سرحان: مليون أردني مصابون باضطرابات نفسية أكّد مستشار الطب النفسي د.وليد سرحان، أنه يوجد في المملكة نحو مليون
شخص يعانون من اضطرابات نفسية، لا يعالج منهم إلا 2% فقط، فيما يلجأ عدد
كبير منهم إلى وسائل أخرى.
وأكد سرحان أن ذلك يعكس ضعف مفهوم الصحة والمرض في المجتمع، مشددا على
أن كثيراً من الناس "غير سعداء"، بدون أن يعني ذلك أنهم مرضى نفسيون.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها د.سرحان بعنوان "كن نفسك ولا تكن
غيرك"، في منتدى الفحيص الثقافي، مساء الاثنين الماضي، وعدّد فيها أمثلة
حول المرض النفسي.
وقال إن من بين الأمثلة شخص يعمل في مؤسسة، وهو يشعر بأن كفاءاته أعلى وغير مستغلة بالكامل، هو غير سعيد، لكنه ليس مريضاً نفسياً.
وأضاف د.سرحان إن الصحة النفسية تتعلق بالانسجام الداخلي للإنسان مع
نفسه وبيئته، وقدرته على التكيّف معها في مختلف المراحل والأماكن، كالمدرسة
والبيت ومكان العمل والشارع.
وقال "عرف المجتمع الأردني خلال العقدين الماضيين انتفاضة في استعمال
منتجات التكنولوجيا، كالفضائيات والخلويات والانترنت، لكن هذه الانتفاضة لم
يرافقها تطور اجتماعي وثقافي، بل خواء فكري، وبات المرء يتساءل: هل نحن
أصحاء أم مرضى؟ لماذا نخترع العادات ونصبح عبيداً لها؟".
وقال إن الصحة من المنظور الاجتماعي هي "سلوك يؤدي إلى تحسّن رضانا عن
أنفسنا وفي علاقاتنا مع الآخرين"، منوّها إلى أن الشخص الذي يكثر من شرب
القهوة وتدخين السجائر لا يعتبر نفسه مريضاً نفسياً، لكن واقع الأمر يشير
إلى أنه "في حالة أسوأ من ذلك بكثير".
وأشار المحاضر إلى تغيّر عادات الترفيه، حيث كان الناس يتحدثون مع
بعضهم عندما يتزاورون، في حين تضاءل ذلك كثيراً اليوم، لأن الأنظار تظلّ
مشدودة إلى شاشة التلفاز معظم الوقت.
واستعرض د.سرحان بعض مظاهر الإنفاق التفاخري والاستهلاكي في المجتمع،
ووصفها بأنها "عبث وضياع وعدم انسجام مع النفس، وتناقض بين الواقع
والإمكانيات الفعلية".
وفي ردّه على الأسئلة، قال د.سرحان إن إدخال الطب النفسي ضمن التأمين
الصحي أدّى في بلدان أخرى إلى انخفاض فاتورة العلاج الطبي، داعيا النقابات
إلى مطالبة المؤسسات التي يعمل فيها منتسبوها بإدخال تأمين الطب النفسي في
تغطياتها.
وأوضح أن بعض مؤسسات القطاع الخاص تلجأ إلى تعقيدات إدارية تدفع
بالمريض إلى عدم اللجوء إلى عيادات الطب النفسي، تجنباً للحرج بين زملائه.
وأكّد المحاضر أنه وجد، من خلال تجاربه، أن الناس البسطاء في الريف
والبادية يأتون إلى تلك العيادات ويتعالجون بدون مشاكل أو حساسية، وأن
قطاعاً كبيراً من الشعب قد تخطّى حاجز الخوف من اللجوء إلى الطبيب النفسي.
ورداً على سؤال آخر، قال د.سرحان إنه سبق وأن وضعت "استراتيجية وطنية
للصحة النفسية" في الأردن للعامين 1985 و2010، شارك فيها خبراء أكفياء، غير
أن هذه الوثائق ما تزال حبيسة الأدراج، على الرغم من أنها تتضمن تشخيصاً
لواقع الأمراض النفسية في المملكة وطرق حلها، وكذلك رؤية واضحة لكيفية
النهوض بالصحة النفسية للمواطنين. ودعا إلى وضع إرشادات عامة في المناهج
الدراسية حول الصحة النفسية، وإلى بذل المزيد من الجهود لنشر الثقافة
الصحية والنفسية، بخاصة في ضوء تزايد العنف المجتمعي الذي يجد جذوره في
عوامل نفسية ايضاً.