في
حديقة جميلة وفي مكان بعيد عن أنظار الناس كان يوجد ألعاب للأطفال. من ضمن
هذه الألعاب أرجوحة و"زحليطة" وبعض المقاعد التي يجلس عادة عليها الأهل
عندما يكونون بصحبة أطفالهم.
في هذا اليوم كانت الحديقة فارغة فالوقت في أول بعد الظهر والناس في
أشغالهم والأطفال لا يخرجون بعد للعب. هذا الوقت كان أكثر من مناسب لكي
تجرب صبية في أول العشرين من العمر ألعاباً لم تخبرها في حياتها من قبل.
هذه الصبية كانت مع زوجها الذي كان يشجعها على الصعود إلى "الزحليطة" ويقول
لها لا تخافي لا أحد يراك.
الصبية ومع كل الشروط الملائمة لتكون فرصتها الأولى بسد ثغرات طفولتها.
لم تجرؤ على الصعود. زوجها ضاق ذرعاً بها حتى أنه كان يمكن أن يحملها لو
استطاع ليجبرها على تحقيق حلم طفولتها. لكن الخوف من أشباح الناس وكلام
الناس كان وحشاً كاسراً يصعب عليها قتله. الفتاة الصغيرة التي بداخلها
محبوسة في قفص وقبلة الأمير لا تكفي لكي تحررها من عبودية الناس وكلام
الناس.
كيف يمكن لهذه الطفلة الصغيرة التي رضعت الحياء حتى الثمل أن تستيقظ من
سكرتها وتفسح المجال لمشاعرها بالخروج. لا بد وأنها كانت تحيا في منطقة
فقيرة في طفولتها لكي تكون "الزحليطة" حلماً لها إلى هذا الحد. لكن الأهم
أن ما زرعه أهلها فيها عن الحياء والخوف من كلام الناس كان أقوى من شعور
السعادة الذي ينازع ليخرج من أعماقها. حتى وجود الحارس الأمين "زوجها" معها
ليس كافياً لتقتل هذا الغبي "الحياء".
الفتاة المحترمة لا تضحك بصوت عالي ولا تبتسم في الشارع حتى لو سمعت
طرفة. الفتاة لا تصرخ ولا تشتم. الفتاة لا تتحدث إذا لم يوجه الحديث لها
بسؤال. الفتاة يجب أن تكون نموذجاً للحياء. لأن في حيائها حياتها.
بين الحياء والكبت شعرة. إن كان الجميع يدركون متى يبدأ الحياء فإن
القلة منهم يمكن أن يعرفوّا نهاية له. والحياء هو من عطايا المجتمع المحافظ
للمرأة تمتاز به عن الرجل. حتى أنه يصبح عائقاً في وجهها لادراك أبسط
المشاعر.
لا شيء يساوي ضحكة عالية في وقتها ولعبة مرحة في مكانها. أن تبقي سجينة
الحياء فالثمن هو أن تحملي خطيئة المجتمع وتقبلي عقوبته. وأن تفلتي من قبضة
الحياء لا يترتب عليه أي ثمن إن لم يكن الدخول إلى عالم آخر اختارته لك
الطبيعة وسرقه منك المجتمع.