الأردن أكثر عرضة لاضطرابات الشرق الأوسط
نشرت "رويترز" تقريراً حول انعكاسات التوتر الحاصل في القدس على الأردن، خصوصاً مع انضمامها إلى تحالف عسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وتالياً نص التقرير:
مع انضمام الأردن إلى تحالف عسكري ضد "متشددي" تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا؛ فإن التوترات في مدينة القدس تمثل ما قد يكون خطرا أكبر على بلد تفادى بالكاد اضطرابات تعصف بمنطقة الشرق الأوسط.
وثار قلق وغضب الأردن حليف الولايات المتحدة بسبب التصرفات الإسرائيلية الأخيرة في الحرم القدسي الشريف حيث يزيد التوتر من احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة من شأنها أن تضيف إلى الأزمات على حدود المملكة الأردنية بل ربما تتسلل إلى أراضيها.
وبالنسبة للعاهل الأردني الملك عبد الله - وبالنظر إلى أن معظم الأردنيين البالغ عددهم سبعة ملايين شخص أصولهم فلسطينية - فإن اغلاق الحرم القدسي لمدة يوم الأسبوع الماضي وصل إلى حد الإهانة الشخصية، فالعائلة الهاشمية لديها وصاية على المقدسات الاسلامية في القدس بما فيها المسجد الأقصى.
وقال محمد المومني وهو وزير دولة في الأردن وناطق باسم الحكومة: "من الأمور الأساسية التي تغضب الدولة الأردنية وشعبها السلوك الإسرائيلي في القدس. فمن ناحية نحاول مكافحة الارهاب والتشدد ومن ناحية أخرى نواجه بهذا التصرف المتهور".
وفي حين تقول "إسرائيل" إنها تشعر بحساسية إزاء آراء الأردن وتلقي باللوم على متشددين في اثارة التوتر بالحرم؛ فإن عمان ترد بعبارات صارمة على نحو غير معتاد. بل إن المملكة أشارت إلى أن الأزمة قد تعرض معاهدة السلام التي وقعها الأردن مع "إسرائيل" عام 1994 للخطر، وهي فكرة لم تطرحها عمان أثناء مواجهات أعنف بكثير بين "إسرائيل" والفلسطينيين مثل الحرب على غزة في يوليو تموز وأغسطس آب.
ويسلط الأمر الضوء على الأهمية التي يوليها الملك عبد الله لأزمة تزيد من تعقيد سعيه لابقاء المملكة خالية من اضطرابات أطاحت بزعماء عرب آخرين وأسفرت عن حروب أهلية كثيرة في المنطقة منذ 2011.
وتوقيت ما حدث هو الأسوأ بالنسبة للأردن، فبعد أقل من شهرين على انضمامه للغارات الجوية في سوريا يصور اسلاميون أصوليون - بعضهم في الأردن - الأمر على أنه هجوم على الاسلام وليس على تنظيم الدولة الاسلامية.
وبعض الاردنيين غير مقتنعين بمنطق الانضمام إلى حرب تقودها الولايات المتحدة خشية أن يدفع هذا إسلاميين متشددين في الأردن إلى الانتقام. ويوجد في الأردن - مثل باقي الدول الاسلامية - متعاطفون مع التنظيم "المتشدد"...
واستدعى الأردن أمس الأربعاء سفيره في "إسرائيل" للاحتجاج في أول خطوة من نوعها منذ السلام بين البلدين لكن المنصب ظل شاغرا مرتين منذ ذلك الحين.
دماء الأردنيين "روت" تراب القدس
نصت معاهدة السلام مع "إسرائيل" عام 1994 المعروفة باسم وادي عربة على رعاية الأردن للحرم القدسي لكن جذور هذه الرعاية تعود إلى عام 1924 عندما منح وجهاء فلسطين في القدس حق الرعاية للشريف حسين جد جد الملك عبد الله.
وتأكدت الرعاية من جديد في اتفاقية وقعتها السلطة الفلسطينية العام الماضي مع الملك عبد الله. وتعرف المنطقة التي تضم أيضا مسجد قبة الصخرة باسم الحرم القدسي الشريف عند المسلمين وجبل الهيكل "المزعوم" عند اليهود.
ويعتبر الحرم شرارة جاهزة للاشتعال في الصراع وهو ثالث الحرمين الشريفين عند المسلمين وأكثر الأماكن قدسية عند اليهود. ويدير عدة مئات من الموظفين الأردنيين الحرم ويسمحون لليهود بزيارته لكن دون الصلاة فيه.
وكانت "إسرائيل" قد أغلقت الحرم يوم الخميس ردا على اطلاق النار على ناشط اسرائيلي-أمريكي من أقصى اليمين بعد ان طالب بالسماح لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الاقصى. وأعيد فتح الحرم القدسي في اليوم التالي بعد ما وصفه مسؤولون أردنيون بأنه تدخل شخصي من الملك عبد الله.
والاغلاق هو الأول من نوعه منذ 2000 عندما أشعلت زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون للحرم شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
واستخدم الملك عبد الله لغة صارمة غير معتادة في انتقاده الأخير لـ"إسرائيل". وشبه في الآونة الأخيرة المتشددين الاسلاميين بـ"الصهاينة المتشددين".
وفي كلمة ألقاها هذا الأسبوع قال إن القدس "روت دماء شهدائنا ترابها" في إشارة إلى الجنود الأردنيين الذين سقطوا قتلى في حرب عام 1948 والتي أدت إلى قيام دولة "إسرائيل".
وأضاف أن الأردن الذي ظل يحكم الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية من عام 1948 إلى 1967 سيتصدى "بشتى الوسائل للممارسات والسياسات الإسرائيلية الأحادية في القدس الشريف والحفاظ على مقدساتها الاسلامية والمسيحية".
وقال دبلوماسي في عمان "إنه (الملك عبد الله) منزعج وقلق للغاية.. القدس هي كل شيء".
وتابع: "لا يمكنك المبالغة في مدى أهميتها. إنها آخر شيء يريدونه. يكفي ما يحدث في سوريا والعراق ويتأثر الأردن بهما".
وأضاف: "كلما تعرضنا لنوبة كبيرة من التشدد في المنطقة؛ فإن الأردن يشعر بهبوب الرياح. وفي هذا مدعاة للقلق وليس للتفكير في أنه سيكون هناك انعدام للاستقرار على المدى القصير".
خلطة قابلة للاشتعال
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الوضع الراهن في الحرم القدسي والذي تم الاتفاق بشأنه مع الأردن بعد حرب عام 1967 لن يتغير. لكنه يتعرض لضغوط حتى من داخل حزب ليكود الذي ينتمي إليه. وتحدى عضو من أقصى اليمين في ليكود دعوات نتنياهو إلى ضبط النفس وزار الحرم يوم الأحد.
وأفاد بيان إسرائيلي أن نتنياهو أكد من جديد للملك عبد الله في اتصال هاتفي يوم الخميس أن "إسرائيل" لا تعتزم تغيير الوضع. ونسب الديوان الملكي للملك عبد الله قوله لنتنياهو في المحادثة إنه يرفض أي محاولة لتغيير قدسية المسجد الأقصى أو اتخاذ إجراءات من شأنها أن تهدد أو تغير الوضع القائم.
وتقول "إسرائيل" إنها تنشد الاستقرار في الأردن وإنها تشعر بحساسية من موقف المملكة. وقال دانييل نيفو السفير الإسرائيلي في الأردن للإذاعة الإسرائيلية في مقابلة بثت يوم الأربعاء "خوفنا الأكبر هذه الأيام هو أن يحاول أحد خلق اضطرابات في جبل الهيكل لاشعال المنطقة وايذاء كل من الأردن وإسرائيل".
وبالنسبة للأردن؛ فإن شبح تفجر الصراع مرة أخرى بين "إسرائيل" والفلسطينيين يجلب مخاطر تختلف عن تلك التي تثيرها سيطرة الدولة الاسلامية على مناطق واسعة في سوريا والعراق. واستقبل الأردن موجات من اللاجئين الفلسطينيين منذ حربي 1948 و1967 كما تمثل المشاعر القومية الفلسطينية مصدرا للقلق منذ عقود.
وإلى جانب ذلك توجد مشاكل اجتماعية واقتصادية في الأردن حيث يصل معدل البطالة إلى 11.4 في المئة لكن الأرقام غير الرسمية تفيد بأنه ضعف هذه النسبة. كما يشوب البطء وتيرة الاصلاح السياسي مما يجعل الأردن في مواجهة نفس الخليط القابل للاشتعال الذي أجج الانتفاضات العربية عام 2011.
وفي ليلة صافية يمكن رؤية أنوار القدس من مشارف العاصمة الأردنية، ويجعل هذا القرب الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين مختلفا عن الحروب في سوريا والعراق.
وبعض الأحياء الأكثر فقرا في عمان هي في الواقع مخيمات للاجئين الفلسطينيين، وأصبحت بمرور الوقت مناطق سكن دائم ويعيش فيها أبناء الفلسطينيين الذين اضطروا إلى الفرار في حربي 1948 و1967. وبالنسبة للفلسطينيين الأردنيين فإن القدس تعني ما هو أكثر بكثير مما تعنيه الحرب على الدولة الاسلامية.
وقال ثائر داود (46 عاما) وهو صاحب متجر في عمان وتنحدر عائلته من قرية قرب مدينة رام الله بالضفة الغربية: "في سوريا الناس يتصدون للظلم ويريدون أن يتحرروا منه. لكن فلسطين والقدس أراض محتلة ومغتصبة".
وأضاف من متجر في منطقة يغلب على سكانها الفلسطينيون في عمان: "لا تعلم تحديدا ماذا سيحدث لأن هناك الكثيرين من الضفة الغربية هنا. لن يرضى أحد بما يحدث في فلسطين".
وتمكن الأردن من اجتياز الانتفاضتين الفلسطينيتين السابقتين دون اضطرابات كبيرة.
وقال المومني: "نبلي بلاء حسنا في الحفاظ على السلام والأمن.. يؤمن المزيد والمزيد من الأردنيين بفكرة أن الاستقرار والأمن هما نفط هذا البلد. ولهذا نحميه بشدة".
لكن وفي ضوء التحديات الداخلية في الأردن - كالبطالة والفقر وغياب التمثيل السياسي لجميع الأطياف - فإن الصراع في القدس سيجعل من الأسهل على جماعات مثل الدولة الإسلامية أن تجند "متشددين".
وقال طاهر المصري وهو رئيس وزراء سابق من عائلة فلسطينية كبيررة إن الاحتجاجات الشعبية بسبب القدس ستكون قوية لكن شعور الأفراد بالاحباط سيكون أقوى بكثير.
وأضاف أن خطر الدولة الإسلامية لا يكمن في عبورها الحدود وإنما في المشاعر أو الاحباطات بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية.