صلاة التراويح رحلة خشوع تبدأ بالأمام ذي الصوت الحسن
يحرص المسلمون في شهر رمضان المبارك على التزود بالطاعات كقراءة القرآن الكريم والاذكار والتصدق وصلة الارحام وغيرها من الأعمال الصالحة حرصا منهم على نيل رضى الله سبحانه وتعالى .
ويحرص المصلون في الشهر الفضيل على أداء صلاة التراويح في المسجد جماعة ، خاصة خلف إمام يتميز بصوت جميل ومتقن لقراءة كتاب الله، ما يساعد على الخشوع في الصلاة والتفكر في آيات الله سبحانه وتعالى ، تطبيقا لقول النبي عليه الصلاة والسلام "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
الاستاذ في قسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد خالد منصور يقول لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان الصوت الجميل والقراءة المتقنة لها تأثيرات كبيرة على المصلين من حيث حصول الخشوع في الصلاة وذلك لطمأنينة القلب وسكون الجوارح، وحصول الفهم للقرآن الكريم ، لان الصوت الحسن يعين على الفهم الصحيح ، والاهتمام والانتباه ما يذهب الملل عن المصلين.
ويستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم : يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله عز وجل، وبقوله عليه الصلاة والسلام " ليس منا من لم يتغن بالقرآن "، لبيان مشروعية البحث عن الإمام المتقن ذي الصوت الحسن في قراءة القرآن الكريم .
ويبين الدكتور منصور انه عند قراءة القرآن الكريم يجب مراعاة إخراج الحروف من مخارجها وبيان صفاتها ومراعاة تحسين الصوت وفق الأحكام التجويدية، فالقرآن الكريم يجب تلقيه بأحكامه، ووقفه وابتدائه وفق ما تلقيناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويشير الى ان رحلة الخشوع في الصلاة تحتاج إضافة الى جانب الامام ذي الصوت الحسن ، الى وجود المصلي المعظم لله ورسوله والمعظم للقرآن الكريم، كما انها تحتاج الى حسن المتابعة ووجوب الإنصات.
امام مسجد الكالوتي في عمان القارئ رمضان الشيخ يذكّر ايضا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم" ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، للدلالة على ان الصوت الجميل مطلوب خاصة بقراءة القرآن الكريم .
ويضيف : هناك الكثير من المصلين ممن يبحثون عن الصوت الجميل في قراءة القرآن الكريم في صلاة التراويح لأنه بقراءته المتقنة يذكرهم بالجنة والنار اعتمادا على تفاعله مع هذه الآيات، مبينا ان مثل هذه القراءة فيها حسنة للإمام وللمصلي .
ويبين القارئ الشيخ ان الآيات هي التي تقود القارئ الى الاسلوب الذي يسلكه خلال القراءة ، خاصة اذا كان على دراية بالتشكيل، كما ان تفاعل المصلين مع الآيات مطلوب خاصة في هذا الشهر الفضيل.
ويقول ان قراءة الايات التي يذكر فيها العذاب تختلف عن قراءة الآيات التي تذكر الجنة والرحمة, فالقارئ الذي يريد التأثير بالناس يعيش مع هذه الآيات العظيمة بحيث تصل الى قلوب الناس وبالتالي يعيشون اجواء هذه الآيات ما يسهم في ترقيق قلوب المصلين والتأثير فيها .
ويشير الى ان تفاعل القارئ مع الآيات هو ذاك السر الالهي من حيث الدخول في الآيات ومن ثم الخروج منها ومن ثم الارتقاء ، مبينا اهمية ان الخبرة الكافية مطلوبة لدى القارئ ولو كان من حفظة كتاب الله فهو خير على خير .
وعن قراءته للقرآن الكريم كإمام للمسجد يقول: انها موهبة من الله سبحانه وتعالى تخرج من القلب وتلامس القلب وهذه نعمة منه جل وعلا .
وحول دور وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية في البحث عن الاصوات الجميلة التي تتغنى بقراءة القرآن الكريم يقول وزير الاوقاف الدكتور محمد القضاة ان الوزارة تكلف الحافظين لكتاب الله عز وجل من الحاملين لشهادة الدكتوراه والمدرسين ممن يتقون قراءة القرآن الكريم , بالإمامة بالصلوات الجهرية في المساجد ومنها صلاة التراويح .
ويخضع هؤلاء الى امتحان واختبار من قبل الوزارة قبل اختيارهم من قبل مديرية الوعظ والارشاد وبالتالي فانه لا يتقدم للإمامة بالمصلين في اي مسجد الا الاشخاص الذين اجتازوا هذا الاختبار والذين يكونون من ذوي الصوت الحسن والمتقنين للقراءة.
مدرس القراءات في المركز الثقافي الاسلامي التابع للجامعة الاردنية الدكتور فادي الجبور يقول ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ان يسمع القرآن من غيره من ذوي الاصوات الجميلة , ولما سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويتغنى به قال له عليه الصلاة والسلام: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ، والمراد بمزامير آل داود الصوت الحسن.
ويضيف ان محبة النبي للأصوات الجميلة هو رغبة منه صلى الله عليه وسلم في الخشوع، وقد أمر عبد اللّه بن مسعود ، فقرأ عليه وهو يسمع ، وخَشَع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن مِنه حتى ذرفت عيناه.
ويبين الدكتور الجبور امام مسجد الجامعة الاردنية ان النبي حث الامام والمصلي على ان يحسن صوته بقراءة القرآن الكريم حيث قال: زينوا القرآن بأصواتكم , وفي رواية اخرى زينوا اصواتكم بالقرآن كما قال صلى الله عليه وسلم: إِن مِن أَحْسَنِ الناسِ صوتا بِالْقُرآنِ الذِي إِذَا سَمِعْتموه يَقْرَأُ حَسِبْتموهُ يَخْشَى اللَّهَ.
ويتابع ان الامام القارئ للقرآن مطلوب منه ان يحسن صوته بالقراءة طلبا للخشوع لنفسه وللمصلين من خلفه، كما ان من يقدم للإمامة يجب ان يكون أقرأ الناس لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) اي احفظهم واحسنهم صوتا.
ويبين انه لا حرج في ان بعض المصلين في شهر رمضان المبارك يبحثون عن الامام ذي الصوت الحسن والجميل لأن ذلك يساعد المصلي على الخشوع وعلى التفكر في آيات القرآن الكريم وكلام الله عز وجل، كما ان مواطن الجمال ليست بالصوت فقط بل بالاهتمام بأحكام التلاوة ، والابتعاد عن (اللحن) اي الاخطاء في القراءة لان ذلك يضيع الخشوع والتفكر على المصلين ، مؤكدا ضرورة وجود الامام المتقن الذي يحفظ كتاب الله لان ذلك ادعى للخشوع من الذي يقرأ من المصحف الشريف .
مدير معهد الملك عبد الله الثاني لـتأهيل الدعاة التابع لوزارة الاوقاف الدكتور رشاد الكيلاني يقول ان الصوت الجميل يخدم الامام في امامته للمصلين خاصة في الشهر الفضيل ، مشيرا في الوقت ذاته الى ان المقصد الاصلي والاساسي هو تامين المسجد بأمام مجود ومتقن للقراءة.
ويوضح انه قد تتوفر امكانات التجويد والاتقان في القراءة في امام مسجد ذي صوت غير رخيم أكثر من توفرها بصاحب صوت جميل ، مبينا ان الحكم هنا على الصوت فقط مقارنة في غير محلها , وان القراءة بصوت جميل تعتبر موهبة ربانية وعطاء من الله سبحانه وتعالى .
ويقول ان وزارة الاوقاف لم تتوصل بعد الى الاهتمام بدورات علم الاصوات التي قد تفيد القراء لكن هناك اهتماما واضحا بمستويات التلاوة والتجويد لغايات الحصول على الاجازة في القرآن الكريم وهذه متاحة للحاصلين على الشهادة الجامعية البكالوريوس وغير الحاصلين عليها .
ويتحدث الدكتور الكيلاني عن نقص كبير في الائمة في المملكة حيث يوجد 5595 مسجدا بلا امام وفق دراسة لعام 2011.
ويوضح ان معدل زيادة المساجد سنويا خلال الفترة 2001 – 2011 يصل الى 245 مسجدا، ما ادى الى وجود نقص فعلي في الائمة يصل الى ثلاثة الاف امام بنسبة مقدارها 56 بالمئة.
كما ان هناك نقصا واضحا من خريجي كليات الشريعة , اذ تبلغ نسبة الذين يدرسون الشريعة من الذكور في هذه الكليات 20 بالمئة في حين تبلغ نسبة الدارسات من الاناث 80 بالمئة