عُرف الصيام قديماً منذ آلاف السنين عند
معظم شعوب العالم، وكان دائماً الوسيلة الطبيعية للشفاء من كثير من
الأمراض. ونحن اليوم نستطيع أن نشاهد ما كتبه حكماء الإغريق منذ آلاف
السنين حول فوائد الصيام من خلال المخطوطات القديمة الموجودة في متاحف
العالم. ونجد الأطباء منذ القديم يوصون بالصوم مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو
وجالينوس والذين يؤكدون أن الصوم هو الطريق الطبيعي للشفاء من الأمراض.
إن الدواء لكثير من الأمراض موجود في داخل كل منا، فجميع الأطباء يؤكدون
اليوم أن الصوم ضرورة حيوية لكل إنسان حتى ولو كان يبدو صحيح الجسم،
فالسموم التي تتراكم خلال حياة الإنسان لا يمكن إزالتها إلا بالصيام
والامتناع عن الطعام والشراب. يقول أحد الأطباء: يدخل إلى جسم كل واحد منا
في فترة حياته من الماء الذي يشربه فقط أكثر من مئتي كيلو غرام من المعادن
والمواد السامة!! (2) وكل واحد منا يستهلك في الهواء الذي يستنشقه عدة
كيلوغرامات من المواد السامة والملوثة مثل أكاسيد الكربون والرصاص
والكبريت.
فتأمل معي كم يستهلك الإنسان من معادن لا يستطيع الجسم أن يمتصها أو يستفيد
منها، بل هي عبء ثقيل تجعل الإنسان يحسّ بالوهن والضعف وحتى الاضطراب في
التفكير، بمعنى آخر هذه السموم تنعكس سلباً على جسده ونفسه، وقد تكون هي
السبب الخفي الذي لا يراه الطبيب لكثير من الأمراض المزمنة، ولكن ما هو
الحل؟
إن الحل الأمثل لاستئصال هذه المواد المتراكمة في خلايا الجسم هو استخدام
سلاح الصوم الذي يقوم بصيانة وتنظيف هذه الخلايا بشكل فعال، وإن أفضل أنواع
الصوم ما كان منتظماً. ونحن عندما نصوم لله شهراً في كل عام إنما نتبع
نظاماً ميكانيكياً جيداً لتصريف مختلف أنواع السموم من أجسادنا.
.
ومن فوائد الصيام التي يجهلها الكثير منا:
- الصوم أقوى سلاح للاضطرابات النفسية, فلدى البدء بالصوم يبدأ الدم بطرح
الفضلات السامة منه أي يصبح أكثر نقاء، وعندما يذهب هذا الدم للدماغ يقوم
بتنظيفه أيضاً فيكون لدينا دماغ أكثر قدرة على التفكير والتحمل، بكلمة أخرى
أكثر استقراراً للوضع النفسي.
- سلاح ضد البدانة والوزن الزائد, حالما يبدأ الإنسان بالصيام تبدأ
الخلايا الضعيفة والمريضة أو المتضررة في الجسم لتكون غذاءً لهذا الجسم حسب
قاعدة: الأضعف سيكون غذاءً للأقوى، وسوف يمارس الجسم عملية الهضم الآلي
للمواد المخزنة على شكل شحوم ضارة، وسوف يبدأ “بانتهام” النفايات السامة
والأنسجة المتضررة ويزيل هذه السموم. ويؤكد الباحثون أن هذه العملية تكون
في أعلى مستوياتها في حالة الصيام الكامل، أي الصيام عن الطعام والشراب،
وبكلمة أخرى الصيام الإسلامي، فتأمل عظمة الصيام الذي فرضه الله علينا
والفائدة التي يقدمها لنا.
- الصوم يكسر حدة الشهوة الجنسية, إن إنتاج الهرمون الجنسي يكاد يكون
معدوماً أثناء الصوم، وهذا ما حدثنا عنه الحبيب الأعظم صلوات الله وسلامه
عليه بقوله: (فعليه بالصوم فإنه له وِجاء). والوِجاء هو رضّ عروق البيضتين
فيكون شبيهاً بالخصاء (6). وفي هذه الكلمة إشارة قوية وعلمية لانخفاض شهية
الصائم الجنسية بسبب انخفاض هرمون الجنس عنده حتى الحدود الدنيا.
- الصوم يطيل العمر, الصيام يطيل العمر! حتى إن التجارب قد أظهرت أن
ممارسة الصيام على الحيوانات يضاعف من فترة بقائها أو حياتها! (7). ونجد
كذلك المئات من الكتب الصادرة حول الصيام وهي لمؤلفين غير مسلمين، وجميعهم
يؤكدون علاقة الصيام بالعمر المديد، ويؤكد كثير من العلماء أن الصوم هو
أفضل طريقة للسيطرة على جسم صحيح ومعافى.
- الصوم مفيد حتى لمدمني المخدرات والتدخين.
- أمراض الجهاز الهضمي علاجها مؤكد مئة بالمئة.
- الصوم شفاء من آلام المفاصل.
- أهم فائدة أنه اضافه اليه, فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (كل عمل
ابن ادم له الا الصوم فانه لي وانا اجزئ به)رواه الامام البخاري في صحيحه.
- التقوى, فرض الله تعالى علينا صيام رمضان، وصولا للتقوى، فهي الثمرة
المرجوة من الصيام، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) ، والتقوى هي التجنب عن كل ما يؤثم من فعل, وقيل هي
امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه بفعل كل مأمور به، وترك كل منهي عنه
بحسب الطاقة, أو هي أن تجعل بينك و بين ما حرّم الله حاجزا بامتثال الأوامر
و اجتناب النواهي, أو التقوى هي: الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و
الرضا بالقليل و الاستعداد ليوم الرحيل, فالصيام له فوائد عديدة، وشرعه
الله تعالى علينا لحكم كثيرة، ومن أهمها الوصول للتقوى
معجزة نبويةإن الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه
يقول: (والصوم جُنَّة)، فماذا تعني هذه الكلمة؟ ففي معجم مختار الصحاح نجد
أن معنى كلمة (الجُنَّة): هو السلاح الذي يستتر به المرء. والصيام هو سلاح
لا يراه الآخرون ولكنه يمارس عمله في الخفاء، فيدمر الخلايا الهرمة
والضعيفة وبنفس الوقت يهاجم السموم في مخابئها ويخرجها ويبعدها. أليس
التعبير النبوي عن الصيام دقيقاً من الناحية العلمية والطبية؟
إن ما يقدمه لك الدواء في سنوات قد يقدمه لك الصيام في أيام وبدون آثار
سلبية, ولذلك فإن الصيام يحسن أداء أجهزة الدفاع لدى الجسم ويقوّي نظام
المناعة، فالصيام هو سلاح بكل معنى الكلمة! هذا السلاح يحمينا من هجمات
الفيروسات المحتملة ويقينا مختلف الأمراض، أليس الرسول على حق عندما سمى
الصيام (جُنَّة) أي سلاح نستتر به؟ أليست هذه معجزة نبوية مبهرة؟!
ومن نعمة الله علينا أن جعل خير الشهور شهر رمضان، وأنزل فيه أعظم كتاب على
وجه الأرض وهو القرآن فقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ
عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
[البقرة: 185].