أمريكا وإسرائيل خططتا لنشر الفوضى العارمة في الشرق الأوسط الكبير والجديد

يوجد
مستشارون وخبراء كثيرون في مراكز الأبحاث الامريكية القريبة من صنع القرار
الامريكي ... ومعظمهم من اليهود - يقدمون النصح والاستشارة للرؤساء
الامريكيين منذ عهد الرئيس نيكسون ومروراً بالرئيس جونسون وبوش الابن حتى
الرئيس الحالي أوباما في كتب وتقارير وخطط (أمثال هنري كسينجر, وروبرت
ساتلوف , وغيرهم) وكلها لصالح إسرائيل وتوسعاتها في الشرق الأوسط.
ومن
هذه الكتب الخطيرة المؤلفة إليوت كوهين (Eliot Cohen) واسم الكتاب
(CELEBRATING CIVILIAN MASTERY OF THE MILITARY) وترجمته الاحتفال بالسيطرة
المدنية للجيش, وهذا الكتاب المخيف والخطير كان يحمله تحت إبطه الرئيس بوش
الابن في أروقة البيت الأبيض متباهياً أمام مستشاريه انه يقرأ هذا الكتاب
ويعتبره كتاباً أساسياً ومهماً في استراتيجيته العسكرية والمدنية كما كان
يفعل تشيرتشل, وبن غوريون, ومعروف عن بوش الابن انه لا يقرأ ولا يحلل لكنه
ينفذ ما يقول له مستشاروه. وفي هذا الكتاب يذكر المؤلف الدول والمنظمات
الشرق أوسطية المستهدف تدميرها:
1-الجزائر 2-ليبيا 3- مصر 4- السودان
5-لبنان 6- سورية 7-العراق 8- السعودية 9- إيران 10- حزب الله 11- حماس 12-
السلطة الفلسطينية 13- والإسلام المتطرف.
كان اليمين المتطرف يعتقد ولا
يزال حتى الآن أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع الإسلام المتطرف وليس
هناك من بديل عن النصر في هذه الحرب, والنصر في نظرهم يتطلب" الاستيلاء على
مناطق عربية وإسلامية وتأسيس سياسات متحضرة" وغير عدوانية موالية للغرب في
أفغانستان والعراق ومن ثم في الدول الأساسية المجاورة مثل إيران, وسورية
والسعودية.
ووضعت خطة مشابهة من قبل رتشارد بيرل, ودوغلاس فيث, وديفيد
ورمسور للرئيس بوش وقد وضعت هذه الخطة للرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
في وزارته الأولى ولكن عندما جاء الرئيس كلينتون رفض تنفيذ هذه الخطة
وعندما جاء بوش الابن أعيد إحياء الخطة من جديد وقد وضعت تحت عنوان:
(A
CLEAN BREAK : A NEW STRATEGY FOR SECURING THE REALM) ودعت هذه الخطة
القيام بحرب كبيرة دون سبب في الشرق الأوسط ويجب توسيع الحرب للضرب بقسوة
مميتة FATAL STRIKES وليس فقط التجريد من السلاح لمراكز التطرف في هذه
المنطقة, وهذه القسوة أو الضربات المميتة سوف تؤكد لهذه الدول الإدراك بان
محاربة الولايات المتحدة الامريكية أو إسرائيل هو بمثابة انتحار لهذه الدول
وبهذا تفهم هذه الدول فوائد أن تكون موالية للولايات المتحدة الامريكية
والتوجه مهرولة وزاحفة على بطونها تستجدي السلام مع إسرائيل.
وفي كتاب (
A PRETEXT FOR WAR) لمؤلفه جيمز بامفورد قالت كونداليزا رايس وزيرة خارجية
امريكا السابقة, مقتبسة من الخطة المشار إليها أعلاه ان العراق هو مفتاح
إعادة تشكيل المنطقة , ومن يسيطر على العراق يسيطر على شرق البحر الأبيض
المتوسط استراتيجياً.
ويقول المؤلف البريطاني ديفيد هارفي في كتابه (
THE NEW IMPEREALISM) من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على المنابع
العالمية للبترول , ومن يسيطر على المنابع العالمية للبترول يسيطر على
الاقتصاد العالمي للخمسين سنة القادمة ويضيف الكاتب بأن هناك في هذه
الإدارة (إدارة بوش الابن ولا تزال بين اليمن المتطرف) من يعتقد أن مواجهة
عنيفة وحرائق مشتعلة في هذه المنطقة الشرق أوسطية قد تكون فرصة مناسبة
لإعادة تشكيل الشرق الأوسط (كما حدث في الاتحاد السوفييتي السابق وكذلك
يوغسلافيا), والسودان الآن: وجود فدرالي للأكراد في العراق, أو ربما تجزئة
العراق إلى ثلاث دول, أو ربما تكوين دولة فلسطينية تحوي الأردن وربما جزءاً
من السعودية لحل القضية الإسرائيلية - الفلسطينية.
يقول السيد آرمسترنج ما يلي: بعد قراءة متأنية للعقيدة التي وضعها تشيني - ولفوتز في هذا التقرير:
(PROJECT
FOR THE NEW AMERICAN CENTURY) الخطة تدعو الولايات المتحدة الامريكية لأن
تحكم العالم.... أنها تدعو للسيطرة على الأصدقاء والإعداء معاً , إنها
تقول أن لا تكون الولايات المتحدة الامريكية أكثر قوة فحسب , أو الأكثر قوة
, بل الأكثر قوة بصورة مطلقة . إن الولايات المتحدة تحاول التحرك من
العراق إلى إيران وتحاول تقوية مركزها في تركيا وأوزباكستان كمكان
استراتيجي بشأن احتياطي البترول في بحر قزوين (المكان الذي تحاول الصين
باستماتة الاستثمار فيه) وبالسيطرة على منابع البترول تحاول امريكا السيطرة
على الاقتصاد العالمي للخمسين سنة القادمة.
وكي تبرر الولايات المتحدة
وجودها العسكري في المنطقة, فإنها ترحب لا بل تدعم عدم الاستقرار والفوضى
وتدعو له بشكل مكشوف, وبهذه الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة وبما فيه من
حرب أهلية والمناخ الدائم من الخوف كما بدا للرئيس السابق بوش واليمين
المتطرف الآن وكما يظهر جلياً في الإعلام الامريكي, أسهل طريقة لتجميع قوة
دولية سياسية حول جهاز عسكري قوي واقتصاد حرب دائمة. ويستنتج الكاتب بان
العجز الدائم في الاقتصاد الأمريكي بسبب قيامها في حروب في الدول الأخرى
وبناء القواعد العسكرية فيها سوف يسبب بانهيار الدولة الامريكية وانتحارها
ما لم تقم الحكومة الامريكية وبشكل سريع بتغيير جذري في سلوكها (كما حدث في
الأعوام ,2008 ,2009 2010).
وفي كتاب بات بوكانان (WHERE THE RIGHT
WENT WRONG) وترجمته "حيث أخطأ اليمين" يقول الكاتب وهو مرشح رئاسي سابق
وصاحب لسان يخافه كثير من اليمين الامريكي المتطرف واللوبي اليهودي: " إن
السياسة الامريكية قد تم اختطافها من قبل اللوبي اليهودي الامريكي . لقد
باعت امريكا روحها للشيطان. لقد تنازلت امريكا عن مبادئها (الحق هو القوة)
بمقولة (القوة هي الحق)... وبحجة نشر الديمقراطية تعطي امريكا لنفسها الحق
في التدخل في أي مكان في العالم لفرض الديمقراطية, ان امريكا بحاجة الى
سياسة خارجية تدار في امريكا وليس في تل ابيب أو منظمة "الايباك" أو في
منظمات يهودية أخرى".
وهكذا خططت امريكا وإسرائيل لنشر الفوضى العارمة
في الشرق الأوسط الجديد والكبير والحروب الأهلية وتجزئة العالم العربي إلى
دويلات دينية وطائفية وعرقية متأخرة, ولكنهما تفاجأتا بالثورة الشبابية
والشعبية العارمة في كل من تونس ومصر وليبيا. والسؤال الملح الآن هو ما هي
أسباب هذه الثورة الشبابية العارمة وما هي الدروس المستفادة منها? أما
الاسباب فهي كما يلي:
1- المخزون المتراكم من الذل والظلم والقهر وقمع
الحريات والفساد والاستبداد والفقر والبطالة والتخلف بكافة أشكاله السياسية
والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
2- غياب العدل والعدالة
الاجتماعية, وعدم التقيد بالقوانين والتشريعات الضامنة لحقوق المواطنين
وأمنهم وتزوير الانتخابات التشريعية والبلدية والنقابية وغيرها.
3-
الاستعمار القديم والجديد بكل ما فيه من ذلٍ وظلمٍ وقهرٍ واستبداد وهيمنة
منذ عام 1948 ( قرار التقسيم ,1947 الحرب العربية الاسرائيلية الأولى ,1948
العدوان الثلاثي على مصر ,1956 العدوان الإسرائيلي على مصر وسورية والأردن
,1967 الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة بين مصر وسورية من جهة وإسرائيل
من جهة أخرى ,1973 احتلال إسرائيل لجنوب لبنان ,1982 حرب امريكا الأولى
وغزوها ضد العراق ,1991 غزو امريكا الثانية ضد العراق ,2003 حرب إسرائيل ضد
لبنان ,2006 حرب إسرائيل ضد غزة 2008).
4- الاحتلال الإسرائيلي المدعوم
من الولايات المتحدة مالياً وعقائدياً لأراضي فلسطين وأراضي سورية والخوف
العربي الدائم من التوسع والزحف الإسرائيلي المتواصل لتحقيق حلمها الكبير
والخطير من "النيل والفرات".
5- إطلاق يد إسرائيل ومساعدتها بشكل أكبر
لدفع الفلسطينيين للهجرة (الترانسفير) إلى الأردن أو إلى دول مجاورة أخرى
والتوسع الإسرائيلي شرقاً وشمالاً بدواعي الأمن وذلك للسيطرة الإسرائيلية
المباشرة وغير المباشرة على الأردن ولبنان وسورية.
6- الخوف لدى كثير من
العرب تحويل الوطن العربي ( من قبل امريكا وإسرائيل) إلى دويلات طائفية أو
عرقية أو دينية متنازعة ومتأخرة: دولة شيعية, دولة سنية, دولة كردية, دولة
مارونية, دولة قبطية, دولة بربرية, وهكذا لتكون الدولة اليهودية أكبر هذه
الدويلات والسيطرة عليها والتحكم بها بحكم قوتها وكبرها.
7- الاستسلام
والتنازلات العربية المجانية لإسرائيل وامريكا والتفريط بحقوقها وغياب
الضغط المباشر وغير المباشر خاصة على امريكا لتأمين حقوق الشعب الفلسطيني
في القدس والحدود وحق العودة والمياة وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولة
فلسطينية مستقلة قابلة للحياة على ترابه الوطني, وعدم مقاضاة إسرائيل في
المحافل والمحاكم الدولية لعدم تنفيذها أي من قرارات هيئة الأمم المتحدة
ومجلس الأمن منذ عام 1947 حتى الآن.
8- الاحتلال الامريكي للعراق بقوة
السلاح وإذلال الشعب العراقي وقتله وتدمير بنيته التحتية خدمة لإسرائيل
(لأنها القوة العسكرية الوحيدة التي كانت تحسب حسابها) والاعتداء
الإسرائيلي المتكرر على لبنان وكذلك مذابح إسرائيل الشنيعة في قطاع غزة,
والتهديد المتواصل للقدس الشريف والتهديد الإسرائيلي والامريكي المتواصل
لسورية وإيران.
9- التخبط في الدول العربية في معرفة من هم الأصدقاء ومن
هم الأعداء ومعاملتهم بالمثل, وعلى سبيل المثال وليس الحصر: كيف تكون
علاقات الدولة العربية جيدة مع بريطانيا وهي السبب الأساسي لمعظم مشاكلها?
وكيف تكون علاقات الدول العربية مع امريكا جيدة وهي السبب الرئيسي في دعم
احتلال وتوسع إسرائيل في العالم العربي?
10- الشعور العام لدى الشعب
العربي بأن المساعدات الامريكية كانت ولا تزال عبارة عن "برطيل" - رشوة كي
تتخذ الدول العربية قرارات غير وطنية وغير قومية تكون لصالح الهيمنة
والسيطرة الامريكية والإسرائيلية في العالم العربي (المساعدات الامريكية
لإسرائيل هي مقابل ما تقوم به إسرائيل من أعمال قذرة نيابة عن امريكا وقد
أشار إليها شارون سابقاً بأنها غير كافية, والمساعدات الامريكية لمصر كانت
لتثبيت عزل مصر عن عالمها العربي).
11- كيف تقبل الدول العربي منذ عام
1967 أن تكون عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والدولة العربية
الأخرى عبارة عن عملية كذب وخداع وملهاة كبرى?
12- كيف تسكت الدولة العربية على الفيتو الامريكي المتكرر في مجلس الأمن لصالح إسرائيل وعدم مساءلتها دولياً?
13-
كيف تقبل الدول العربية (وهي 22 دولة وعائدات بترولها ضخمة جداً) ان لا
يكون لديها قوة نووية لمعادلة قوة إسرائيل النووية ( يقول الخبراء أن لدى
إسرائيل حوالي 300 رأس نووي وهيدروجيني, ونيوتروني, وإشعاعي, وصواريخ لنقل
هذه الرؤوس إلى محيطها في الشرق الأوسط?)
14- ويكيلكس كشفت المستور
والمغطى من الكذب والخداع والنفاق والدجل الامريكي وكيف يمكن لشخص بسيط
ومؤمن بكشف الحق والحقيقة أن يخيف دولة "عظمى" مثل امريكا حيث أنشأت غرفة
عمليات على غرار غرفة عمليات حربية وسمتها غرفة ويكيليكس حيث أثارت رعب
امريكا من تسريباتها عن ازدواجية المعايير الامريكية في سياستها
واستراتيجيتها نحو الدول.. ومنها استفاد وائل غنيم في مصر, وفتحي تربل في
ليبيا وغيرهم من الشباب العرب الواعي والمتحفز لحقوقه ومبادئه وتطلعاته.
ما
هو الدرس الذي يمكن تعلمه من الأحداث المذهلة في تونس ومصر وليبيا? الدرس
الذي يمكن تعلمه من هذه الأحداث المذهلة هو كما قال جيمس زغبي (مؤسس ورئيس
المعهد العربي - الامريكي بواشنطن) في مقال في جريدة الرأي في 14/2/2011:
إن صوت الرأي العام العربي قد بات مهماً, ومهماً جداً. ويضيف الكاتب العربي
الامريكي اللبناني الأصل والمحب للعالم العربي: " فقد أدخلوا (الشباب)
عاملاً تحويلياً جديداً في المعادلة السياسية للمنطقة. فلن يكون من الممكن
بعد الآن للولايات المتحدة العمل والتصرف وكأن الرأي العام العربي غير
موجود.ولن يكون ممكناً لها بعد الآن فرض ما تشاء من سياسات على شعوب
المنطقة, وتوقع إن تلك الشعوب سوف تقبل بها بدون أي نقاش. ولن يكون
بمقدورها بعد اليوم أخذ السجال الإسرائيلي الداخلي أو الرأي العام
الإسرائيلي في الحسبان وتجاهل السجال الداخلي والرأي العام في الدول
العربية".
لقد تأخرت هذه الثورات العارمة سنوات لا بل عقود طويلة, إلا
أنه حان وقت استخلاص الدروس والتفكير العميق والتغيير والشفافية والتحديث
الشامل في الوضع العربي من جميع النواحي الفكرية والإيديولوجية والسياسية
الاقتصادية والعسكرية لرفع الظلم والقهر والذل وقمع الحريات والفساد
والبطالة والتخلف والنهوض بكرامة المواطن وأمنه وآماله لمستقبل أفضل طال
انتظاره.
* مستشار إعلامي سابق في وزارة الإعلام الأردنية