وانا أتابع إعلانات المطاعم، كلها تبدأ بجملة ''أشهى المازات اللبنانية''.. وأحياناً الكباب الحلبي.. وفي بعض الأحيان يضعون كلمة .. ''اختصاصنا المأكولات التركية''.
أمس لفت انتباهي إعلان لمطعم منشور في صحيفة يؤكد على أنه يقدم أطيب المأكولات العراقية ويعرض الأصناف: ''قوزي، كباب عراقي، دليميه، باجلق''.
اطمح بأن أجد إعلاناً يقول اشهى المأكولات الأردنية ''مجدّرة، قلاية بندورة، منسف، فتيت''.
طعامنا موزع بين (المازات اللبنانية) و(الكباب الحلبي) و(القوزي العراقي) وثمة ضياع للمنسف.. حتى في الطعام لا يوجد لدينا هوية واضحة أبداً..؟ ماذا مثلاً لو تم عرض إعلان لمطعم أردني مختص ''بالغماس''.. وتوضع جملة في الإعلان تقول: ''غمس واستمتع''.
استغرب كيف أن الأردن الجغرافيا والهوية اخذت قداسةً في الذهن المسيحي والعالمي، وكيف أن ''البابا'' للمرة الأولى في حياته يرتدي رمزاً وطنيّاً وهو ''الشماغ'' ويرتفع العلم الأردني في مسيرته..
بالمقابل ما زلنا في طعامنا نهرب من الهوية الأردنية إلى الكباب الحلبي والقوزي العراقي.
حتى في الطرب.. لدينا القدود الحلبية، وفي البناء لدينا اطقم الحمامات الإيطالية.. والأعراس تغير المشهد أيضاً صار هناك ما يسمى ''فرقة الزفّة الشامية''. هل فقدنا اسهل شيء في الدنيا وهو التطبيل والتزمير علماً بأننا ننتج في العام الواحد (500) اغنية وطنية بالمقابل في أعراسنا نطلب فرقة ''زفة شامية''.
في بلادنا لا نحتاج لوزارة ثقافة بقدر حاجتنا لوزارة تحافظ على الهوية الوطنية.. فالأردن حين اصبح مقصداً للحج المسيحي لم يكن هذا الأمر نابعاً من مطاعمنا الفاخرة.. ولا من ''البابا غنوج''.. ولا حتى من حفلاتنا الساهرة.. ولكنها الجغرافيا الأردنية والتاريخ الأردني الذي تبيّن لنا أنه الأغنى والأعمق والأكثر عروبةً.
شكراً للبابا فحين أعلن الأردن مكاناً للحج المسيحي.. علمنا بعضاً من هويتنا التي سلبتنا مطاعم عمان منّا وإعلانات الصحف والإذاعات الغريبة.
شكراً للبابا الذي ارتدى الشماغ الأردني وابتسم في حين ان مطاعمنا ما زالت مصرّة على ان يرتدي العاملون فيها (الطربوش الشامي).
نحن بلد يهرب بعض من هويته الى اين لا اعرف..؟.
ولكني اظن انها تهرب الى (القوزي العراقي) و(الكباب الحلبي) و(المازات اللبنانية).. هل ظلّ مثلنا.. في الطعام على الأقل
للكاتب عبد الهادي المجالي