إشارة واحدة برزت الأربعاء في عمان تفيد بأن جماعة الأخوان المسلمين التي تشكل التنظيم الأضخم في البلاد تتهيأ لدخول معترك الإحتجاجات الشعبية التي وصلت بسرعة لمنحنيات عاصفة إعتبارا من مساء الثلاثاء.
هذه الإشارة تتمثل في إعلان نقابة المعلمين التي يسيطر عليها الأخوان المسلمون عمليا الإضراب العام في جميع مدارس المملكة إعتبارا من الأربعاء في قرار نادر خرج بعده المئات من طلبة المدارس الصغار لإغلاق الشوارع والتظاهر.
وخلال ساعات فقط تدحرجت كرة الإحتجاجات على رفع الأسعار في الأردن وأطلق أصحاب سيارات السرفيس العمومي (الجيش الأبيض) جرس الإنذار الأول عندما أعلنوا الإضراب العام في المحطة الرئيسية لهم وسط العاصمة إحتجاجا على رفع تعرفة النقل من قبل هيئة تنظيم قطاع النقل.
..هذا الإجراء من شأنه إذا ما إلتحق به الجيش الأصفر (سيارات التاكسي) سيؤدي إلى شلل تام في حركة النقل وإغلاق العديد من الشوارع الحيوية للضغط على الحكومة.
بالتزامن قالت تنسيقية الحراك أنها ستجدد مساء الأربعاء إعتصامها المفتوح على دوار الداخلية وسط العاصمة عمان فيما ستنطلق الحراكات جميعها مع الأخوان المسلمين في مسيرة ظهر الجمعة يعتقد أنها قد تكون المسيرة الأضخم منذ إنطلق الحراك قبل نحو عام وتسعة أشهر.
في الأثناء أعلنت نقابة المحامين الإضراب وبدأت ملامح العصيان المدني تلوح في الأفق في تطور لافت جدا بعد رفع الأسعار.
ولم تصدر عن السلطات الحكومية ردة فعل من أي نوع بعد سلسلة من الإضطرابات العنيفة قالت مديرية الأمن العام في بيان لها أرسل للقدس العربي أنها إنتهت بإصابة عشرة من رجال الدرك بالرصاص إضافة لأربعة مواطنين مع أحداث شغب وتخريب شهدتها بعض المحافظات.
وتحدث بيان الأمن العام عن وجود فئة استغلت اعلان الحكومة رفع اسعار المشتقات النفطية وقامت بعمليات نهب وتخريب وحرق للمؤسسات الحكومية والخاصة في بعض المحافظات وقامت تحت تلك الذريعة بارتكاب جرائمها بحق المجتمع لتحقيق مارب مالية وشخصية خاصة بها.
وكانت قد ظهرت زجاجات المولوتوف فجر الأربعاء في مدينة الكرك الأردنية بعدما اطلقها محتجون ملثمون على مقر الحاكمية الإدارية فيما أحرقت محاكم ومؤسسات وبنوك ومقرات رسمية وأهلية في موجة عنف هي الأشد قسوة في الأردن إحتجاجا على رفع الأسعار.
وأطلق المولوتوف على مقرات رسمية في مدينة الكرك فيما أفاد شهود عيان تحدثوا لـ(القدس العربي) عن تبادل لإطلاق النار بين مواطنين وقوات أمنية في منطقة المزار في نفس المدينة قبل إطلاق الرصاص على شرطيين شمالي المملكة وإصابة أربعة من رجال الدرك في مدينة السلط.
وإشتعلت الأجواء على نحو سريع ومفاجيء في غالبية المحافظات الأردنية بعد دقائق فقط من إعلان رئيس الوزراء عبدلله النسور تعرفة الأسعار الجديدة للمشتقات النفطية فيما سهر الأردنيون حتى ساعات الصباح الأولى يتابعون ملامح ربيعهم الأولى عمليا عبر شاشة الجزيرة مباشر التي نصبت كاميرا في ساحة الإعتصام الأهم في قلب العاصمة عمان.
وتجنبت السلطات التشويش على بث الجزيرة مباشر التي خصصت ساعات طويلة من البث إستدعت تجربة ميدان التحرير في مصر حيث ظهرت على الشاشة إشارة (عمان- الأن) عدة ساعات فيما كانت مظاهر العنف الأقسى تظهر في مسقط رأس رئيس الوزراء عبدلله النسور مدينة السلط.
في السلط أحرقت واجهة أحد البنوك وأربع سيارات على الأقل تعود ملكيتها للدولة وأغلقت غالبية الشوارع وأحرقت الإطارات وجرت محاولة لإقتحام مقر الحاكم الإداري مع أنباء عن إطلاق الرصاص في محيط منزل رئيس الحكومة الذي احاطت به قوات مكثفة من الدرك لحمايته بعدما قرر المحتجون الإعتصام مقابله قبل تفريقهم بالغاز المسيل للدموع.
وبات المشهد دراميا من الناحية السياسية في عمان العاصمة حيث أغلق نحو 2000 متظاهرا منطقة دوار الداخلية في قلب العاصمة وسهروا فيه حتى الصباح ملوحين بالإعنصام المفتوح قبل أن يرى الجمهور الأردني لوحة تظهر علنا وعلى الشاشة لأول مرة كتبت عليها عبارة (إسقاط النظام).
بالتوازي ردد المحتجون في عمان هتافات هي الأكثر قسوة منذ إنطلق الربيع العربي دعت صراحة ومباشرة وأمام أعين أكثر من 1000 رجل أمن ودركي لإسقاط النظام.
وبدا لافتا حسب جولة ميدانية للقدس العربي أن رجال الأمن لديهم تعليمات بإحتواء الموقف حتى الساعة الرابعة فجرا فيما لاحظ صحفيون ومراقبون بأن إشتعال الأسعار يطال أيضا رجال الأمن الذين برزوا هذه المرة متفهمين لمشاعر الجمهور فيما تغيبت ظاهرة البلطجية التي تبرز كلما نظمت مسيرات سياسية وإصلاحية.
ومن هتافات عمان التي أثارت الإنتباه (يا شعبنا ثور ثور ..فليسقط عبدلله النسور) وبيها أيضا هتاف يقول (حرية من ألله غضبن عنك عبدلله).
وإعتبر مراقبون سياسيون إنطلاق مثل هذه الهتافات وفي قلب العاصمة عمان إيذان عملي بسقوط حكومة النسور بعد 24 يوما على تشكيلها وتشكلا لمظاهر الربيع العربي في نسخته الأردنية وإنتقاله من دائرة الحراك إلى دائرة أكثر صلابة بسبب العنوان المعيشي والتوقيت السيء لقرارات تحرير المشتقات النفطية.
وبرزت عدة مفاجآت مساء الثلاثاء وفجر الأربعاء أهمها بعد رفع لافتة إسقاط النظام والعنف في مدينة السلط والسرعة في إنتشار الإحتجاجات من العقبة جنوبا إلى الرمثا شمالا حصريا تجمع ألاف من أبناء مدينة الزرقاء التي تقطنها أغلبية من الأردنيين من أصل فلسطيني حيث نظمت إحتجاجات في عدة مناطق في الزرقاء.
وفي مدينتي الكرك والمفرق حاول محتجون إحراق مقر الحاكم الإداري وفي مدينة معان أحرقت مقرات رسمية فعلا وجرت محاولة لإفتحام مقر جهاز المخابرات ونظمت مسيرات إحتجاجية على رفع الأسعار في جرش والعقبة وعجلون وإربد والطفيلة والشوبك والكرك.
ويتوقع أن تزداد مظاهر الإحتجاج عنفا وتوسعا اليوم الخميس ويوم غد الجمعة حيث أعلن رئيس الحكومة عبر التلفزيون الحكومي عن رفع المشتقات النفطية بنسب تتفاوت ما بين 20% في الحد الأدنى إلى 33% بالحد الأعلى وهو اعلى رفع للأسعار تشهده البلاد دفعة واحدة منذ فترة طويلة.