يبدو
أن المبالغة في عمليات التجميل أصبحت السمة الأبرز لدى كثير من نجمات
الدراما التلفزيونية الخليجية، إذ مع بداية كل موسم درامي، أمسى المشاهد لا
يترقب الجديد من 'الكركترات' التي ستتقمصها هذه الممثلة أو تلك وإنما بدا
منتظراً مفاجآت درامية تتركز حول الجديد من الشفاة المتدلية السليكونية
والخدود المرتفعة وصولاً إلى الحقن البوتكسية في الرقبة أو الجباه.. الخ،
من الأشكال الجديدة التي ستظهر عليها هذه النجمة أو تلك.
والسؤال
الذي يُطرح، لماذا تلجأ ممثلات في الدراما الخليجية للمبالغة في عماليات
التجميل؟ هل من أجل خدمة الشخصية الدرامية وحضورها المؤثر كممثلة؟ بالطبع
لا، لأن الدراما وفنون الأداء تعتمد على العفوية والمرونة وعدم التصنع، وهو
بعكس ما نراه من حيث نفخ الوجوه حد الجمود، واختفاء الملامح التعبيرية من
وجوه الممثلات اللاتي يبالغن في عمليات التجميل.
للأسف لقد تحولت
الدراما التلفزيوينة الخليجية إلى ساحة لاستعراض الممثلات بدل أن تكون حلبة
لمبارزة بين الأقوى فنياً، وذلك تحت رعاية الشركات المنتجة والمحطات التي
لا تهدف إلا إلى تسويق المسلسل، بكل الوسائل والتي من أهمها التعكز على
صورة 'المرأة/السلعة/المغرية'، دون الرجوع إلى مستواها الفني وأحقيتها في
الظهور الدرامي من أساسه؛ ضمن لعبة 'سيئة' تتواطأ فيها أيضاً بعض الممثلات
اللاتي أدركن اللعبة وبدأن في إتمامها بأحسن شكل!؛ علماً بأن بعض الممثلات
اللاتي يبالغن في عمليات التجميل يقمن بهذا الأمر تقليداً لزميلة ممثلة أو
نجمة غربية، حتى وإن انتهى الأمر إلى أن يظهرن بشكل بشع.
هدى حسين
نحن
لسنا بالطبع، ضد عمليات التجميل بالمطلق، خاصة، إذا كان لتصحيح خطأ ما أو
لتحسن صورة المرأة بشكل غير مبالغ فيه، فالجمال هو جوهر المرأة، ولكن أن
يتحول هذا الأمر إلى هذا المستوى من المبالغة، فهو بلا شك يضرب صدقية ما
يقدم من أعمال درامية اجتماعية، فكيف يمكن أن أقدم حكاية درامية اجتماعية
عن الطبقة المتوسطة وفي وجه الممثلة ثلاث إلى أربع عمليات تجميل فضلاً عن
بقية الجسم.
اللافت في الأمر أيضاً أن الممثلة تبدأ المشوار الدرامي
على فطرة الله التي فطرها عليها، بهذا الأنف والخد والشفاه.. حتى تقبض
الممثلة أجر المسلسل الأول والثاني لتبدأ مع الثالث دخول عيادات التجميل
وما أكثرها، في مشوار متعدد المحطات والزمن. والمبالغة في عمليات التجميل
لا تنفصل عن المبالغة الجنونية في استخدام 'الميك أب' ومستحضرات التجميل،
الأمر الذي دفع إحدى فنيات المكياج الدرامي في المسلسلات السورية للقول: إن
السمة الأساسية للمكياج عند الممثلات الخليجيات اللاتي عملت معهن هو
'الأوفر'. ولتأكيد هذه النظرة، يمكن ذكر موقف حدث، عند محاولة طاقم تصوير
ألماني الاستعانة بممثلة خليجية لتجسيد دور سينمائي في برلين، إلا أن هذا
الطاقم استغرب عند رؤيته صور عدد من نجمات الخليجيات المعروفات، متسائلاً
عن الدور الدرامي الذي عادة ما يجسدنه وهن بهذا الشكل؟!. رافضين إشراك أي
ممثلة من هؤلاء الممثلات لأن مبالغتهن في عمليات التجميل تتعارض مع عفوية
حضور الشخصية البطلة في الفيلم.
هدى الخطيب
وأخيراً
يمكننا أن نفهم ظاهرة المبالغة في عمليات التجميل في الوسط الدرامي
الخليجي وحتى العربي، بوصفه أحد أشكال الفهم المختل والسطحي لمسألة الفن
والجمال، وحسبنا أن نتذكر مقولة الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط عندما عرف
الفن قائلاً: 'الفن ليس إظهار الشيء الجميل وإنما الطريقة الجمالية في
إظهار الشيء!'.