دائماً ما تكون الأمور العظيمة
مُصابَةٌ بالدَّخيلِ من الدَّخين
الذي ليس منتمياً إلى أصولِها و لا منتسباً إلى معاقدها
و إنما يُوجد نفسه من أجل أن يُرِيَ من حولَه
أنه يخوض كبريات الأمور و عظائم الأحوال
و يتبعها مصدِّقاً الكثيرُ من القَشِّ الذي يطير به أيُّ هواء
كانت، و لا تزال، سنن الكون في الحياة تقيم امتحاناتها
لأمثال هؤلاء لتكشف عورتهم أمام الناس
وليشهد التاريخ بسقوطهم على وجوههم و ليجُرَّهم
بمنتهى التحقير إلى مزابل حفظ المنهزمين الكاذبين
تحدث في المجتمعات أحداثٌ هنَّ امتحانات الأقدار لأمثال هؤلاء
فلا يجد الناس منهم إلا فرار يوم زحفِ المطالب
و تحيُّزاً إلى فئة الهارب فيلوذون بالسقوط و يرضون بالقعود
فيُكبتهم الله عن بكرتهم فلا يقيم لها قائمة التشريف.
ما يحدث للشعوب يطلُب من هؤلاء الدخلاء أن يقفوا موقف الشهامة
فيصرخوا بصوتٍ عالٍ ليكونوا مع الشعوب ضد ما أصابها
لا أن يكونوا في منأى عن الأحداث
يُملون أساطير الأولين الوعظية
أو يُسطرون توجيهات الفاشلين الرَّدية،
أو يُلقون بتحليلات نفسيةٍ دنِيَّة
فتلك إلا انهزام كبيرٌ يُثبت للتاريخ
مدى ما هم فيه من تقزُّمٍ عن أمور الكبار
أحداث الشعوب الكثيرة كشفت أقنعةً كثيرةً
كانت وراءها وجوهٌ يُزعم أنها وجوه صِدقٍ
و يُظنُّ أنها وجوهُ خيرٍ و يُعتقد
أنها وجوه إصلاح فكانت على الضدِّ تماماً
و لو كان موقفُ زلَّةٍ واحد فالشعوب
لا تعرف التخصيص و لا التمييز عندما تُخان و يُهزأ بها
تلك الوجوه التي أبانت وجوهاً
ليست وجوه التشريف و ليست وجوه الكرامة
و ليست وجوه الشهامة البشرية هي
وجوه الدعوى، ووجوه العيب
و لا يعرف العيبَ من استمرأه.
حينما أبانت تلك الوجوه لأولئك الزاعمين المُدَّعِيْن
موقف الذل الذي تعيشه في دواخلها
و كشفت عن ستار الهوان
الذي يضرب أطنابه في أعماق قلوبها،
بدأت تلوذ فراراً بأجوبة مليئة بالمثالية
لا تمتُّ للواقع و حلِّه بأيِّ صِلَةٍ
و إنما هالةٌ تُكبَّرُ و دعوى تُعرَّض
و صراخاً مزيَّفاً زاعمة، كما هي دوما
أنها تهتم بأحوال الشعوب و أنها تمتلك من الرؤى الكثير
الذي يضمن تحقيق المقاصد الشعوبية
على القاعدة الفرعونية، قاعدة عُشَّاق الزعم و الهُراء
التي أثبتها القرآن المعظَّم لتبقى
" ما أريكم إلا ما أرى "
،
و هم لا يملكون شيئاً، فلا العيون تُبصرُ
و لا القلبُ يهتدي و لا اللسانُ يُعربُ
و لا اليد تُعين ولا الرجلُ تَخْطو
فهم جمْعٌ من معتوهي النفوس و معوَّقِيْ القلوب
لاذوا بأجوبتهم المثالية التي يسترون بها عورة الانهزام
فصاروا إلى إبداء الرأي حولَ ما يجري من انتحارات
و مدى مداها النفسي، بلباسٍ شرعي،
كما هم دوماً في تقرير الانهزام بصورة الشرع
حتى لا يُتهموا بشيء
فتنطلي الخُدَع على من يؤمن بعصمتهم
كل هذا ابتعاداً عن الحضور المُشرِّف في المواقف
و الذي به يُثبتون صحة دخولهم
عالم الإصلاح و قيادة الناس فكرياً
و لكن للأسفِ، فليس وراء أمثال هؤلاء شيءٌ و ليتهم سكتوا
فهم لم يشعروا يوماً بما تشعر به الشعوب
وإن طنطنوا و دندنوا بقضاياها،
و لم يذوقوا ألم الجوع و لا صُراخالعيال
فهم في ظلٍّ لم يروا شمس الجوع يوما
و لم يتذوقوا مرارةَ البؤس لحظةً من ثانية
فهم يتكلمون فيما لا يعرفون
و يُقحمون أنفسهم فيما لا يدرون
و لا يُسألُ عن الجهاد إلا أصحاب الثغور
فلا يُجيد الجوابَ إلا من أدرك
ومن لم يُدركْ فجوابك مُهلك.
لأجل هذا كانت الأجوبة المثالية
مندوحة لهم عن الحضور في مواقف التشريف
فباتوا يُشغلون الناسَ بفروع لا تُقام لها أوزان
فلكل حادثة وزنها في وقتها
فمن محرِّرٍ لأحكام الانتحار ومن محلِّلٍ للنفسيات
و لا جُرْمَ في الانتحار في مثل هذه
لأنه سلوكٌ خاطئٌ عن مرارة قهر الإنسان
الذي لم يُحترَم في السلوك الإصلاحي
و لا اعوجاجَ في النفسيات لأنه تصرفٌ منبعثٌ من غضبٍ
لحق من مظلوم ليس له من ينصره
فبعد كلامهم آن للشعوب أن تغسل أحذيتها منهم
لأنها لا تريد في زمن الكوارث من يقيم منابر الوعظ
أو يتكلم في قضايا مجَّتها نفوس الشرفاء
و لا تريد من يأتي ليطرح فلسفةَ الفراغَ الرجولي
بهزيل من القصد، نائياً عن البوح بالحقائق
مزيِّفاً الواقع بأن الشعوب تلتقمُ العيشَ بملاعق الذهب
في صورة في منتهى السقوط إلى هاوية الأرض،
و لا تريد أيضاً من شخصٍ يصفق تشجيعاً
من أجل أن يُرى ظاهراً كفنانة إغراء،
واعتذاراً شريفاً لفنانات الإغراء، فالبديل أعور دوماً،
و المقلِّد منهزمٌ أبداً، و لا عزاء لمن انهزم
فالتاريخ لا يحترم إلا الأبطال و الصادقين
ولو كانوا ظالمين،
لا لما هم عليه من انحراف عن الجادة
و إنما لأنهم قالوا ففعلوا
فالتاريخ ليس مع الذين يقولون ما لا يفعلون؟! "،
فالتاريخ أعظم شاهد يُثبتُ الحقائق، و أما شنشناتُ المنابر،
و خربشات الأقلام، و نظريات النفسيات
فتلك تؤول إلى العدم
لأنها لم تخرج من موجود