بعد يوم عمل طويل وشاق مع الصيام وحرارة الجو، وصلت إلى بيتي مشتاقا إلى
زوجتي العزيزة، وبشوق أقل إلى سفرتنا العامرة، وما أن أدرت مفتاح الباب
معلنا دخولي بصياحي المعتاد "عيني يا عيني" بعدما تكون رائحة الطعام داعبت
أنفي، ولكن اليوم أنفي تعرف على رائحة أخرى.
"شياااااااااااااااااااااااااط"
كان هذا أول ما نطقت به وأنا أخطو خطوتي الأولى داخل البيت ناظرا إلى
زوجتي التي كانت ترقد مثل قطة على الأريكة ناظرة إلى التلفاز نظرة حالمة
ويدها محتضنة الريموت كنترول، قبل أن تقفز القطة مستنفرة كل حواسها وعلى
وجهها نظرة الهلع.
اتجهنا سويا دون كلمة إلى المطبخ لترى هي ثمرة جهدها
طوال اليوم محروقا، وأرى أن بخار أحلامي بإفطار شهي تتبخر أمامي، لم أتحدث
كعادتي حينما أغضب، فقد أقول ما أندم عليه أو يكسر ما لا يمكن إصلاحه.
صليت ركعتين ودخلت إلى غرفتي أحاول النوم كاظما غيظي باحثا في رأسي عن أفضل حل لهذا الموقف.
لم
يغضبني حرق الطعام فهذا قد يحدث لأكبر الطهاة، ما حرق أعصابي سبب إهدار
إفطارنا، التليفزيون ومسلسلات رمضان، أنا أصلا يحترق دمي من قبل حلول الشهر
الكريم بسبب تخمة المسلسلات التي تملأ الشاشات علينا، يا عالم هذا شهر
وقته ضيق أصلا، ومن المفترض أن نكون صائمين خلاله وبعد الفطار وقتنا مقسم
ما بين العبادات والزيارات، لما تزيدوا فيه المسلسلات بهذه الدرجة التي
جعلت زوجتي تحرق إفطارنا .
نمت ووجدت زوجتي توقظني بعد أذان المغرب
بنصف ساعة "حبيبي يلا قوم اكسر صيامك" استغربت وأنا أتوجه إلى المائدة
صامتا وفهمت أنها لجأت إلى أحد مطاعم النجدة قربنا، زاد حنقي أكثر، ها نحن
نعود لقصة الطعام المستورد من جديد، أنهيت تناولي للقيمات يقمن صلبي
وأخبرتها أني سأتوجه عقب التراويح إلى مقهٍ قريب.
حقيقة كنت قد بدأت
أهدأ لكني قررت استغلال الأمر قليلا، من ناحية تشعر زوجتي بفداحة الأمر،
ومن ناحية سأقابل أصدقائي الذين تعودت على جلستنا المسائية الرمضانية عقب
كل صلاة تراويح، فقط اختصرت جلستنا ولم أمدها إلى السحور كما كان الحال قبل
الزواج.
الفائدة الأخرى أني شاهدت برامجي المفضلة، السياسية والرياضية
حوارات النجوم والمقالب، تلك الأشياء التي لا تأتي حقا إلا في رمضان، وليست
بكثافة المسلسلات، ولكن زوجتي المصون تحرمني منها، حسنا إن جلسة المقهى
كلها منافع... هكذا كان الحال اليوم الأول والثاني، ولكني افتقدها، افتقدات
مناكفتها وسرقة الريموت كنترول من يدها كلما غفلت عنه، افتقد مشاركتها
مسلسلاتها السخيفة وافتقد زمجرتها من مشاهدة برامجي المحببة.
حينما عدت
وجدت زوجتي تؤكد اعتذارها على حرق الفطور، وتقترح ويا لدهشتي أن أبقى في
المنزل وأشاهد ما أريده، متنازلة عن سيطرتها على التلفاز مقابل مشاركتي،
صادف طلبها هوى في نفسي وقبلت على الفور، وإن كان على لقاء الأصدقاء فهذه
قصة أخرى سأطلعكم عليها فيما بعد