في ثقافتنا السائدة المعاصرة هناك قطيعة مع الذات . ومن أبرز مظاهرها ،
تقليل الإنسان دوما من شأن نفسه ، وتهميشه لأي إنجاز يقوم به .
حتى غدا حديث الإنسان المعلن عن نفسه ، حديثا يمتليء بالسلبية ويجنح إلى
الانتقاص .ومنه المقولة المشهورة – والتي لا أصل لها – ، عندما ُتذكر كلمة
أنا – ولو عرضا وليس على سبيل التفاخر – : ” أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا
..! ” وكأن الأنا شر يجب أن نتعوذ منه ، وخطيئة ينبغي التبرؤ منها.
وحتى المدح أو الثناء ولو كان في محله نعجز عن التعامل معه فبدلا من أن
نقول شكرا ، نجد أننا نرفضه وقد نتهم أصحابه بالمجاملة أو المبالغة ، أو
حتى نتهمهم في ذوقهم أو تمييزهم.إننا هربا من الغرور تطرفنا في الجهة
المقابلة ، فوقعنا في حفرة تدني تقدير الذات.
ولعل عقودا من الانهزام الحضاري والفكري كرست هذا المفهوم في داخل عقلنا الجمعي.
إن أول خطوة في الاعتراف بالذات لدينا ، أن نعلن للملأ عن أعمالنا الجيدة ومنجزاتنا الجميلة ، بلا فخر .
وهذا المعنى مفقود بشدة في ثقافاتنا العربية السائدة ، التي رغم أنها تحفل
بالمنجزين والناجحين – في كافة المجالات – لكن قلما تجد من يوثق هذا النجاح
وهذا الإنجاز ويعلنه على الملأ.
بخلاف المكتبة الغربية ، والتي هي ملأى بقصص النجاح والإنجاز ، حتى البسيطة
منها ، حتى أن عامل محطة قطار يسطيع أن يكون بطلا بتجربة ناجحة يخرجها
للناس في كتاب.
إننا وقبل عقلية توثيق هذه التجارب ، نحتاج أولا إلى عقلية الاعتراف بهذه
التجارب ، وقبلها أن نعترف بذواتنا ، كذوات فاعلة وقادرة ومنجزة ، وأن لا
نقلل من قيمة أي جهد أو أي فكر يسعى إلى الصواب ، مهما كان بسيطا.
وذلك نوع من إشاعة ثقافة الإنجاز ، ونشر الفكر الإيجابي العملي ، الذي قد
يمارسه الكثير ، لكنهم يختبؤن به خوفا وخجلا من الوصم بالغرور .
نحن نخلط بين التواضع وبين إنكار الذات .
التواضع أمر على مستوى السلوك ، لا الشعور ، فلا يلزم لتكون متواضعا أن تشعر بدونية ذاتك حتى تحقق معنى المتواضع.
سلوكك العملي مع الآخرين من حسن التعامل ، واحترام الجميع بكافة فئاتهم ، والمشاركة الحقة ، هي التي تحدد مستوى تواضعك.
إن الاعتراف بالذات يعني أن تعطي لذاتك المنجزة العاملة حقها من التقدير ، بإعلان ذك للملأ.
أما الغرور فهو ذلك التباهي الأناني بميزات تملكها ، ربما تكون حتى لم تتعب في امتلاكها.
إنها ليست دعوة إلى نرجسية الأدباء والشعراء فتلك حالة فنية تخصهم وحدهم.
ولكنها دعوة إلى عدم نفي الذات ، إرضاء للآخرين ، وجريانا مع الفكر السائد .
بل الاعتراف بها بلا خجل ، واحترامها ، وإعلان كل عمل جيد صنعته – مهما
كان بسيطا ـ ولعله يكون له أصداء واسعة فيما بعد تظهر في تمثله والاقتداء
به.
إن الخجل يجب أن يكون من الخطأ ، لا من عمل الصواب ، وكل تجاربنا الناجحة وصفاتنا الجيدة ن يجب أن تظهر للعلن لا أن تخبأ كخطيئة.
ما بدي الي راح يرجع بدي الي جاي يكون أحلى