كان قارون رجلا من بني إسرائيل أعطاه الله رزقا وفيرا ومالا كثيرا , ويقول المؤخورن كان قارون هذا ابن عم موسي عليه السلام .
وقد بلغ من ثراء قارون هذا ان مفاتيح خزائنه كانت كثيرة بحيث لا يقوي علي حملها الا عدد كبيرة من الرجال الأشداء , وقد قيل ان السبب ثرائه وكثرة ماله هو معرفته بعلم الكيمياء أي تحويل المعادن الخسيسة إلي ذهب وهذا زعم كاذب لا أساس له من الصحة لان الذي يغير حقائق الاشياء هو الله وحده والله اعلم .
وبدلا من ان يشكر قارون ربه علي هذه النعمة الوفيرة التي اختصه بها فقد طغي وتكبر واستعلي علي الناس .. كان يخرج علي قومه في موكب من الحراس .. يتعبه عبيده وجواريه , مختالا فخورا فيتمني الناس ان يصحبوا مثله وقد سلبت عقولهم مظاهر الترف والثراء , فيعظهم المؤمنون منهم ويخبرونهم ان ما عند الله خير وابقي , ويذكرونهم بمن أهلكهم الله من قبل وكانوا أكثر ثراءا واشد باسا من قارون نفسه .
عصي قارون ربه .. بل كان دائما يعارض موسي عليه السلام عندما يبلغ قومه تعاليم ربه ورسالته .. وأمر الله موسي بالزكاة في التوراة .. فكان الأغنياء ان يقدموا مقدارا معلوما كحق للفقراء .
وذهب موسي عليه السلام إلي قارون واتفق معه علي مقدار الزكاة الذي يتعين عليه إخراجه عن ماله الكثير .
قال العلماء : اتفق موسي عليه السلام مع قارون ان تكون زكاته المؤداة دينارا عن كل ألف دينار , ودرهما واحدا عن كل ألف درهم , وشاة واحدة عن كل ألف شاة ووافق قارون علي ذلك, فلما ذهب إلي بيته , وقدر مأسوف يخرج من ماله كزكاة وجدة كثيرا , ففكر في حلية تخرجه من اتفاقه مع موسي عليه السلام ويعفيه من أداء الزكاة المفروضة , فجمع أتباعه من بني إسرائيل واتفقوا علي ان يأتوا بامرأة معروفة بينهم بسوء السلوك , حيث طلب منها قارون ان تدعي بان موسي عليه السلام قد زني بها , وفي المقابل ذلك قدم لها قارون جائزة من المال .
فلما اجتمع موسي عليه السلام ببني إسرائيل قام قارون من وسطهم وسأله :
ـ اليس من الشريعة ان يرجم الزاني ؟
قال موسي : بلي من الشريعة ان يرجم الزاني ؟
فقال قارون : انك قد ونيت بفلانة وعلينا ان نرجمك .. ثم أتي القوم بالمرآة البغي فسألها موسي عليه السلام :
ـ يا فلانة , هل فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟
وناشدها موسي ان تنطق بالصدق بحق الله الذي خلق البحر وانزل التوراة , فانطق الله المرآة بالحق , فقصت علي بني إسرائيل تفاصيل المؤامرة , واتفاق قارون معها علي هذا الادعاء الكاذب .
ظهر الناس صدق موسي , وافتراء قارون , فخر موسي علي الأرض ساجدا يشكو من الله , طالبا منه معاقبه قارون ومن إتباعه .. فلما فزع موسي من شكايته ودعائه .. انشقت الأرض وابتلعت قارون وإتباعه , ثم ابتلعت داره وخزائنه وكل أمواله .
فلما حلت نقمة الله بقارون عرف المؤمنون من بني إسرائيل عاقبة التكبر والطيغان والافتراء علي رسول الله , وأدرك من كانوا يتمنون ان يصحبوا في مثل ثرائه , ويحسدونه علي النعم التي هو فيها أدركوا ان الله تعالي يبسط الرزق لمن يشاء أحكمة يراها
حموده