إليك:
إلى كل إخفاقاتنا الآتية.
…
وكانت ليلة دامية .
في
ليل حاد الزوايا والشقوق والأمكنة، سرت كالمخمور بين أزقة المدينة
القديمة. لا. فقد كنت مخمورا حقيقة. لم أعرف أي قدر هذا الذي جرني إلى هذا
المكان، هنا لا يرغبون بالغرباء! كن مثلهم أو تلاش. تقلص ظهري وأنا أركن
الى الرصيف وكأنني سأتلقى ضربة مفاجئة. طمأنت نفسي بعد ذلك'' لا. لن يموت
أحدهم قبل الموعد الذي حدد له" !. تنجدني في الكثير من المرات استيهاماتي
الدينية تذكرت قول أرغون"أنا أومن بالإله بين الفينة والأخرى". أووف - صحت
في داخلي- من الذي أيقظ الشاعر في هذا الوقت بالذات - فليذهب كل الشعراء
إلى الجحيم- رددت مرة أخرى بصوت خافت - سوف أنجو-سوف أنجو- هراء. شيء
بداخلي يدعوني إلى الاستسلام. تحسست وجهي بيدي. انه دم. بدا السائل الأحمر
زاهيا على ضوء أخر عمود إنارة. جررت قدماي المتعبتان حتى ضريح "سي العربي
بن السايح" وهناك جلست مرة أخرى لالتقط أنفاسي المتلاحقة. كيف يراني
هؤلاء. فلتمدني السماء بسيجارة تشتعل لاشتعل معها. أصوات هنا وهناك.وعلى
بعد أمتار قليلة بدت لي سيدة مسنة وهي تتسول رغيف خبز. كنت أصادفها في كل
صباح وفي فمها تلك الكلمات المعتادة ''شي خبيزة عالله يا المؤمنين" .
على مقربة منها يترجل رجل ضخم بكرش كقربة ممتلئة. يحدث أحدهم على الهاتف وفي ثنايا صوته المزلزل يرسل تطمينات:
- لا تقلق الخير موجود !
-الخير موجود ما تهز هم!
قالها
وأغلق باب السيارة المفتوحة من فوق، التفت إلى تلك السيدة وبدا أنه فوجئ
بها، وعلى ضوء عمود الإنارة الذي أصبح بعيدا الآن، استطعت أن أراه وهو
ينهرها:
- وسختو البلاد !
.... قومي قبل أن أتصل بالشرطة !
***
جمعت
أسمالها المتهرئة بخفة الذي يريد الهرب بجلده قبل فوات الأوان. أسرعت
الخطى حانية وهي تهمهم"الله ياخذ فيك الحق، الله ياخذ فيك الحق" وعندما
اقتربت مني ألقت نظرة خاطفة علي وعادت إلى لازمتها ''شي خبيزة يا
المؤمنين'' و قبل أن تنكسر مع أول انعطافة لتلج إلى الزقاق الواسع المؤدي
إلى ''السويقة" ألقى الرجل ذو البطن المنتفخة بوعيده الأخير لها :
-تعرفين أين ستجدين نفسك لو وجدتك على باب منزلي في الغد؟
***
ابتسمت لنفسي بيأس وأنا أردد كلماته ....الخير موجود .....الخي..ر ..مو..ج..ود
ونسيت
حزني وصوتها يهتف بداخلي "شي خبيزة يا المؤمنين" "شي خبيزة عالله يا
المؤمنين". وصولا إلى أخر أركان جوانيتي...الدم المخضل بهزء الفراغات كان
قد توقف .
هكذا فليكن .
وكان رغيف خبز اخجل إيماننا !
فليكن
إذا حفيف الشجر إيذانا بزحف الغابة، ويا منازل حمراء الواجهة فلتتهاوي مع
تواطؤ البحار الهادئة، ويا غضبي كن هناك حين يحتاجك بفرح هدير الأرصفة.
كن معي و سأكون معك. فقط عندما تنوء الغابات بحملها وتلقي في الشوارع
أطنان الصرخات المكبوتة. كن معي يا غضبي لأفرح معك، كن معي فقط عند صفعة
البداية على قفا الرجل البليد، صفعة واحدة ليكون "أنا" الإنسان جديرا
باسمه. صفعة واحد في جبين هذا الفراغ وبعدها فليأتي الإعصار!!!