من دروس الشيخ الفاضل د . محمد راتب النابلسي حفظه الله تعالى
النوم يعد من نعم الله تعالى العظيمة على الأنسان وعلى المخلوقات كلها
فينام الأنسان لترتاح أجهزته وأعصابه , أعرف شابا أنا أتصور أنه لو يملك 100 مليون يدفعها بلا تردد مقابل أن ينام ليلة واحدة !
حار به الأطباء , لا ينام أبدا , فالنوم من نعم الله الكبرى , فالحقيقة ان النوم مرتبط بشكل أو بآخر بحالة الأنسان النفسية , فالأنسان حين يقترف جريمة أو يقترف أثما أو حينما تحاسبه نفسه حسابا عسيرا , أو حينما يخرج عن مبادىء فطرته , يكون بعده عن النوم وكأنه عقاب له , لذلك في بعض الفنادق في أوروبا كتبت لوحة على كل سرير : أن لم تستطع أن تنام فالعلة ليست في فرشنا أنها وثيرة , ولكن العلة في ذنوبك !!
فالأنسان المؤمن لأنه لم يبني مجده على أنقاض الآخرين , ولم يبني غناه على فقرهم , ولم يبني حياته على موتهم , ولم يبني أمنه على خوفهم , ولم يبني عزه على ذلهم , ينام نوما عميقا , فالنوم أذن من نعم الله العظمى .
يقول الله تعالى ( ثم أنزل عليكم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ) فهذا الأمن قد يأتي عن طريق النوم , شيء آخر هو أن الله سبحانه وتعالى جعل الليل لباسا وجعل النهار معاشا , طاعته لله في الليل تكون أحيانا , قيامه في الليل , صلاته في الفجر , أن أردت جوا صافيا لا أزعاج ولا أتصال ولا بكاء ولا صراخ ولا ضجيج ولا شارع مزدحم وابواق سيارات , أن أردت وقتا صافيا فعليك بوقت الفجر وبعد العشاء , لقد ورد في بعض الأحاديث لو يعلم الأنسان ما في العتمة والصبح لآتوهما حبوا , والحقيقة ان النوم ليس أختياريا , هو من خلق الله عز وجل , أما أن تطلب النوم فلا تجده وأما أن يأتيك ضيفا فيريحك , النوم يأتي وأما أذا طلبته لا يأتي , لذلك في الصيدليات أدوية ومسكنات تعين على النوم , هذا كله من ضعف الأنسان أمام هذه الحالة , قد ينام وهو يقود سيارة فيدمر , وقد يريد أن ينام فلا ينام , الشيء الذي نتصوره جميعا , أن الأنسان نفس وجسم , فما دامت النفس في الجسم فهي تفعل ما تريد , أنت مخير , تقوم تجلس تأكل تشرب تخرج من البيت تعود الى البيت , تقوم بهذا العمل لا تقوم بهذا العمل ,أنت مخير , لكن الله سبحانه وتعالى جعل النوم نوعا من الموت المؤقت ( وهو الذي يتوفاكم في الليل ) ونفسك في جسمك وروحك في جسمك , وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئا , فالنوم موت مؤقت والموت نوم مستمر !
فالنوم عملية قسرية , يخلقها الله عز وجل , وقد يطمئن الأنسان بالنوم وقد يدمر بالنوم خلال قيادة السيارة مثلا , فالأنسان الذي لم يبلغ حد الظلم ينام قرير العين وهذه مكافأة له من الله عز وجل وأما الظالم ومن أكل الحقوق وقتل النفس وتجاوز حدود الله وأضل العباد وأشاع الفاحشة , فقلة النوم عقاب له وتأديبا !
هناك قصة بأختصارأن سائقا دهس ولدا صغيرا في شارع جانبي في الليل ولم يتوقف بل فر هاربا وسجلت القضية ضد مجهول , يقول ذلك السائق : لم أستطع النوم مدة ثلاثين يوما , لم يغمض لي جفن , ثم ذهب الى طبيب نفسي وأخبره بحاله , فأشار اليه الطبيب وكان حكيما : أن يقوم بدفع الدية الى أهل الولد ويزيد فيها , كي ترتاح نفسه , ففعل السائق ما أشار اليه الطبيب فأرتاحت نفسه وهدأت
----------------------
قضية بحاجة الى تدقيق وتفكر ..
نحن في النهار نتنفس , والتنفس عند الأطباء تنفس غير أرادي , وقد يكون أرادي , أنت في يقظتك تتنفس شهيق زفير , هذا تنفس أرادي , لكن أن أخلدت الى النوم , لو أن التنفس أرادي ! ماذا تفعل ؟ النوم يعني الموت , لذلك الله عز وجل , طبيب كان لا ينام أبدا , فأخترع دواء في بلاد الغرب غالي جدا , فوق طاقة الغني , هذا الدواء يمكن أن تنام ولكن يجب أن تأخذ حبة كل ساعة في الليل , تضبط المنبه على الساعة الثانية عشر , تستيقظ تأخذ حبة , ثم تضبط المنبه على الساعة الواحدة والساعة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة , هذا الطبيب أشترى هذا الدواء , وجاء ابنه من امريكا فرح به وقد أحضر معه أربعة منبهات وقد ضبطها على الوقت المطلوب , الأربع منبهات رنت أجراسها فلم يستيقظ , فأستيقظ أهله فوجوده ميتا !!
لو أن الله تعالى أسلم التنفس الينا , النوم يعني الموت ! لو أسلم نبض القلب , الينا , النوم يعني الموت , لو أسلم عمل الكليتين الينا , النوم يعني الموت , لو أسلم عملية الهضم الينا , النوم يعني الموت , تأكل وتنام والمعدة والأمعاء والبنكرياس وحركة الأمعاء والعصارات ! هذا كله يعمل بأنتظام وأنت نائم , والقلب ينبض والرئتان تتحركان , فضلا عن ذلك وأنت نائم وغارق في النوم , ما الذي يحصل ؟ يجتمع اللعاب في فمك , تصدر أشاره من الفم الى الدماغ , الدماغ يأمر - لسان المزمار - أن يغلق فتحة التنفس ويفتح فتحة النفخ فتبلع ريقك , تبلع اللعاب الذي في فمك , وهذا يتضح عند طبيب الأسنان لو أراد أن يعمل عملا طويلا وفمك مفتوح لا بد وأن يستعمل أنبوبا يسحب اللعاب من فمك !!
وهذا من دقة صنع الله , وأنت نائم كل أجهزتك تعمل وأنت لا تدري بشيء , لكن هناك جهاز يكون في حالة سبات فينام معك وهو المثانة من أجل أن ترتاح , المثانة تعمل في النهار أضعاف عملها في الليل , لئلا اقوم الى الحمام كل ساعة , فالمثانة تنام معك كي تنام نوما عميقا وطويلا !!
أرأيتم الى هذه الآيات الدالة علة عظمة الله عز وجل , والأنسان مهما كان متعبا فينام ساعات طويلة فيصبح نشيطا , فلذلك من نعمة الله على الأنسان أنه ينام ( ومن آياته منامكم في الليل والنهار وأبتغائكم من فضله أن في ذلك لآيات لقوم يسمعون )
----------------------------
يقول الأطباء أن ساعة في أول الليل تعدلها ثلاث ساعات في آخر الليل , لذلك بورك لأمتي في بكورها , أمة محمد صلى الله عليه وسلم , تنام باكرا وتستيقظ باكرا , لكن الشيء المؤسف ان عالم الغرب في الساعة الرابعة الطرقات ممتلئة بالحركة , لكننا في بلاد الشرق لا ينجز عمل قبل العاشرة صباحا , المحلات مفتحة الى أنصاف الليل , والسهر وهذا السهر الطويل يتناقض مع التصميم اللألهي , كان السلف الصالح بعد صلاة العشاء يخلدون الى النوم ويستيقظون باكرا لصلاة الفجر , ممكن تقرأ القرأن ممكن تقوم الليل فتذكر الله عز وجل وتتفكر في خلق السموات والأرض , لذلك أراد العالم الغربي أن يعمم ثقافته في الحياة اليومية على الشعوب كلها !
فجعل الليل يقظانا وجعل النهار للنوم , ولكن من يعمل في الحراسة مثلا لا ينام وكذلك الجنود على حدود الوطن والجنود المكلفون بأمن المواطنين وكذلك من كان صفة عمله السهر على راحة المرضى كالأطباء والتمريض فينامون في النهار وهذه نعمة من الله تعالى أيضا , والأنسان مبرمج على عمل في النهار وآخر في الليل مختلف , فما الجهاز الذي يتحكم ويدير كل تلك الأجهزة في داخلك وأنت نائم وأنت مستيقظ من غير أن تشعر بكل تلك الحركة الدائبة , ما هو الجهاز الذي يأمر الجسم أن يطبق برنامج النهار ويأمره فيطبق برنامج الليل ؟ هي الساعة البيولوجية , وهي موجودة بقعر العين , فأذا كان هناك ضوء بقعر العين يطبق برنامج النهار , وأذا تلاشى الضوء يطبق برنامح الليل , الأنسان الذي يسافر من الشرق الأوسط الى أمريكا , توجد ظاهرة عجيبة , أول يومين او ثلاثة لا ينام بالليل وينام بالنهار فهذه الساعة مبرمجة على دمشق مثلا هذا الوقت وقت ليل في دمشق , تمر ثلاثة أيام فتبرمج الساعة برمجة جديدة فتنام في ليل أمريكا وتستيقظ في نهارها وأذا ما عدت الى دمشق فأنت بحاجة الى أعادة برمجة من جديد , أذن قضية النوم من القضايا الدقيقة التي أنعم الله تعالى بها على الأنسان , ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) لذلك الأنسان بالليل لا يحاسب !! لأنه فقد الأرادة , النوم موت موقت , والموت نوم دائم , الله جل وعلا أعطاك حرية الحركة في النهار وأعطاك حرية الأختيار , أعطاك قوة , لكنك في الليل لا تملك شيئا , فكل ما يجري في الليل وأنت نائم لا تحاسب عليه , لأنه خارج عن أرادتك , لكن أحيانا الأنسان يرى رؤى متعلقة بحالته في النهار , فمن كان عقله الباطن الذي تجلى فيما رأى من رؤى , فأذا رأى في الليل أنه في طاعة وفي عمل صالح فهذه بشارة أن عقله الباطن منسجم مع عقله الواعي , وأذا رأى نفسه في معصية كبيرة أوفي عمل لا يرضي الله , فهذا تحذير من الله أن عقله الباطن لم يرقى الى مستوى عقله الظاهر !!