إن شهر رمضان جسر ممدود إلى الجنة ، من عرف كيف يسير في دربه وضع أقدامه في الجنة يوم تزّل أقدام وأقدام في النار .
أخي أختي: إذا أردنا أن نكون من سعداء رمضان وعتقائه من النار فلابد أن نفهم وندرك ونعقل عدة أمور .
أولا :
أنّ الصوم ليس مجرد امتناع عن الأكل والشرب والجماع :
فخاب وخسر من ظن أن هذا هو الصيام فحسب، فهل الله تعالى في حاجة إلى تعذيبنا ؟ أم الله تعالى في حاجة إلى أن يجوعنا ويعطشنا ؟
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فالله غني عنا، فهو الحي القيوم سبحانه ،لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة الطائع .
ولكنّ الصوم تربية متكاملة للإنسان ، لهذا فالصيام الحقيقي هو صيام القلب وصيام العقل والفكر وصيام الجوارح .
فليس بصائم من يصوم بفيه عن الأكل والشرب , ولا يصوم بقلبه عن أمراض النفوس من حسد وبغض وحقد وشحناء , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب."
وليس بصائم من صام عن الأكل والشرب ولم يصم بجوارحه عن أذيّة الناس بالغيبة والنميمة والإستهزاء والسخرية والوقوع في الأعراض والكذب والغش والخداع والبطش بالمؤمنين بيده ورجله , فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ."
وليس بصائم من صام بفيه عن الأكل والشرب ولم يصم بعقله عما يغضب الله ، فتجده يُحَكِّمُ عقله على نصوص الوحي الكريم الشريف ، فما وافق هواه قبله وما خالفه رده .
وإذا ذُكِّرَ بأمر الله وبأمر رسوله صلى الله عليه وسلم , أعرض وأستكبر,
" {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }البقرة206"
"
"
أخي الحبيب / أختي الحبيبة :
الصوم الصحيح الذي يدخل صاحبه الجنة هو صوم العقل والقلب والجوارح عن كل ما يغضب الله سبحانه.
"
"
:
ثانيا :
أنّ الصوم عبادة وليس عادة :
فالصوم الذي يضمن لصاحبه الجنة هو صوم العقلاء , أولوا الألباب :
والعاقل هو الذي يعرف ماذا يفعل , ولماذا يفعل .
وإنّك ترى كثيرا من الصائمين لا أثر للصوم على أخلاقهم وسلوكهم , لأن صومهم ليس صوم عقل مؤمن, بل صوم عادة جامدة ومتابعة للناس ليس أكثر ، وجدوا الناس يصومون فصاموا , وجدوا أبائهم يصومون فصاموا.
لهذا لم يكن رمضان عنصرا فاعلا حيّا مؤثرا في حياتهم , بل هو شهر ولد ميتا في قلوبهم ونفوسهم , فلم يعرفوا له قيمة , ولم يرفعوا له قدرا . ولا أقصد بالعقلاء هنا أصحاب الشهادات ، بل العقلاء هم الذين يعرفون أنهم بصومهم يسجدون في محراب العبادة بقلوبهم وعقولهم وجوارحهم تعظيما وإجلالا لرب العالمين , واستسلاما لمالك الملك فيما يأمر وينهي ، بروح مفعمة بالمحبة للمعبود العظيم الواحد الأحد سبحانه وتعالى