أيمن الرفاعي رصد لكم هذا الموضوع لحياتكم..
من ضمن الموضوعات التي تستخوذ على
حيز واسع من اهتمامات علماء النفس هي العلاقة بين الزوجين. وهنا سوف نتحدث
عن جانب مهم للغاية من أساسيات هذه العلاقة الممتدة على المدى الطويل
فتابعينا.
من أهم المشكلات التي نسمع عنها
كثيرا في بداية الحياة الزوجية وجود حالة من عدم الاتساق والتناغم بين
تصرفات وأفكار الزوجين ثم تهدأ هذه الحالة بعد ذلك في غالبية الأحيان
وتستقر تماما فما الذي يحدث؟
التفسير الشائع بين
الناس هو أن الزوجين وصلا إلى حالة من الانسجام الفكري مكنت كل منهما من
فهم الآخر والتعرف على طريقة تفكيره وعاداته في الحياة. كما أن هذا التوافق
يحدث بسبب الاقتراب أكثر من حياة كل طرف وإدراك عيوبه وتقبلها والعمل على
أساس وجود تلك العيوب، ولكن هل هذا التشخيص المثالي هو وصف دقيق للحالة؟
علماء النفس كان لهم رأي آخر في
هذه المسألة، فمع تكرار المشاكل التي تعرض أمامهم ومن خلال متابعة هؤلاء
للعديد من الحالات التي تبوح بأسرارها داخل غرفة الكشف، توصلوا إلى وجود
مشكلة في هذه العلاقة أطلقوا عليها اسم “التدخل العاطفي”. وتبدأ هذه
العلاقة في صورة وردية ناعمة ومخملية في رغبة أحد الطرفين سواء كان عن عمد
أو بدون قصد في الذوبان في حياة الطرف الآخر، فينسى اهتماماته وهواياته ومن
الممكن أن يتخلى عن أفكاره وروتينه اليومي في سبيل الاندماج مع الطرف
الآخر وطريقة حياته الخاصة، وغالبا ما يكون هذا التنازل من قبل المرأة.
الموضوع في بدايته يبدو ممتعا ومثيرا لكلا الزوجين خاصة في مقتبل حياتهما
معا، مع افتقاد الخبرة اللازمة في البداية. وسرعان بعد ذلك ما تشتعل
النيران المختفية تحت الرماد ويشتد لهيبها مع الدخول في معترك الحياة
الزوجية. إذن الانسجام والتوافق الذي يدعيه البعض لم يكن سببا للهدوء الذي
يخيم على الحياة بين الزوجين، وإنما كان مجرد هدوء مؤقت بسبب مرور الزوجين
بمرحلة التداخل العاطفي. وهذه المرحلة ضرورية في عمر أي علاقة زوجية ولكن
الاختلاف فقط يكون في توقيت ومدة هذه الظاهرة. وعن الأسباب يذكر المختصون
بالشؤون الأسرية أن كلا من الشريكين يعتقد أنه أصبح محتما عليه وبعد الزواج
أن يتخلى عن الفردية في التفكير. فليس من المستحب من وجهة نظر هؤلاء أن
يكون لكل طرف معتقداته ومشاعره ووجهات نظره وهواياته، وكأن عقد الزواج كان
بمثابة عقد شراكة في كل شيء حتى في الشخصية وأبعادها. وهي حالة شائعة على
المستوى العالمي. بل إن هناك عائلات بالكامل تفكر بطريقة التداخل العاطفي
بمعنى أن جميع أفراد الأسرة يلغون كافة الاهتمامات الخاصة بهم كي تتوافق مع
شخص واحد فقط في الغالب يكون الأب أو الأم. وعندما يدخل الزوجان في هذه
الظاهرة يعتقد كل منهما أو طرف واحد على الأقل أن السعادة لا يمكن أن تكتمل
إلا بالذوبان في شخصية الآخر وإلغاء النفس وإهمالها تماما. كما يشعر
الشريك أن العلاقة الزوجية لا تكتمل إلا بأن يكون تابعا أو ظلا لشريكه ولكن
هل العلاقة بهذه الطريقة تكون طبيعية؟
هناك العديد من العلاقات الزوجية المترابطة والناجمة دون أن
يلغي كل منهما للآخر. فكل طرف يستطيع أن يهتم بنصفه الآخر دون أن يفقد
شخصيته أو يخسر نفسه تماما. فلا يمكن لهذه التغيرات الطارئة والمؤقتة أن
تكون وحدها هي مصدر السعادة الزوجية. فالاختلاف في طريقة التعبير عن الحب
والتقدير أمر مرغوب وصحي ويتناسب مع طبيعة البشر المختلفة، فليس المطلوب أن
تكون المرأة نسخة مكررة من الزواج أو العكس.
الأضرار الناجمة عن هذه المشكلة
ربما لم يخطر في بال الكثيرين منا التفكير في هذه المشكلة من
قبل. ولكن بالتدقيق قليلا سوف نكتشف أنها أساس للعديد من المتاعب والخلافات
اليومية ويحدث ذلك لعدة أسباب منها..
- أنها تضع عبئا ثقيلا على طرف واحد والذي اختار طواعية
التخلي عن شخصيته تماما لإرضاء الآخر وتلبية احتياجاته، وسواء قام بالبوح
بهذا العبء أو آثر عدم البوح به فسوف يعاني من الإحباط في حياته، لأنه لن
يستطيع أن يتقمص شخصية غيره طوال الوقت.
- من الممكن أن تتغير عواطف الشريك واتجاهاته وميوله في أي
وقت من الأوقات وهذا أمر وارد، وعندما يبدأ الطرف الثاني والذي تأقلم على
عاداته القديمة عن السؤال عن سبب التغير الطارئ تحدث المشكلات الزوجية، لأن
السؤال والنقاش والبحث عن الأسباب لم يكن واردا في ظل هذا التداخل العاطفي
الحادث فيما بينهما.
- خلال هذه العلاقة التي يتم فيها إلغاء أحد الطرفين تماما لا
يتعرف الشريك على الطرف الثاني بطبيعته وإنما يتعرف عليه كما يريد هو،
يعرف منه النسخة المعدلة. ولا يمكن أن تستمر الحياة مع هذا الزيف أو
الخداع. فالعلاقة الزوجية يجب أن تقوم على مبدأ الوضوح والصراحة في كل شيء.
- إذا كان لكل طرف حياته الخاصة، فمعنى ذلك أن هناك فرصة لكلا
الزوجين لممارسة أنشطة مختلفة والتفكير بطرق مغايرة ومن ثم تبتعد الحياة
عن الملل وتصبح ممتعة مرة أخرى، كما أن ذلك يخلق فرصا للحوار والنقاش في
موضوعات متجددة بدلا من السير على وتيرة واحدة. إن الحياة الزوجية تتميز
بحالة من الغنى في ظل وجود أفكار متعددة وليس فكرة واحدة، وعندما تتوافر
وجهات نظر وليس مجرد رأي فردي جامد لايتسم بأي درجة من درجات المرونة.
- عندما ينظر الزوجان إلى الفردية على أنها نوع من عدم الولاء
لعلاقة الزواج المشتركة فيما بينهما، فمن المتوقع نشوب الخلافات وحدوث
المشاكل بمجرد تفكير أحد الطرفين بمفرده في أمر ما ولو كان شراء حذاء خاص
به، ومن الطبيعي أن يكون هناك نزعة إلى الفردية في الكثير من الأحيان مهما
تظاهرنا بعكس ذلك، ومن هنا تتحول حياتنا إلى جحيم وفي بعض الأحيان يتوخى
أحد الطرفين الحذر من هذه النزعات الفردية ويبطنها بداخله ولا يطلع شريكه
عليها، وإذا نجح في ذلك سيظل أسيرا للشعور بالذنب الذي يلازمه طوال حياته،
إذن هما هنا أمام خيارين أحلاهما مر إما أن يفلت الأمر من بين أيديهما
وتطغى النزعة الفردية في بعض الأحيان وعلى أثر ذلك تطفو المشاكل على السطح
وإما أن يتكتم كل منهما على نزعاته الفردية بحرص ويعيش تحت وطأة الشعور
بالذنب، وأيضا ستنجم المشاكل حتما نظرا للإرهاق النفسي المستمر في هذه
الحالة.
أمثلة لظاهرة التداخل العاطفي
لتقريب الصورة أكثر كان من الضروري أن نورد لك هذه الأمثلة الحية التي ربما تكون مرت عليك عبر حياتك اليومية.
- شعور أحد الزوجين بالخطر على الحياة الزوجية في حالة التقدم
المهني أو المجتمعي لأحدهما أو عندما يكون هناك موقف يتطلب الاختيار
الفردي مثل سفر أحد الشريكين عندما يشعر أي منهما بالتهديد في مثل هذه
الحالات، فالسبب راجع إلى طريقة تفكيره بصيغة التداخل أو الانصهار العاطفي
الذي لا يجدي هنا.
- انتشار الخوف أو الإلزام أو إشعار الآخر بالذنب لحثه على الاستمرار في العلاقة الزوجية فيما يعرف باسم الابتزاز العاطفي.
- احتياج الشريك إلى ما يشبه الوعد من شريكه لكي يشعر بالأمان
الأسري، ففي أي علاقة طبيعية لا تحتاج الزوجة من زوجها أن يردد على
مسامعها دائما أنه يقدرها ويحترمها ولكن هنا يحتاج كل منهما إلى سماع مثل
هذه العبارات.
- يقضي الزوجان وقتهما معا ونادر ما يكون لدى أحدهما صديق خاص به وحده.
- الانصياع إلى فكرة موحدة أو هواية مشتركة أو حتى برنامج تلفزيوني متفق عليه يعتبر من علامات الحب والود الأسري.
- لا يستطيع أي من الزوجين اتخاذ قرار فردي حتى وإن كان بسيطا دون الرجوع للآخر، فإن حدث ذلك يعتبر من علامات عدم الولاء.
تعديل المسار
ليكن في علمك أننا جميعا نمر بهذه الحالة ولكن بدرجات
متفاوتة، فمن الضروري للزوجة أن يشعر زوجها بتضامنها معه والعكس، كما أنه
من المهم أن تحس منه حالة من التوافق ولكن أن ينصهر الاثنان في شخصية واحدة
متجاهلين في ذلك كل الخبرات والأفكار والتجارب الحياتية والمشاعر التي تخص
الطرف الآخر فهذا الأمر يخرج عن قوانين الطبيعة، إن الموت هو الحدث الوحيد
الذي يمكن أن يلغي الشخص ويغيبه تماما، خلافا لذلك يصبح الأمر خداعا وفي
حالتنا هذه يأتي الخداع متعمدا ومتفق عليه بين طرفين يعرف كل منهما أن
الآخر يخدعه ولا يظهر له الحقيقة، والمخرج من هذه المشكلة أن نبدأ من الآن
في الإصرار على تولي مسؤولية أفكارنا الخاصة، وألا نحاول الحجر على أفكار
الآخر وأن نحاول قدر الإمكان تقسيم الأدوار وتبادلها مع بعضنا البعض، ويجب
أيضا أن نغير من أفكارنا التي تتسبب في هذه الحالة، فلا يمكن أن نحكم على
هذا التداخل العاطفي على أنه الدليل الوحيد على الحب والتؤدة بين الزوجين،
واعلمي أنك تستطيعين أن تكوني إنسانة مسؤولة عن أفكارك الخاصة بنفسك، ولا
يتعارض ذلك مع ما تكنه القلوب من محبة لشريك العمر، إذا كنت غير مقتنعة
بأنها ظاهرة مرضية اسألي نفسك عن الفوائد التي يمكنك تحصيلها انت وزوجك من
وراء الاستمرار في الحياة الزوجية بهذه الطريقة المخادعة وإليك بعض النصائح
الأخرى..
1+1=2
هكذا تعلمنا العمليات الحسابية البسيطة 1+1=2 لذلك فمن غير
المنطقي أن نعتقد بل ونحاول أن نثبت أن 1+1=1 ولكي نطبق ذلك بطريقة عملية
عليك بأن تكوني مدركة وعلى دراية ببعض الحقائق مثل..
- عدم النظر إلى الانتقادات الموضوعية التي يوجهها إليك الزوج
على أنها نوع من المهانة أو التقليل من شأنك أو أنها دليل على فشلك، لماذا
لا ننظر إلى هذه الانتقادات على أنها محاولة منه لإظهار أفضل ما لديك.
- لا تبرري مطلقا أنك فكرت أو تصرفت في أمر ما بطريقة فردية
ومع التعود على هذا الأمر سوف تجدين تقدما ملحوظا، ونقصد بالفردية هنا
الأفكار والمعتقدات والهوايات والاتجاهات، أما الموضوعات الأسرية المشتركة
لا يمكن أن تتم إلا بالأخذ في الاعتبار مبدأ التشاور.
- استشيري زوجك دائما في كل أمورك، ولكن قدمي له استشارتك في
شكل آراء ومقترحات، واطلبي منه أن يسدي إليك النصح لانتقاء أفضل
الاقتراحات، لكن لا تتركي الأمر كله برمته بين يديه وموكولا إليه كي يوجهك
على حسب رؤيته فقط، الحياة الزوجية فعلا مشاركة بين الزوجين ومن ضمن
أساسيات هذه المشاركة والأخلاقيات الخاصة بها أن يقدم الطرفان أفضل ما
لديهما لتقدمها وترابطها، لا أن يلغي أحدهما الآخر ويحرم العلاقة الأسرية
من مساهماته.