تكاد تكون «كاتمة اسرار» الملك لولا الملامة، عندما جعلت رندا حبيب من نفسها محوراً للكتاب، إذ تشعرك وانت تقرأه انها تحظى بمكانة مميزة عند صاحب العرش لم تعط من قبل لاحد من الصحافيين والإعلاميين العرب او الأجانب.
عمدت مديرة مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في الاردن إلى استخدام وصف الذات في كل موضع ترى فيه نفسها، وهي التي اعجبت بالملك منذ ان كانت طالبة في بيروت تواقة للعمل في الصحافة، وحصلت على مقابلة معه عام 1972 نشرتها مجلة «ماغازين»، وطرح فيها فكرة اقامة المملكة العربية المتحدة التي تجمع الضفة الغربية والاردن.
30 سنة امضتها «حبيب» في الاردن اتاحت لها معايشة حكم الملك حسين والتحديات التي واجهها و«الاسرار» التي كشفتها وصولاً إلى عهد الملك عبدالله، وروت كيف تحولت هي الى مادة للكتاب مستشهدة بالعديد من الامثلة، منها شكوى عبدالحليم خدام عام 1990 من رسائلها حول الدور السوري في لبنان وطلبه مقابلة الملك لهذا الغرض، وقد اخبرها الملك بذلك شخصياً، وقصة اللقاء الذي جرى عام 1985 بين وزير الخارجية الالماني وابوجهاد في بيتها، والعلاقة التي ارتبط بها مع ابوجهاد.
بحسب الروايات التي سجلتها بالكتاب اوحت للقارئ ان العلاقة بينها وبين الملك كانت مباشرة وشكلت مصدر معلوماتها، وهي مكانة لم ينلها صحافي في تاريخ الاردن من قبل.
اكثرت حبيب عبارات مثل: «كنت جالسة الى يمين الملك»، و«كنا جالسين معا»، و«قال لي الملك»، و«دعاني الملك الى مرافقة الوفد الاردني الى واشنطن»، و«دعاني للانضمام اليه»، و«جلست قبالة الملك حسين وزوجته»، و«حصلت بناء على امر من الملك على نسخة من الخطاب»، و«كنت الصحافية الوحيدة التي سمح لها باستقلال الطائرة»، و«كنت جالسة الى يمين الملك والملكة نور قبالتنا».. الى آخر ما هنالك من جمل وكلمات تنم عن شخصانية قوية وحضور غير عادي في مواقع واماكن لا تتاح بالعادة للمراسلين او الصحافيين.
عشرة فصول، وملحق المراسلات بينه وبين شقيقه، وست صفحات صور غنية بالمعلومات والوقائع، قدمت فيها تاريخ الملك حسين باخفاقاته ونجاحاته ورسمت صورة للملك عبدالله وابرز التحديات التي واجهته.
منذ متى تعرفا
روت الوقائع السياسية لجنازة الملك والمصالحات التي تمت في المناسبة وحكت عن مرضه، وكيف اسر لها احد المقربين منه «لم يعد هناك امل» وقصة خلافه مع شقيقه الامير حسن عندما طلب منه عام 1992 خلال لقاء خاص تعيين حمزة ابنه من الملكة نور وليا للعهد لدى تولي الحسن العرش، لكنه رفض قائلا «يوم اصبح ملكا سأقوم بنفسي بتعيين خليفتي». وعندما قام الملك بتعيين ابنه البكر الامير عبدالله، وقصة ذهابه الى مطار بن غوريون للمشاركة في تأبين اسحاق رابين، ومن ثم الى القدس، والحوار الذي دار بين رندة حبيب والملك على شرفة الفندق، الذي نزل فيه في القدس وعبارته «لدي انطباع باني دفنت السلام، لقد اعتدت وجوده بجانبي»، وتحدثت عن محاثات السلام وتوقيع اتفاق وادي عربة وانها حصلت على خطاب الملك قبل لقائه والذي اعلن فيه ذلك الارتباط القانوني الاداري مع الضفة الغربية عام 1988، وكذلك تفردها بنشر خبر لقائه مع اسحق رابين في البيت الابيض قبل حدوثه وتعرضت بسببه للتحقيق، حيث تبين فيما بعد ان مصدر الخبر هو الملك نفسه الذي دعاها الى مرافقة الوفد الاردني الى واشنطن لحضور مراسيم اعلان السلام.
وتنقل الحوار الخاص الذي دار بين الملك ورابين وكلينتون بعد توقيع اتفاق السلام في البيت الابيض، عندما وجه كلينتون السؤال الى الاثنين: قولا لي، منذ متى وكلاكما يعرف الآخر؟
منذ 21 سنة، اجاب رابين.
في الحقيقة، منذ 20 سنة فقط، رد الملك حسين مصححا.
وفي المساء قبل العشاء كان الملك يتحدث الى اعضاء الوفد الاردني عندما قال لها مازحا «رأيتك في حديقة البيت الابيض، كنت تخفين الجهاز الخليوي في شعرك وانت ترسلين الاخبار»، وانتهى المشهد بدعوة الملك ورابين الى الكونغرس ليكرر الملك قوله «انتهت حالة الحرب بين الاردن واسرائيل وبات البلدان شريكين في السعي نحو بناء مستقبل يعمه السلام»، وصولا الى عبور طائرته فوق الاجواء الاسرائيلية للمرة الاولى في التاريخ والحوار الذي دار بين طياري اف 150 الاسرائيليين وبين اسحق رابين لمدة 25 دقيقة.
السم الإسرائيلي
وفي فصل «اسرائيل: علاقة جوار دائمة»، تسرد محطات اللقاء والافتراق بين الملك حسين ونتنياهو الذي خشي من تصرفاته، ولم يكن يثق به على الرغم من اللقاءات التي تمت بينهما وجاء فوزه في انتخابات رئاسة الوزراء بعد اغتيال اسحق رابين مخيبا للآمال.
وعن محاولة الاغتيال التي تعرض لها خالد مشعل على ايدي رجلي موساد اسرائيليين في احد شوارع مدينة عمان وبواسطة مواد سامة ولم يكن من الممكن انقاذه، الا بالحصول على مصل مضاد للمادة التي تم حقنه بها، ولم يهدأ الملك، الا بعد ان اتصل بنتنياهو، وطلب ارسال المصل المضاد وتركيبة المادة السامة، والا.. وانتهى الامر بفعل ذلك لتتحسن صحة مشعل، وان رفض الملك استقبال غريمه رئيس الوزراء الاسرائيلي والوفد المرافق لتقديم الاعتذار.. وتطورت الامور فيما بعد اي في اكتوبر 1997 عندما حطت طائرة مروحية اسرائيلية فوق جبل عمان لتنقل عميلي الموساد الى القدس والثانية مروحية اردنية ستنقل الشيخ احمد ياسين الذي يعالج في مدينة الحسين الطبية الى مدينة غزة. كذلك الامر في موضوع العلاقات الفلسطينية ــ الاردنية والذي افردت له فصلا خاصا جرت قراءة احداثه على قاعدة الاضطراب والتقلب بين الملك وعرفات وانعدام الثقة بينهما في احيان كثيرة في ظل مناخ الريبة والتشكيك في دور كل واحد تجاه الآخر، بدءا من مجازر ايلول عام 1970 وانقطاع الحوار بينهما وعلاقتها الخاصة مع ابو جهاد والوساطة التي قامت بها وفي منزله بين السفير الالماني ووزير الخارجية مع ابو جهاد عام 1986 وقصة ابعاده من الاردن التي علمت بها قبل ان تصله! الى مرحلة فك الارتباط بالضفة الغربية وعودة العلاقات، ثم مرض عرفات وهو في عمان، واستمرت العلاقات متقلبة لغاية مرض الملك عام 1998 وهو ما يتماثل في كثير من الحالات مع العلاقات بالرئيس السوري حافظ الاسد الذي ساده جو من انعدام الثقة بين الجانبين الى ان تم «دفن الاحقاد» مع وفاة الملك عام 1999.
صناعة الاعداء
المحور الثالث تركز على العلاقة مع صدام حسين تحت عنوان «فن صناعة الاعداء» وهي علاقة اتخذت منذ البداية «منحى ايجابيا» عززها الاعجاب الذي يكنه اليه ويتمنى ان يكون مثله.. تسرد المؤلفة جملة من المواقف تدل على «جهل» صدام بالمعلومات وتشير الى ان الملك كان اول قائد عربي يعلن تأييده له عندما اندلعت الحرب مع ايران عام 1980 وبقي مؤيدا له خلال ثماني سنوات معتبرا ان الدفاع عن العراق يساوي الدفاع عن الاردن وتروي كيف حاول صدام ترضية الملك عندما قرر اعادة الاعتبار للعائلة الهاشمية وامر باعداد شجرة عائلة وضع اسمه فيها ليجعل من نفسه احد احفاد الرسول الكريم.
تروي قصة مشاركتها مع الفريق الاعلامي الذي رتبته وزارة الاعلام لمنطقة البصرة على 1994 حيث نصبت المئات في خيم «البدون» على الحدود مع الكويت وكيف تعرضت هي مع زملائها الى حادث اعتداء كاد يودي بحياتهم وابلاغها من قبل وزير الاعلام ان اسمها سيدرج في الكتاب الذهبي لبلاده لانها رفضت شتم صدام!
الوساطة بين الكويت وصدام
لم تتحدث عن دور الملك بالوساطة بين الكويت والعراق بعد انباء عن حشود على الحدود ومحورها جزيرتا وربة وبوبيان ولم تكتب عنها الا بعد شهر من الغزو والاقتراح يتعلق بتأجير الجزيرتين للعراق مقابل التصديق في الامم المتحدة على وثيقة الاعتراف باستقلال الكويت وسيادتها.
تؤكد رندا حبيب ان الملك نفى نفيا قاطعا ان يكون صدام ابلغه مسبقا بنيته غزو الكويت وبعد فشل كل الوساطات العربية بايجاد حل وقبول من صدام قال له الملك كيف يمكن ان نطلب من اسرائيل الانسحاب من الاراضي الفلسطينية اذا كان هناك بلد عربي يرفض الانسحاب من اراضي بلد عربي اخر؟ بعد ذلك نأى الملك بنفسه عن صدام وكانت آخر زيارة له الى بغداد في ديسمبر 1990.
بعدها بسنتين تحول «حامي» الملك وصديقه الى «عدو له»! وحصلت القطيعة نهائياً عندما استقبل الملك صهري صدام الفريق حسين كامل واللواء صدام كامل اللذين هربا مع زوجتيهما ابنتي صدام رغد ورنا وطلبا اللجوء السياسي وتحقق لهما هذا الطلب..
وتروي قصة اللقاءات التي حدثت في عمان مع اعضاء بالاستخبارات الاميركية والبريطانية والسعودية والاسرائيلية للتشاور حول موضوع حسين كامل الرجل الثاني بالعراق والعارف بتفاصيل برنامج التسلح العراقي.
وتكمل روايتها عن مصير حسين كامل الذي صار عبئاً على الاردن بعد ان خذله الاميركيون لينتهي بمصيدة كما هو معروف بالعودة الى بغداد وقتله للتخلص منه بعد مفاوضات بدأها رجل الاعمال العراقي مزهر الخريبط والحوارات التي كانت تجري بينها وبين حسين كامل والاشارة الى القائمة التي قدمها للسلطات الاردنية باسماء الاعلاميين الذين كانوا يتلقون الاموال بصورة منتظمة من العراق..
بعد ذلك الحين لم يعد صدام بالنسبة الى الملك سوى مادة للتندر والقصص التي يرويها في الامسيات الخاصة، منها:
ــ لم افهم لماذا لم اكن قادراً على صيد اي شيء اي العكس من صدام حسين الذي كان يصيد اسماكاً الواحدة اكبر من الاخرى، علمت فيما بعد ان غطاساً كان مكلفاً تعليق السمك في صنارته.
اختطاف الصدر
وفي هذا الفصل رواية تنسبها للسفير الليبي في عمان عزيز شنيب بعد استقالته و«لجوئه» الى منزل الكاتبة حبيب وكشفه لبعض المعلومات تلك المتعلقة بأموال خصصها العقيد القذافي لتدبير انقلاب ضد الملك وكيف ان الزعيم الليبي كان وراء اغتيال الامام موسى الصدر، الذي اختفى في ليبيا عام 1978 بسبب طلب القذافي توجها جديدا على الصدر رفضه الاخير وهو من كان يتلقى منه المساعدة المالية لذلك امر بقتله وتصفيته مع رفاقه الثلاثة..
بقية الفصول كانت حول ازمة ولاية العهد والقرار المصيري الذي اتخذه بتنحية شقيقه ونهاية عهده والانتقال الى عهد جديد ومواجهة التحديات على المستوى الداخلي والفلسطيني والاسرائيلي في ظل طموح بلد فقير لم يحالفه الحظ بالحصول على نعمة النفط ولعب دور الوسيط لكن عدم الاستقرار في المنطقة لا يزال معوقا اساسيا امام طموحات المملكة التي قال عن موقعها الجغرافي رئيس الوزراء وصفي التل الذي اغتيل بالقاهرة انها «نعمة ونقمة» يعمل الاردنيون لكي يقيموا هذا التوازن بين طرفي المعادلة تضمن الكتاب ملحقا فيه رسالة الملك الحسين الى الامير الحسن بن طلال ورسالة الامير الحسن الى الملك الحسين واربع صفحات صور للملك في مختلف مراحل عمره والصور التي جمعتها هي مع الحسين وعبدالله..
«الحسين أباً وابناً ــ الاردن في ثلاثين عاماً ــ رندا حبيب ــ دار الساقي ــ الطبعة العربية ــ 2008
حمزة عليان
عن (الاخبار) اللبنانية