السلا م عليكم ورحمة الله وبركاتة
عندما يَهمُ الشخصُ بترجمةِ أفكارٍ معينةٍ إلى أحرفٍ كتابيةٍ فإنَّه يَفعلُ ذلكَ بناءً على فهمهِ الخاص للفكرةِ وتَبلورها في
عقلهِ , والغرضُ يكونُ لإيصالِ فِكرٍ معين أو حقيقةٍ علمية أو استنتاجٌ عقلي أو لأي أمر كان وهذا بالطبع أمرٌ لا غبار
عليه ولا تدليس ولا تثريب , ولكنْ الأدهى والأمّر أنْ يتوقع مِن كل مَن قرأ هذهِ الأحرف فِهمها مثلهُ تماماً وكما يُريد !
وتجدهُ يُلقي باللومِ والعتاب وما عظمَ من التوبيخِ والتجريحِ على مَن يفهم الموضوع على غيرِ ما أراد , وبطبيعة الحال
ذاكَ الشخصُ لا لَومَ عليهِ بأنْ فَهم الموضوع بطريقةٍ معينة لأنَّ استخدام الكلماتِ وفهم السياق يختلف من شخص إلى آخر
بحسب الاستخدام الاجتماعي والاصطلاح والمتعارف عليه للسياق , ولا نُغفل الحالة النفسية للقارئ والتي تؤثر بنسبة
كبيرة , وأيضاً قد يكون بالنص علةٌ ما لم يدركها الكاتب أدت إلى هذا الفهم , أو استخدام لغوي معين غير شائع , أو
ربط النص بشخصية الكاتب , بالإضافة إلى تفاوت مستويات البشر على كافة الأصعدة والمجالات.
إنه لمن المؤسف جداً أنْ تجد كاتب ينشر فكراً لا يفقه هذه الأمور ويفكر بهذه الطريقة , فالنص عند كتابته يحتمل تفاسير
عدة , وهذا قد لا يدل على عيب أو نقص أو قلة مهارة في الكاتب إطلاقاً , والدليل أنَّ كتاب الله عز وجل وهو أعظم
التنزيل مِن المكتوب والمقروء وأبلغُ ما على الوجودِ ومع هذا كله لم يجُمع المفسرون على تفسيره ولا الشُرّاح على
شرحه ولم يُجمع الناس أيضاً على فهمه , وهذه دلالة قطعية مُبشرة لمعاشر الكُتاب , لأن الرب في عالي سماه منزهٌ عن
أي عيبٍ أو نقص وله الكمال سبحانه وليس كمثله شيء
النص عندما يخرج للملأ فلا يعد فهمه مقصوراً على الكاتب أبداً ولا يعد ملكاً له من الأساس حينها – لا أقصد الملكية
الفكرية - , فلو فهم الناس نصٌ كتبه على أنه إلحادٌ أو كفر وهو لم يرد ذلك , فما كتبه إلحادٌ وكفر ! ولا يمكنه مهما قال
وتحدث وبرر أن يزيحهم عن موقفهم قيد أنملة ! وهو بالطبع لا إثم عليه إن لم يكن ينوي ذلك لأن الأعمال بالنيات , فمن
هنا وجب توخي الحذر وإعطاء النص أهمية قصوى وعرضه على أكثر من شخص حسب المتوفر قبل طرحه , وقراءته
بعقول عدة والتفكر في حروفه ملياً فالكتابة ليست بالأمر اليسير أبداً , وأعجبني قولُ شاعر :
وما من كاتبٍ إلا سيفنى , ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ , يسرك في القيامةِ أن تراه
وهذا يبرر أن للكتابة تأثيرٌ ليس بالهين أو البسيط وقد تضل أحياناً إلى جوادٍ تتلون بغسق الدجى وقد تهدي أحيان
أخرى إلى طرق النور والبصيرة