كنت عائداً من الأردن إلى فلسطين حيث مـكان ولادتي ، وعلى الحدود أعطيت جواز سفري الأردني إلى الموظف ففحته وقرأ مكان الولادة فلسطين ، فقال: كيف فلسطين؟ فقلت بخير .. ونرجوا الله أن تبقى بخير .
- منذ متى وأنت تعيش في الأردن؟
- أنهيت لتوي السنة الثانية والعشرون
- متى زرت فلسطين آخر مرة؟
- لمـ أزورها قط
فنظر إلي وهو يبتسم وسألني: من تحب أكثر فلسطين أم الأردن؟
فقلت له: الفرق عندي بين فلسطين والأردن كالفرق بين الأم والزوجة .. فالزوجة أختارها .. أرغب بجمالها .. أحبها ..
.. لكن لا يمكن أن تنسيني أمي ..
الأم لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكها .. لا أرتاح الا في أحضانها .. ولا أبكي إلا على صدرها .. وأرجو الله ألا أموت إلا على ترابٍ تحت قدميها .
فأغلق جواز السفر ونظر إلي باستغراب وقال: نسمعُ عن ضيق العيش فيها فلماذا تحب فلسطين؟
قلت: تقصد أمي؟
فابتسم وقال: لتكن أمك ..
فقلت: قد لا تملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة الطبيب ، لكن حنان أحضانها وهي تضمني ولهفة قلبها حين أكون بين يديها تشفيني .
قال: صف لي فلسطين
فقلت: هي ليست بالشقراء الجميلة ، لكنك ترتاح اذا رأيت وجهها .. ليست بذات العيون الزرقاء ، لكنك تشعر بالطمأنينة اذا نظرت اليها .. ثيابها بسيطة ، لكنها تحمل في ثناياها الطيبة والرحمة .. لا تتزين بالذهب والفضة ، لكن في عنقها عقداً من سنابل القمح تطعم به كل جائع .. سرقها اللصوص ولكنها ما زالت تبتسم ..!!
أعاد إلي جواز السفر وقال: أرى فلسطين على التلفاز ولكني لا أرى ما وصفت لي ..!!
فقلت له: أنت رأيت فلسطين التي على الخريطة ، أما أنا فأتحدث عن فلسطين التي تقع في أحشاء قلبي ..
قال: أرجو أن يكون وفاؤك للأردن مثل وفائك لفلسطين.. أقصد وفاؤك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك
فقلت له: بيني وبين الأردن وفاءٌ وعهد ، ولست بالذي لا يفي عهده ، وحبذا لو علمتِ أن هذا الوفاء هو ما علمتني إياه أمي..