استقرار الدولة والاستقلال الاول
رغم ان احداثا عديدة قد وقعت في منطقة شرق الاردن استهدفت امن البلاد واستقرارها الا ان سمو امير البلاد استمر في خطته التي تستهدف تحقيق الاستقلال واستكمال اجراءات الدولة الدستورية، ولهذه الغاية فقد قام سموه وبمعيته الرئيس رضا الركابي بزيارة الى لندن في 3 تشرين اول 1922م وعاد في مطلع كانون الثاني عام 1923م بعد مفاوضات طويلة اسفرت عن مشروع معاهدة اردنية بريطانية بحيث بقي رئيس مجلس المستشارين لاتمام مراسيم التوقيع عليها وقد تحدث سموه عن زيارته حيث قال:- لا شك انكم تتطلعون الى ما ستسمعونه عن رحلتي وانها والحمد لله فيها كل ما هو مطابق لمصالحكم ورغائبكم، خصوصا امر استقلال منطقتكم فانه الجزء المهم من سلسلة التشبتات التي ستطلعون على تفاصيلها بعد قدوم دولة رئيس المستشارين المتخلف هناك لانهاء هذه الاغراض .....
وعلاوة على هذا اقول لكم انني رجعت وكلي رجاء في الوصول بمشيئة الله الى النتيجة الحسنة فيما رمت اليه النهضة العربية المستندة الى الآمال القومية وانني كما قلت للجموع في موقفي هذا عند قدومي الى هذه المنطقة كما تتذكرون، من انه لو كانت لي سبعون نفساً فقدمتها كلها في سبيل القومية والوطن لما رأيتني قمت بالواجب . ويواصل سموه حديثه: ولكن لخدمة الوطن وجوهاً ولكل وجه سبباً، وافضل تلك الوجوه واسلمها عاقبة اقلها ضرراً، ومع انني عالم بثقل ولوازم الوطن ومقتضياته ومتاعب الوصول الى غاياته، اقول ان كل هذه الصعاب ستذلل ان شاء الله بالحكمة القومية والتعقل العبقري اللذين ورثتموهما عن ابائكم مع الاتكال على الله في كل الاحوال:-
ويضيف سمو الامير عبدالله فيقول:-
ويحسن بي القول هنا ايضا انني قد عدت من هذه الرحلة وانا مشاهد آثار المودة البريطانية التي سنجني باستمرارها حقائق المنافع المرموقة، وكما انني عظيم الرجاء في أن الحكومة الفرنسية الفخيمة الموجودة الآن، على الوجه المعلوم بالقسم الشمالي من وطننا المحبوب، لا تحمل حقداً على قوميتنا وقضيتنا واننا بمشيئة الله سنصل قريبا الى اسعاد الوطن كله بتعضيد دولتي التحالف الكبيرتين وانكشاف الامال الشريفة القومية على وجه المطلوب ...."
وقدم سموه الشكر في كلمته لأهل البلاد على احترامهم لسيادة الوطن خلال غيابه ولكل الموظفين الذين قاموا بواجباتهم ويختتم سموه حديثه بقوله : " وهنا اعلن بلسان الصرامة تأكيد عزمي السابق من جعل هذه البلاد دعامة وامان، ترتاح لحسن ادارتها اقطار محبيها خالية من وجود شكاوي قاطنيها ومجاوريها ... واتعشم انني اصبت بهذه الصورة ما يرتأيه محبو الوطن وطالبو الخير له .
والله الموفق لما فيه النجاح والمصوب لما فيه السداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نورد هنا خطاب سمو امير البلاد لانه بحق وثيقة تاريخية تتحدث عن ظروف المفاوضات واهدافها وبتلك الصيغة البليغة التي كان يتحدث بها سموه، صيغة الشعر والادب الذي كان لسموه المجالس الخاصة بهما سواء في قصر رغدان وفي المصلى في الغور الاردني .
ومثلما اختط الاردن طريق بناء مؤسسات الدولة فانه انتقل ايضا الى مرحلة اعلان الاستقلال وقد مر ذلك بمرحلتين
المرحلة الاولى: اعلان الاستقلال في 25 ايار 1923م
المرحلة الثانية: اعتراف بريطانيا بهذا الاستقلال بصفتها الدولة المنتدبـة بموجب قرار عصبة الامم المتحدة الصادر بتاريخ 23 ايلول 1922م وقد جاء هذا الاعتراف في نهاية شهر تشرين الاول 1922م
في 15 ايار 1923م اقيم حفل رسمي شارك فيه رجالات الاردن وفلسطين وايضا السير هربرت صموئيل ومعه الجنرال كلايتون الذي يعمل في المكتب العربي في القاهرة والذي كان له دور كبير خلال عمليات الثورة العربية الكبرى، وقد القى سمو امير البلاد خطبة طويلة استهلها بمقدمة تاريخية عن مجد الامة العربية وما اصاب هذه الامة بعد العهد العباسي من تغييب وطمس ... وهنا يقول سموه" فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواما لها وقائدا لأمورها...."
ويتحدث سمو امير البلاد عن مفاوضاته مع جلالة ملك بريطانيا مثمناً اعتراف جلالته باستقلال هذا القسم من المملكة العربية وان الحكومة ستشرع بتعديل قانون الانتخاب ووضع القانون الاساسي لشرق الاردن .
وشكر سموه كل الذين ساهموا في انجاز المعاهدة او في خطوات الاستقلال وارساء قواعد الدولة، وخص بالشكر المندوب السامي في فلسطين وكبير المعتمدين المستر فلبي (Velbi) وتناول فرنسا في حديثهِ حيث يقول:
" اني لآمل ان يكون موقف الدولة الفرنسية الفخيمة تجاه قضيتنا العربية المقدسة وتجاه القسم الشمالي الباقي من وطننا المحبوب آخذ بها الى عهد جديد كاف للدلالة على احترام ابناء الثورة الفرنسية لحرية الاقوام واستقلالها ...."
ويضيف سموه عن يوم الاستقلال: " واني آمل ان يكون هذه اليوم سعيداً للامة تتخذه عيداً تظهر فيه سرورها وحبورها ومنه تعالى نستمد العون ونسأله ان يطيل بقاء وتوفيق جلالة امير المؤمنين مولانا الحسين بن علي بن محمد بن عون والله ولي التوفيق ...."
ولكن هل كان اعتراف بريطانيا بالاستقلال كاملاً، وهذا ما ورد في حديث هربرت صموئيل في نفس المناسبة ويوم الاحتفال عندما نقل تحيات جلالة الملك جورج الخامس واستعرض الدور العربي في الحرب العالمية الاولى واسنادهم للحلفاء، مما كان له اثر كبير في تحقيق الانتصار، وتناول المعاهدة ما بين بريطانيا والشريف الملك الحسين بن علي والذي قال عنها: ان المعاهدة تدل على ان النهضة العربية قد دخلت في طور جديد ولكن ما يهمنا هنا هو حديثه التالي:
" وها نحن نحتفل الآن، بالاتفاق الذي عقد مع سمو الامير في اثناء زيارته لجلالة الملك جورج والحكومة البريطانية، ولا يخفى عليكم ان الاتفاق ينص على اعتراف حكومة جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن برئاسة صاحب السمو الامير عبدالله بن الحسين، شريطة ان توافق جمعية الامم على ذلك، وان تكون حكومة شرق الاردن دستورية تمكن جلالة الملك من القيام بتعهداتها الدولية فيما يتعلق بتلك البلاد بواسطة اتفاق يعقد بين الحكومتين ..."
واعرب صموئيل عن اعجابه بهذه الدولة الفتية التي شقت طريقها وسط القلاقل والتحديات والاضطرابات سواء من جهة الشرق بالغزوات التي تعرضت لها او من الشمال من مضايقات الفرنسيين وملاحقتهم للوطنيين خاصة بعد حادثة محاولة اغتيال الجنرال غورو .
لقد استمر الاعمار الداخلي وبناء القوات المسلحة والارتقاء بمؤسسات الدولة الدستورية الى ان عقدت معاهدة ما بين سمو الامير عبدالله إبن الحسين وجلالة ملك بريطانيا الذي فوض المارشال "بلوفر" حيث وقعت المعاهدة في القدس في العشرين من شباط 1928م، وقد تضمنت المعاهدة إحدى وعشرين مادة، ويوجد نص هذه المعاهدة في الجريدة الرسمية "جريدة الشرق العربي العدد 185 الصادر بتاريخ 26 اذار 1928م ....
بدء الحياة البرلمانية الاردنية
ولتنظيم شؤون الدولة وارساء قواعد الديموقراطية، فقد جرت اول انتخابات تشريعية وتبعها افتتاح الدورة الاولى للمجلس التشريعي الاولى المنعقد في شرق الاردن يوم السبت الواقع 2 تشرين الثاني 1929م، حيث القى سمو الامير عبدالله خطاب العرش الذي استعرض فيه احداث الساعة ونقتبس من الخطاب ما يلي:
" لقد حمل الي فخامة المندوب السامي البريطاني لشرق الاردن في زيارته الاخيرة نص المعاهدة المبرمة من صاحب الجلالة البريطانية مشفوعة بكتاب من فخامته يقول فيه " انه قد امر ان يحيطنا علماً باعتراف الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن وانه قد عهد الينا بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الاردن وان يُؤَدى الينا ما يُؤدى للامراء الملكيين ورؤساء الدول من تحية مألوفة "-
وتالياً نص الاعتراف باستقلال شرق الاردن والذي صدر في 29 تشرين الاول 1929م
صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن الحسين المعظم امير شرق الاردن بعمان :
" وقد امرت ان احيط سموكم علماً بأنه بناءً على اعتراف جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن وبما انه قد عهد الى سموكم بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الاردن، لذلك اعلن صاحب الجلالة موافقته على اطلاق واحد وعشرين مدفعا تحية لسموكم في الظروف المألوفة وهي التحية التي تؤدى عادة للامراء المالكين ورؤساء الدول ."
وتفضلوا صاحب السمو بقبول خالص احتراماتي
تشانسلور
المندوب السامي لشرق الاردن
وبذلك تحقق استقلال امارة شرق الاردن التي كانت تعرف باسم حكومة الشرق العربي في عام 1929م في التاسع والعشرين من شهر تشرين اول ...
ان قصة تكوين الدولة الاردنية انما هي قصة النهضة العربية التي استهدفت انشاء الدولة العربية التي تنهض باعباء المسؤولية وتؤكد الشخصية العربية وتعيد العرب الى غابر مجدهم ليأخذوا مكانهم الصحيح...
بينما كان فيصل بن الحسين يغادر الديار العربية لم ينس رغم كل الضغوط والظروف وحدة البلاد العربية على اساس فكر ومبادئ النهضة العربية، فكانت اتصالاته وهو في حيفا اسهاما فاعلا في البدء بتشكيل الدولة العربية الاردنية الهاشمية بعدما حصل ما حصل اثر معركة ميسلون، وكان التقدم الهاشمي الجديد نحو بلاد الشام حيث بدأ عبدالله بن الحسين زحفه لتبقى مبادئ النهضة حية ماثلة وليبقى العرب كما هو عهدهم اصحاب استقلال وسيادة، فكانت خطوات التأسيس في شرق الاردن وكان الاستقلال الذاتي في عام 1923م ، ثم الاستقلال المعترف به في التاسع والعشرين من تشرين اول 1929م ....
نشطت اثر هذه التطورات الحركة الديموقراطية في الاردن خاصة بعد ان كفل القانون الاساسي لشرق الاردن الذي صدر في 16 نيسان 1928م وتألف من سبعين مادة في سبعة فصول تناولت حقوق الشعب وواجبات الامير وحقوقه والتشريع والقضاء والادارة ونفاذ القوانين والاحكام ....
وهنا ظهرت عدة احزاب منها حزب الاستقلال العربي الذي تعود نشأته لعام 1921م عندما طلب الامير عبدالله من رشيد طليع تأليف حزب سياسي .... وتشكل حزب العهد العربي الذي اعلن ان برنامجه هو على اساس استقلال جميع البلاد العربية تحت ادارة الملك الحسين بن علي وانجاله ويعود تأسيسه ايضا الى عام 1921م وجمعية الشرق العربي التي دعت الى استقلال سوريا بحدودها الطبيعية وحزب الشعب الاردني الذي تشكل في عام 1927م ... ويتطور العمل الحزبي ليخرج بالمؤتمر الوطني الاول في مقهى حمدان بعمان في 25تموز 1928م والذي دعا الى استقلالية الدولة وحقوق الشعب، هذا المؤتمر الذي انتخب الشـيخ حسـين الطراونة رئيســاً، وتشـكل ايضا الحزب الحر المعتدل والذي تشكلت ادارته من رفيفان المجالي رئيساً، هاشم خير وسعيد المفتي ومحمد الانسي ونظمي عبدالهادي وتشكلت احزاب اخرى بموجب القانون الاساسي لشرق الاردن مثل حزب التضامن الاردني والحزب الوطني الاردني وحزب الاخاء الاردني وعقدت مؤتمرات عدة مثل مؤتمر التضامن الاقتصادي الاول وتشكل هذا المؤتمر من شخصيات منهم ماجد العدوان وحمد بن جازي ودليوان المجالي وخليل المدانات وشمس الدين سامي وحديثة الخريشة وراشد الخزاعي ومحمد الفنيش، وقد ناقش المؤتمر موضوع جدولة ديون المزارعين وتوزيع ضريبة الاعشار وغير ذلك...
ان الفترة ما بين توقيع المعاهدة الاردنية البريطانية عام 1923م، وحتى فترة اعلان استقلال الاردن عام 1946م كانت حافلة بالاحداث، عدا عن النشاط السياسي الديموقراطي الحرّ الذي كفله القانون الاساسي لشرق الاردن فقد حدثت بعض القلاقل الداخلية التي سرعان ما عولجت .... ونشبت الثورة الفلسطينية عام 1936م تلك التي وقف الاردنيون معها، هذه الثورة التي رفعت علم الثورة العربية الكبرى شعاراً لها ولا زال علمها حتى الآن ... وبدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939م هذه التي كررت احداث الحرب العالمية الاولى في المنطقة ... فاشترك الجيش الاردني بفاعلية فيها، وشاركت قواته في منطقة صحراء العلمين، ودخلت القوات الاردنية الى سوريا عام 1941م لقتال حكومة فيتشي (Vichi) الموالية لدول المحور ووصلت قواته الى حمص .... ودخلت هذه القوات الى العراق اثر انقلاب رشيد عالي الكيلاني، واثناء الحرب كانت الاتصالات مع بريطانيا لاعلان الاستقلال التام للدولة الاردنية فكان رد بريطانيا ان انشغالها في الحرب يمنعها حالياً من التفكير في مثل هذه القضايا ... وما ان انتهت الحرب حتى طلب الاردن من بريطانيا ان تفي بوعودها ... فكان ذلك اولا بابرام معاهدة جديدة وقعت بشكل نهائي في 17 حزيران 1946م وقد تألفت من اربع عشرة مادة اضافة لملحق من عشر مواد، وقد نصت المعاهدة على التعاون الثنائي في جميع المجالات وكذلك اعتراف بريطانيا باستقلال شرقي الاردن وان تكون مدة المعاهدة خمسة وعشرين عاماً، وقد ادلى سمو الامير بتصريح حول المعاهدة لجريدة فلسطين التي كانت تصدر في يافا حينها في 12/5/1946م " يقول فيه " انني اعتبر المعاهدة الاردنية الانجليزية بركة على القطر وخير ما يمكنني الحصول عليه، ولا تقل اهميتها بحال عن اهمية المعاهدات العراقية- الانجليزية هذا اذا لم تكن خيراً منها....." .
لقد شهدت البلاد تطورات عديدة منذ نشوء الامارة، فقد تضاعف حجم الاردن عام 1925م اثر ضم معان والعقبة بعد اتفاقية "حِدّة" الموقعة بتاريخ 25 حزيران 1925م، ونشطت حركة المقاومة السورية ونشبت الثورة الفلسطينية ومن ثم نشبت الحرب العالمية الثانية .... في ضوء كل هذه الاحداث فان القيادة الهاشمية لم تنس الواجب القومي ولا الواجب الوطني المؤسس على فكر نهضة العرب فقد ادلى سمو الامير عبدالله بتصريح ايضاً لجريدة في يافا قال فيه حينها في 11/5/1946م.
" لقد كان هدف والدي بناء عالم عربي موحد ، ويجب ان يتألف في سوريا وشرق الاردن وفلسطين دولة واحدة . ولو لم تكن هذه الدولة مقسمة اليوم لكان في مقدورها الدفاع عن نفسها ضد اي عدوان وتحقيق اماني العالم العربي ....".
لقد كان الاردن اول كيان دستوري عربي يحمل صفات الدولة، وكان هذا البلد النموذج لتكوين الدولة المستقلة، ونقتبس هنا من محضر الاجتماع اثناء لقاء القمة السوري الاردني في عمان بتاريخ 28/11/1950م في عمان الذي ضم اضافة لجلالة الملك عبدالله كلا من الدكتور ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا ومعالي الزعيم فوزي سلو وزير الدفاع السوري حيث قال جلالة الملك عبدالله " اننا نحن آل البيت السبب الاول في رفعة العرب، فمجدهم الاول انبثق من بين يدي محمد صلى الله عليه وسلم ومجدهم الثاني انبثق من لدن باعث الثورة العربية الكبرى، ونحن السبب في ايجاد من نسميهم اليوم باصحاب جلالة واصحاب سمو واصحاب فخامة وغير ذلك ....
ونظراً لهذه التطورات فقد التأم المجلس التشريعي الاردني الخامس في 25 ايار 1946م تُليت فيه مذكرة رئيس الوزراء المؤرخة في 15 ايار 1946م التي تؤيد القرار الخاص باعلان البلاد باسم المملكة الاردنية الهاشمية استناداً لحق تقرير المصير ووعود الامم المتحدة ونظراً للتضحيات التي قدمها الاردن التزاماً بالمعاهدات والمواثيق، وتالياً نص القرار التاريخي الذي يعلن الاردن باسم المملكة الاردنية الهاشمية
" تحقيقاً للاماني القومية وعملاً بالرغبة العامة التي اعربت عنها المجالس البلدية الاردنية في قراراتها المبلغة الى المجلس التشريعي، واستناداً الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية، وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 3 جمادى الاخرة 1365هـ. الموافق 15/5/1946م فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الاردني امر استقلال البلاد الاردنية استقلالاً تاماً على اساس النظام الملكي النيابي، مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها (عبدالله بن الحسين العظيم)، كما بحث امر تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري، ولدى المداولة والمذاكرة تقرر بالاجماع الامور التالية :
اولاً: اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية.
ثانياً: البيعة بالمُلك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية (عبدالله بن الحسين المعظم) بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة (ملك المملكة الاردنية الهاشمية) .
ثالثا: اقرار تعديل القانون الاساسي الاردني طبقاً لما هو مثبت في لائحة قانون تعديل القانون الاساسي الملحق بهذا القرار .
رابعاً: رفع هذا القرار الى سيد البلاد عملاً باحكام القانون الاساسي ليوشح بالارادة السنية حتى اذا اقترن بالتصديق السامي عُد نافذاً حال اعلانه على الشعب ، وتولت الحكومة اجراءات تنفيذه مع تبليغ ذلك الى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية ...
اول ارادة ملكية سامية
صادق جلالة الملك المعظم على قرار اعلان الاستقلال مصدراً اول ارادة ملكية سامية موشحاً القرار بالعبارة التالية :
"متكلاً على الله تعالى اوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً لحكومتي ...." وقد جرى احتفال كبير قدمت فيه وثيقة البيعة بالمْلك وأُهديَ جلالته مصحفاً شريفاً من رئيس بلدية عمان والقيت كلمات عدة رد جلالته عليها بقوله :
" انه لمن نعم الله ان يدرك الشعب بان التاج معقد رجائه ورمز ومظهر ضميره ووحدة شعوره بل انه لامر الله ووصية رسِلَه الكرام ان يطالع الملك بالعدل وخشية الله لان العدل اساس الملك، ورأس الحكمة مخافة الله، واننا في مواجهة اعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميزان اسلافنا، المثابرون بعون الله على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع اخـواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الانسانية كلها....." .
وكان من مقررات الدولة الاردنية اعتبار يوم 8 اذار عطلة رسمية تاكيداً لاحترام عرش فيصل بن الحسين صاحب اول استقلال عربي يعلن حينها بموافقة المؤتمر السوري العام .... وتقرر استمرار رفع علم سوريا الطبيعية واقراره دستوريا كتأكيد على واحد من اهم اهداف النهضة العربية الداعي للوحدة العربية ......
هكذا كان الاستقلال الاردني الناجز ونترك التفاصيل التي تمتلئ بها الكتب التي تتحدث عنها وتزخر بها المكتبة الاردنية وكذلك مراكز حفظ الوثائق .
لقد تطور الاردن دستورياً وهو يزداد تصميماً على تحقيق الوحدة والحرية والحياة الافضل والعمل من اجل خدمة القضايا العربية فقد قاتل الجيش العربي في حرب عام 1948م وقدم الشهداء وحافظ على القدس والضفة الغربية وتمكن من ابقائهما لتكون الضفة الغربية اساس الدولة الفلسطينية …..