هل الأُبوة غريزة ، بمعنى هل تنمو معنا أم أننا نكتسبها بعد أن نصبح آباء؟ نادرا ما يفكر الرجال بهذه المسألة. فهم يعتمدون وربما بحكم تربيتهم ، على الزوجة لتقوم بدور الأب والأُم معا.
وعادة ما يخطر ببالنا سؤال: لماذا لا تكون "دورات" لتدريب الرجل على ممارسة "الأُبوة" ، تماما كما تفعل المرأة حين تذهب الى مراكز الصحة والأُمومة والطفولة لكي تتعلم وهي في فترة الحمل كيف تتعامل مع"وضعها" الجديد.
وفي دول الغرب ـ بعضها ـ يحرصون على تواجد الزوج في غرفة العمليات لكي يرى زوجته وهي تضع مولودها وبالتالي يرى معاناتها الحقيقية في أصعب ما قد تتعرض له المرأة في حياتها (الولادة).
تدريب
ترى هل حقا نحتاج الى "تدريب" لكي نعرف كيف نمارس الأُمومة والأُبوّة؟.. الدكتور حسين الخزاعي (استاذ علم الاجتماع ) يؤكد ذلك ويقول: "يعتقد الناس أن ممارسة الأبوة لا تحتاج إلى المعلومات وتعلم الفنون المختلفة ، في حين أننا نعتقد أنها تمثل فناً وتعتمد على الوعي والمهارة. ويجب أن يعي الشخص بعض الأمور قبل أن يصبح أباً.وسيحصل على المهارة من خلال عمله وممارسته لمسؤولية الأبوة.
فالأبوة فن يحتاج إلى العقل والتدبير والتخطيط والمنهج والهدف. وما البيت إلا مصنع لصناعة الإنسان، وإن النجاح حليف ذلك الشخص الذي تشمل التربية عدة مواضيع لا يستطيع أي إنسان أن يدعي بأنه يلم بها جميعاً ، بل إنه مضطر لتعلم فنونها الخاصة...، وهذا يؤكد بأن الأبوة إنما هي مسؤولية عملية تحتاج إلى الوعي و التعلم و المطالعة..، ويرى موسى تحسين أنه ليس صحيحاً أن يخدع الإنسان نفسه فيترك أولاده لشأنهم أو يضطرهم ليلجأوا إلى غيره...، ويضيف: يجب أن نبني أنفسنا لأداء هذه الوظيفة ويرتبط هذا الواجب بوجود الولد طبعاً.فصلاح الأب وفساده يؤثران على الطفل حتماً. نعم.. على الآباء أن يهيئوا أنفسهم لهذه المرحلة وإنجاز هذه المسؤولية بأفضل وجه ويثبتوا مهارتهم وكفاءتهم. ولا يمكن تربية النشء تربية جيدة لتقر بهم العيون إلا من خلال تحمل هذه المسؤولية وعدم التهرب منها..
رباط مقدس
وتقول سناء الغندور: تبدأ الأسرة أول ما تبدأ بزوجين.. رجل وامرأة يربط بينهما رباط مقدس هو (الزواج) الشرعي المعلن الذي يباركه الله ، ويقدره الناس ، وتقوم على أساسه حقوق وواجبات ، ويهب الله سبحانه وتعالى لمن يشاء منهم الإناث ولمن يشاء الذكور.. فتكون الأمومة والأبوة.
وتبدأ الأسرة الضيقة في الاتساع شيئاً فشيئاً: فالأولاد هدف أساسي من أهداف الأسرة ، وأهداف الزواج ، عملا بقوله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) [النحل:,72
وإذا كانت الأديان كلها قد عنيت بالأمومة وحقوقها فإن هناك ما يضيعها فمسألة تقسيم الأمومة بين امرأتين: الأم المورثة والأم الحاملة والوالدة إفساد لمعنى الأمومة التي عنيت بها الأديان ، ورتبت عليها حقوقا وواجبات ، فقد ضاع معنى الأمومة ، وتاهت حقيقتها بين المرأتين المذكورتين ، فلئن كانت صاحبة البويضة هي التي تنقل إلى الطفل كل ما يمكن أن يرثه منها ومن أبيه ومن أسرتيهما ، فإن صاحبة الرحم هي التي عانت ما عانت في حملها وولادتها ، وغذته طوال فترة الحمل من دمها ، وهذه المعاناة لها أهميتها ودورها في إبراز معنى الأمومة واستحقاقها بسببها البر والإحسان.
يتيم الأبوين
وترى مريم حسون أن: حرمان الطفل من أحد والديه ، مثل حرمانه من أب ينتسب إليه ويشعر برعايته له ، جريمة كبرى وإثم عظيم ، كما نرى ذلك في قضية اللقطاء الذين تحمل بهم أمهاتهم حملا غير شرعي: فموجة الإباحية التي قذفت بها الحضارة المعاصرة هي التي أدت إلى ظهور أمهات غير متزوجات ، وذلك نتيجة انتشار الزنى ، وهو الذي حرم الأبناء والبنات من آبائهم الحقيقيين ، وأشنع من ذلك محنة اللقطاء .
تكامل التربية
ويتناول حازم محمد إمام الموضوع من وجهة نظره ويقول: تربية الأطفال تتطلب ما هو أكثر من الجهد: فالطفولة الإنسانية هي أطول طفولة وأعسرها بالنسبة للحيوانات كلها ، فمن الحيوانات والطيور ما يصبح صالحا للحركة والانطلاق بمجرد ولادته ، ولكن الله سبحانه وتعالى علم أن الإنسان يحتاج إلى طول عناية وتدريب وتعليم وتأديب ، ومن هنا جاءت مسؤولية الأبوين اللذين أنجباه ، وكانا سبب خروجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود ، ومسؤوليتهما عن رعاية الجانب المادي في حياته وعن رعاية الجوانب الأدبية والروحية كذلك ، وأول ما يجب على الأبوين هو إرضاع الطفل..
ومن تكامل الأمومة والأبوة أن يتفاهما معا على نهج واحد في التربية: فلا يجوز أن ينهج الوالد نهج الشدة والقسوة على الأولاد ، في حين تنهج الأم نهج التساهل والتدليل ، وإنما عليهما أن ينهجا المنهج الوسط الذي لا يسرف في الشدة ولا يغلو في التدليل ، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على بعض زعماء الأعراب الذي استغرب من تقبيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم خد أحفاده ، حتى قال للنبي: "إن لي عشرة من الولد ، ما قبلت منهم أحدا قط ، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: "من لا يرحم لا يُرحم" - أو كما قال صلى الله عليه وسلم .