( تخدعنا الأغاني كثيرا ….. فتبيعنا مدن لاوجود لها إلا على خرائط الوهم )
١
تخدعنا قصائد الشوق كثيرا
تماما كما تخدعنا آغاني الحب
فنرسم في خيالنا مدن خضراء
وحكايات لاتشيب وأبطال لاينتعلون الرحيل
مخلفين بنا من خراب الخذلان الكثير !
ونتوهم ان الحب في الأغاني هو ذاته الحب في الواقع
وان الألم في حكايا الأغاني هو ذاته في حكايا الحياة !
لكننا نكتشف حجم مساحة الوهم بنا وحولنا
حين ننزل من سماء الأحلام
ونتجول فوق أراضي الواقع !
ففي القصائد فقط !
يهطل المطر على العشاق بغزارة !
وفي القصائد فقط !
يزور العشاق الأطلال لتقديس الذكرى والماضي !
وفي القصائد فقط!
يلفظ العشاق أنفاسهم على الأبواب !
٢
وقد خدعتني الأغاني زمنا طويلا !
فحين كنت أسمع عبدالكريم يردد :
[عيش الحزن عيش الألم وحدك
خلني أعيش دنيا الهنا بعدك ]
كان يداخلني إحساس أنني خسارتك الكبرى
التي لن تعوضك عنها كل مكاسبك !
لكن
لا أنت عشت حياة ( الألم ) بعدي
ولا أنا عشت حياة [ الهنا ] بعدك
فتوقع أحداث مابعد الفراق تبقى كالأماني المُسكرة
التي نُخدر بها ألم ما !
كي نعاود الوقوف بعد سقوط كاسر!
٣
وحين كنت أسمع رباب تغني
( قالوا محبوبج يافلانة عريس )
ظننت إن بطاقتك لن تصلني يوما
وان المسافة في صالة الأفراح لن تفصلني عنك يوما
وانك عيناي لن تلمحك يوما بصحبة انثى ذات ثوب أبيض !
لكني عشت الألم بتفاصيله !
استلمت بطاقتك
وحضرت زواجك بكامل زينتي !
ودندنت أغنية (رباب) بيني وبين جرحي !
وزففتك اليها بفرحة مبالغ بها !
والتقطت لكما مع طفلكما الأول صورة عائلية
واحتفظت بك فوق أرفف عمري!
كتحفة أثرية ....... للذكرى !
٤
وحين كنت أسمع أم كلثوم تغني !
( ولو في يوم قدرت أحب تاني
برضو هاحبك انت )
لكنني استطعت و( قدرت )
وكررت حكاية الحب بعدك مرة أخرى !
ولم تكن انت بطلها !
فحين ننزف احساس ما بألم عظيم
من الصعب ان نأمن جانبه
أو تتقبل فكرة عودته لقلوبنا !
فتكرار الحكاية بنفس الطقوس والوجوه والأحلام أمر مرهق جدا !
لهذا من النادر ان تُخلد حكاية ما بنفس الوضوح والقوة !
فربما انتهى زمن الحب الخالد !
أو ربما أصبح عشاق الأرض أكثر ذكاءا
وأكثر معرفة بأهمية العمر ولحظاته
وأكثر حرصا من الموت أحياء خلف حكاية ماتت!
٥
وحين كنت أسمع نوال تغني !
(القلوب الساهية )
ظننت أنه بإمكاننا تخزين تفاصيل حكايتنا في علبة محكمة الاغلاق
نفتحها عند كل طارق للحنين!
وان وقوع صورة لك بالخطأ أمامي قد تحرك إحساسي إليك !
أو ان فتح صفحة في كتاب يحتوي شغب قلمي
قد يحرك إحساسك إلي !
لكني اكتشفت ان الأحاسيس بعد إعلان الحلقة الأخيرة من العلاقة ماعادت تمارس دور الميت علينا!
لتفاجأنا بعودتها للحياة عند أول رعشة ألم للحنين !
لأنها تكون قد ماتت بالفعل !
٦
وحين كنت آسمع سعدون جابر يغني !
(يا طيور الطايرة )
ظننت إن للطيور قدرة بناء جسور الوصال !
وان طائر صغير قد ينجح في ممارسة دور ساعي البريد !
فقضيت عمري واقفة على نوافذ الأحلام
بانتظار سرب (الطيور الطائرة )
كي أحملها أمانة السلام إليك !
لكن كل الطيور التي مرتني لم تلتفت لي
ولم تهتم لأمري
ولم تنصت لحكايتي !
٧
وحين كنت أسمع عبدالمجيد يغني
(يابعدهم كلهم
ياسراجي في ليلهم )
توهمت اني لديك أمثل (بعدهم )
(بعدهم ) التي يأتي في آخر قائمة الأحبة !
حين يكون الموت على الأبواب والطوفان في الطريق الى المدينة!
واني (سراجك) الذي ينير دربك في ليلهن
حتى لو كان دربك هذا ينتهي إلى ليلة سهر لاوجود للوفاء بها !
لكني كنت أول من مره الطوفان وأغرقه !
وأول من بلل الحزن فتيلته …. وأطفأه !
٨
وحين سمعت محمد عبده يغني
(الأماكن كلها مشتاقة لك )
صدقت ان الأماكن تشتاق
وانها تحتفظ بالعطر
فعدت للاماكن أبحث عنك
مررت على كل الطرقات !
استنشقت غبار زواياها
بحثا عن عطر شوق يعيد إلي الزمان
لكني اكتشفت إن الأماكن صماء
لاتسجل أحاديث العشاق
وانها عمياء لا تلتقط لهم للذكرى صورة
وان كل الأشياء بعد شطر روحين في حكاية حب تذبل وتنطفىء!
٩
وحين سمعت خالد الشيخ يعني
(شويخ من أرض مكناس
وسط الأسواق يعني
إش علي أنا من الناس
وش على الناس مني )
ظننت أنه بإمكاني ان أكون يوما ذلك (الشويخ )
فاجوب الأسواق في حالة عناء
متجاهلة من النظرات والاقاويل الكثير
لكني اكتشفت ان الحرية التي تمارس عكس اتجاه الطوفان
تكون باهظة الثمن جدا
وان الأقاويل ليست حكايات تُسرد ليلا وتنتهي عند الصباح
وان بعض الأقاويل كماء النار
تشوه من ملامح العمر الكثير !
١٠
وحين سمعت فيروز تغني
(نظرتك عابابي بليلة العيد
مرقوا كل صحابي وحدك اللي بعيد )
ظننت أنه بإمكاني ان أكون بوفاء بطلة الأغنية
فأنتظرك ليلة العيد على عتبة بإبي
بانتظار ان تتصدق بك علي صدفة ما
فتلقي بك في كف أحلامي كدرهم العيد !
أو كصدقة كريم في يد محتاج عاجز !
لكن تكرار الأعياد أرهقني
وتكرار الانتظار أرهقني
وتكرار الخذلان أرهقني
وتكرار الغياب أرهقني !
*