التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو
التصوير الفوتوغرافي عبارة عن تسجيل انعكاس صورة الأجسام في الخارج عبر تسجيل الفيلم أو الشريحة الرقمية للضوء الساقط عليها مرورًا بالعدسة.
فالصورة هنا عبارة عن الأشعة الضوئية المنعكسة عن الأجسام والتي تمر عبر العدسة ليسجلها الفيلم عبر تأثير الضوء عليه كيميائيًّا، أو تسجلها الشريحة الرقمية وترسلها للذاكرة في الكاميرات الرقمية الحديثة.
والمعنى فيه من الناحية الفنية تثبيت للضوء المنعكس من الأشياء، وتبعًا لذلك تثبيت صورة الواقع.
ولهذا فهو يختلف من حيث أصله عن التصوير اليدوي الذي يطلق عليه حاليًا (الرسم) وهو: تشكيل الصور المسطحة للأشياء أو الأشخاص يدويًّا, ومن يشتغل به يسمى (الرسام).
ويختلف كذلك عن النحت الذي هو : الأخذ من كتلة صلبة كالحجر أو الخشب بأداة حادة كالإزميل أو السكين، حتى يكون ما يبقى منها على الشكل المطلوب.
بداية التصوير الفوتوغرافي:
تم اكتشاف التصوير الفوتوغرافي بطريقة عملية في بدايات القرن التاسع عشر بالتاريخ الميلادي، وأول صورة طبعت كانت عام 1816م بواسطة الفرنسي جوزيف نيبس، ثم بدأ تطور التصوير الفوتوغرافي شيئاً فشيئاً علي يد عدد من العلماء، وبدأ انتشاره بوضوح في بدايات القرن العشرين لاسيما بعد اختراع أول كاميرا 35ملم عام 1913م.
أوائل من تكلموا في حكمه:
ومن بداية تلك الفترة اعتبر التصوير الفوتوغرافي لذوات الأرواح أحد النوازل الفقهية التي تحتاج إلى اجتهاد في بيان حكم الله فيها: هل هو شبيه بالرسم والنحت والتصوير المحرم بالنص، أم هو نوع آخر من عموم المباحات في الشريعة أشبه النظر في المرآة ونحوها، مع اتفاقهم على جواز تصوير غير ذوات الأرواح، وعلى إباحة ما كان للحاجة الملحة كالصور الرسمية ونحو ذلك.
وقد اختلفت اجتهادات أوائل من تصدوا لهذه المسألة على قولين:
• فذهب للإباحة مفتي الديار المصرية العلامة محمد بخيت المطيعي الحنفي المتوفى عام 1354هـ -1935م في كتابه (الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي).
ووافقه جمع من أهل العلم منهم مفتي الديار المصرية حسنين مخلوف رحمه الله، والشيح محمد بن عثيمين رحمه الله، وغيرهم من أهل العلم.
• وذهب للتحريم مفتي الديار السعودية الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله والمتوفى عام 1389هـ.
ووافقه جمع من أهل العلم من أمثال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، وغيرهم من أهل العلم.
والخلاف بين الرأيين سائغ ولكل وجهته ودليله, وليست المسألة من أساسات الدين حتى يقاتل البعض للدفاع عن رأي دون آخر، فالكل يريد إعمال الأدلة والنصوص، وإنما الخلاف في النظر للنازلة وترددها بين أصلين أو ما يسمى بقياس الشبه.
التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو:
يفرق بعض أهل العلم بين التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو في الحكم، وهذا التفريق لا يستقيم لأن عملية التصوير واحدة في النوعين إلا أن الفيديو يزيد عن الأول بأنه يصور لقطات ثابته متلاحقة ما بين 24-30 لقطة ثابتة في الثانية، وعند عرضها السريع تراها العين متحركة ولا تدرك ثبات اللقطات، ولهذا يمكن اقتطاع الصور الثابتة من أي مقطع فيديو متحرك بكل سهولة.
وعلى هذا ينبغـــي أن يكون الحكــم في النوعين واحـداً غير مختلف.
التصوير الفوتوغرافي انعكاس للأشياء في واقع:
حقيقة التصوير الفوتوغرافي كما سبق أنه حفظ وتسجيل لانعكاس صورة الأشياء على عدسة الكاميرا، ولهذا يفعله الصغير والكبير والمتعلم والجاهل والمحترف والمبتدئ، وقصارى ما يصنعه المصور الحاذق أنه يحسن اختيار الزاوية ويحدد قدر الضوء المناسب لحفظ ذلك الانعكاس، كما يختار الشخص الزاوية المناسبة لتنعكس صورته على المرآة بطريقة جميلة، ويبعد أن يكون مثل هذا من مضاهاة خلق الله الذي ورد النهي بشأنه.
قال محمد بخيت المطيعي: "...إذا تقرر هذا وعلمت أن أخذ الصور بالفوتغرافيا ليس إلا حبس الظل الناشئ بخلق الله تعالى من مقابلة الأجسام المظلة للضوء، علمت أن أخذ الصورة على هذا الوجه ليس إيجادًا للصورة,، ومعنى التصوير لغةً وشرعًا هو إيجاد الصورة وصنعها بعد أن لم تكن, فلم يكن ذلك الأخذ تصويرًا أصلاً، وليس فيه معنى التصوير والمضاهاة لخلق الله تعالى,... كما أنه يجوز أن يقف الإنسان أمام مرآة ما شاء الله أن يقف فيعكس ظله فيها, فلو فرضنا أن آخر حبس هذا الظل الذي انعكس بالمرآة فيها بوسائط وصلته لذلك، وجعله مستمر الوجود في المرآة بعد زوال وقوف ذلك الإنسان أمام المرآة، أيمكن لأحد أن يقول: إن هذا مصورٌ صوّر هذا الظل وأوجده بعد أن لم يكن مصنوعًا؟... وعلى كل حال فأخــــــذ الصــــورة بالفوتغرافيا الذي هو عبارة عن حبس الظل بالوسائط المعلومة لأرباب هذه الصناعة ليس من التصويــــر المنهـــي عنه في شيء؛ لأن التصوير المنهي عنه هو إيجاد صورة وصنع صورة لم تكن موجودة ولا مصنوعة من قبل، يضاهي بها حيوانًا خلقه الله تعالى، و ليس هذا المعنى موجوداً في أخذ الصورة بتلك الآلة" (الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي ص 22-23).
حكم الاستفادة من الصور الفوتوغرافية:
تتنوع أشكال الاستفادة من الصور الفوتوغرافية من طباعتها ووضعها في الألبومات إلى طباعتها على الأكواب ونحوها، أو جعلها خلفيات لشاشات الأجهزة الالكترونية والمواقع والصفحات الاجتماعية وغير ذلك من أشكال الاستفادة التي لا يمكن حصرها .
وإذا تقرر أن التصوير الفوتوغرافي مجرد حفظ انعكاس صور الأشياء، فهو لا يدخل في نصوص النهي عن التصوير، والأصل إباحته باختلاف أنواعه واستخداماته وطرائق عرضه وطباعته.
وقد يعتري التصوير أمر خارجي يخرج به عن الإباحة إلى الكراهة أو التحريم، أو يكون وسيلة إلى أمر محرم فيأخذ حكمها حينئذٍ.
............
ربي ساّمِحني عِندَمَاّ أَحزَن عَلّى شَيء أَرَدَتَـُه
وَ لَم تَكتُبُه لِي....