكر كوتلر:
«ما عدنا ننظر إلى الأدوية المنوّمة نظرة سلبية، كما في الماضي، فمن المفيد
تناولها لمدة قصيرة بعد التعرُّض لصدمة ما. لا تريد لمشكلة نوم قصيرة
الأجل أن تتحوّل إلى معضلة طويلة الأمد». غير أن اللجوء إلى الحبوب
المنوِّمة لفترات طويلة ليس حلاً، وقد يخفي مشاكل خطيرة، مثل انقطاع النفس
أثناء النوم، كون المواد المنوّمة تحدّ من قدرة الدماغ على التنبّه إلى أن
الجسم لا يتنفّس، ويمكن لهذا الأمر أن يؤدي إلى النوم الأبدي الذي نحاول
جميعاً تفاديه.