تهديدات شارون .. هل هي دليل قوة أم خوف؟
لا يعني الصراخ والتهديد دائما هو القوة وانما احيانا كثيرة يكون ردة فعل لخوف دفين يسعى الصراخ الذي بدأ يسمعنا اياه شارون على انه دليل قوة حتى ولو كان شارون بطل مذبحة صبرا وشاتيلا التي كانت احد اسباب شعبيته في اسرائيل التي اوصلته الى رئاسة الوزراء.
فشارون مثله مثل باراك وغيره من الساسة الاسرائيليين الذين استثمروا ما قاموا به من جرائم بحق الشعب الفلسطيني للوصول الى السلطة ثم يكون صمود الفلسطينيين ووقوفهم بوجه المحتل الصخرة التي تتكسر فوقها طموحات هؤلاء الساسة فيخرجون ذليلين من السلطة وينزوون في ركن ضيق بعد ان خسروا مستقبلهم السياسي.
ولعل الكثيرين منا يتذكرون تلك الصور التي استثمرها باراك عن دوره في عملية فردان لاغتيال ثلاثة من المناضلين الفلسطينيين في بيروت في ابريل (نيسان) عام 1973، وكيف كانت بالنسبة اليه بطولة استحق عليها رئاسة الوزراء. ثم ها هو شارون يريد ان يستثمر صيته الذي بناه من خلال مذبحة صبرا وشاتيلا في التأثير على الفلسطينيين لتقديم التنازلات ليثبت انه القادر على حماية الاسرائيليين من دون أن يتنازل للفلسطينيين عن شيء.
وشارون وهو يهدد ويتوعد يدرك ان الزمن غير الزمن الذي بنى فيه بطولاته، وان العالم لن يقبل منه ان يقضي على ما تحقق من خطوات في سبيل التوصل الى سلام في الشرق الأوسط. كما انه ليس من الغباء بأن يغامر بأمن اسرائيل وهو يدرك ان العالم لن يوافقه على ما يتخذه من اجراءات قد تجر المنطقة الى ما لا يحمد عقباه، خصوصا بالنسبة لاسرائيل.
ولهذا فالمتوقع هو ان تعمد اسرائيل الى تشديد ضغوطها على الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وان تصل هذه الضغوط الى حد تصفية بعض عناصر السلطة التي تراها اسرائيل متشددة وتقف في وجه تقديم أي تنازلات.
لذلك فالوضع سيتوقف على ردة الفعل الشعبية الفلسطينية ومدى قدرة السلطة الفلسطينية على الصمود أمام الضغوط الاسرائيلية فهذا سيجبر شارون على التراجع عن تهديداته والسير في طريق السلام، خصوصا انه يعلم مدى شعبيته في اسرائيل التي يمكن ان يستثمرها في اقرار سلام يقبل به الاسرائيليون من منطلق ثقتهم بأن شارون لن يقدم على سلام الا في وقت لا يرى فيه حلا آخر. كما ان توجه شارون نحو السلام أهون عليه من أن يرى نفسه قد لحق بركب باراك ويدخل في دائرة النسيان.
ولكن ماذا عن الراعي الأميركي لعملية السلام بعد وصول الجمهوريين للحكم، وهل يمكن للطرف العربي أن يعول عليه كثيرا في هذه العملية مستثمرا حالة تفهم الجمهوريين للمواقف العربية؟
لعل الجواب القريب من الواقع ان هذا التفهم الاميركي للمواقف العربية اذا كان مفيدا للعرب من جانب فإنه سيكون مفيدا لاسرائيل من جانبين أو اكثر، فاسرائيل قادرة بما لديها من قوى ضغط داخل الولايات المتحدة على استثمار هذه العلاقة العربية ـ الاميركية بعد وصول الجمهوريين الى السلطة في ارغام القيادة الأميركية على اثبات ان مواقفها لا تزال مؤيدة لاسرائيل، وذلك من خلال اتخاذ مواقف وقرارات لم يتخذها الديمقراطيون الذين لم يكونوا في حاجة الى صك لاثبات مواقفهم المؤيدة لاسرائيل.
كما ان اسرائيل ستسعى بكل ما اوتيت من قوة لاستثمار العلاقة الاميركية ـ العربية الجيدة في الضغط على الاطراف العربية لتقديم تنازلات او تخفيف مواقفها الداعمة للفلسطينيين. ولهذا فالراعي الأميركي لا ينبغي التعويل عليه اكثر من اللازم حتى لا نفاجأ بمواقف تجعل الكثيرين منا يترحمون على كلينتون وحكومته.
ان حسم الموقف بيد الفلسطينيين، خصوصا ان الحكومة التي شكلها شارون مهما حاولت الصمود والظهور بمظهر متجانس الا انها لن تستمر طويلا وسيبرز الصراع بين اجنحتها المتعارضة المصالح، كما حدث اخيرا بين شارون ووزير خارجيته شيمعون بيريز ولهذا فالوقت والتوجهات الدولية كلها في صالح الفلسطينيين الذين عليهم الصمود فقط ولا شيء غير الصمود.