محمد عيسى الوسام الفضي
رقم العضوية : 6659 تاريخ التسجيل : 11/04/2011 عدد الرسائل : 230 العمر : 50 الموقع : https://www.facebook.com/home.php?#!/profile.php?id=100002270177696 العمل/الترفيه : مدير *** :
نقاط : 331
| موضوع: رحلة عذاب ممتعة الجمعة أبريل 20, 2012 9:49 am | |
| بقيّ بن مخلّد الأندلسي يحدث بقي بقصته فيقول : رحلتُ ماشياً على قدمي من بلدي الأندلس ( تدعى اليوم أسبانيا ) فذهبتُ إلى مكة ثم إلى بغداد - الطائرة تحتاج إلى ست ساعات حتى تقطع هذه المسافة ، فكم من الشهور مشى بقي بن مخلد حتى يقطع كل هذه المسافة ؟! كان همي و بغيتي ملاقاة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، فلما دخلتُ بغداد بلغتني محنة الإمام أحمد ، وما حلّ به ، وأنه ممنوع من ملاقاة الناس ، فاغتممت غماً شديداً . لقد سُجن الإمام أحمد سنتين وأربعة أشهر في مسألة خلق القرآن ، ورفض موافقة الخليفة المأمون ومن بعده الخليفة المعتصم والخليفة الواثق ،على القول بأن القرآن مخلوق ، فسجنوه وعذبوه. وفي هذا يقول الإمام أحمد بن حنبل :" لما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم ، وقال : ائتوني بغيرها ، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فجعل يتقدم إليَّ الرجل فيضربني سوطين ، فيقول له : شد قطع الله يدك ، ثم يتنحى ، ويقوم آخر ، فيضربني سوطين ، وهو يقول في كل ذلك :"شد ، قطع الله يدك " ، فلما ضُرِبتُ تسعة عشر سوطاً قام إليَّ، وقال : يا أحمد علامَ تقتل نفسكَ؟ إني والله عليك لشفيق ، أتريد أن تغلب هؤلاء؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك الخليفة على رأسك قائم. وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين ، دمه في عنقي ، اقتله . فقال المعتصم : ويحك يا أحمد ، ما تقول . فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول به . فرجع المعتصم وجلس ، وقال للجلاد : تقدم وأوجع ، قطع الله يدك . ثم قام المعتصم الثانية ، فجعل يقول : ويحك يا أحمد أجبني . فجعل الناس يُقبِلون عليَّ ويقولون : يا أحمد ، إمامك على رأسك قائم. وجعل المعتصم يقول : ويحك أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك يدي. فقلت : يا أمير المؤمنين ، أعطوني شيئاً من كتاب الله . فيرجع ، ويقول للجلادين : " تقدموا " ، فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتنحى. قال أحمد : فذهب عقلي . قال أحمد بن داود أبو سعيد الواسطي : دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب ، فقلت له في بعض كلامي : يا أبا عبدالله ، عليك عيال ولك صبيان ، وأنت معذور - كأني أسهل عليه الإجابة - فقال لي أحمد : إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد ، فقد استرحتَ. وبعد الضرب الشديد والسجن، خاف المعتصم أن يموت الإمام أحمد ، فيثور الناس عليه ، فرفع عنه الضرب وسلمه إلى أهله ، فبقي مختفياً طوال مدة خلافة المعتصم والواثق . اشتد الواثق في مسألة خلق القرآن كثيراً ، وساعده على ذلك وزيره أحمد بن أبي دؤاد ، الذي استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن ، استمر الواثق على ذلك حتى ملّ المحنة وسئمتها نفسه فرجع عنها في آخر عمره . هذا أبو عبدالرحمن بن محمد الآذرمي شيخ أبي داود والنسائي يُحمل مكبلاً بالحديد من بلاده إلى الواثق ، فسأله ابن أبي دؤاد في مجلس الواثق عن قوله في القرآن . فقال له الشيخ : هذا الذي تقوله يا بن أبي دؤاد من خلق القرآن شيء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأبوبكر وعمر وعثمان وعلي أم جهلوه ؟ قال ابن أبي دؤاد : بل علموه . قال الشيخ : فهل دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت أم سكتوا ؟ فقال : بل سكتوا . قال الشيخ : فهلا وسعك ما وسعهم من السكوت ؟ فبهتوا وضحك الواثق ، وقام قابضاً على فمه وهو يقول : هلا وسعك ما وسعهم ويكررها ، ثم أمر أن يُعطى الرجل ثلاثمائة دينار ويُرد إلى بلده ، ولم يمتحن أحد بعدها ، وسخط الواثق على ابن أبي دؤاد من يومئذ . ويتابع بقي حديثه فيقول : أجَّرتُ بيتاً أنام فيه تلك الليلة ، وفي فجر اليوم التالي دخلتُ المسجد فإذا برجل يتكلم في الرجال - أي أنه يتكلم عن علم الرجال، وهو العلم الذي يهتم بحال رواة الحديث ، ويحدد أمانتهم وصدقهم وقوة حفظهم ، فيقول عن هذا ثقة ، وعن آخر ضعيف ، وآخر كذاب ، وهذا صدوق ، وهذا ينسى .. وهكذا . فقيل لي عن الرجل الذي يتحدث في المسجد ويتكلم عن حال الرجال : أنه يحيى بن معين ، صاحب الإمام أحمد ورفيقه في طلب العلم ، فأحببتُ أن أسأله عن بعض الرجال فحاولت أن أقترب منه ففرجت لي فرجة ، فدنوتُ منه وقمت إليه ، فقلت له : يا أبا زكريا، رحمك الله رجلٌ غريبٌ بعيدٌ عن وطنه ، يحب السؤال ولدي أسئلة كثيرة فاصبر عليَّ . فقال : قل . فسألت عن بعض من لقيته من الرجال، فبعضاً زكى وأثنى عليهم وبعضاً جرح وبيَّن سوء حالهم في الحديث ، فسألته عن هشام بن عمار ، فقال لي : أبو الوليد صاحب الصلاة دمشق ، ثقة ، وفوق الثقة ، لو كان تحت ردائه كبرٌ أو متقلداً كبر ما ضره شيءٌ لخيره وفضله . فصاح أصحاب الحلقة تلاميذ يحيى بن معين : يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال ، فقلت : لم يبق لي إلا سؤال عن رجل واحد ، أحمد بن حنبل ، فنظر إليَّ يحيى كالمتعجب ، فقال لي : ومثلنا نحن نكشف عن أحمد ؟ ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم . فخرجت من المسجد من فوري أستدل على منزل أحمد بن حنبل ، فدُللت عليه ، فقرعت بابه ، فخرج إليَّ. فقلت : يا أبا عبدالله ، رجل غريب بعيد عن بلده ، هذا أول دخولي هذا البلد ، وأنا طالب حديث ومقيّد سُنّة ، ولم تكن رحلتي إلا إليك لأتعلم منك . فقال لي : وأين موضعك؟ قلت : المغرب الأقصى . فقال : إفريقية ؟ قلت : أبعد من إفريقيه ، أجور من بلدي البحر إلى أفريقيه ، بلدي الأندلس. قال : إن موضعك لبعيد ، وما كان شي أحب إليَّ من أن أحسن عون مثلك وأبذل لك كل ما أستطيع ، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك ، وأنا الآن لا يُسمح لي بملاقاة الناس والتحدث إليهم ، إني مسجون في بيتي . فقلت : لقد بلغني ما أنت فيه ، وهذا أول دخولي بلدكم ، وآنا مجهول العين عندكم ، لا يعرفني أحد ، فإن أذنت لي أن آتي كل يوم في ثياب الفقراء ، فأقول عند بابك ما يقوله الفقراء والشحاذون ، فتخرج إليَّ عند بابك ، فلو لم تحدثني كل يوم إلا حديث واحد لكان لي فيه كفاية . فقال لي : نعم على شرط ألاَّ تظهر في الناس ولا يتعرف عليك أحد ولا تذهب إلى مجالس المُحدثين . فقلت : لك شرطك ، فكنت آخذ عصاً بيدي ، وألف رأسي بخرقة متسخة وأجعل أوراقي في كمي ، وآتي بابه ، أصيح : الأجر – رحمك الله – وهذا ما ينادي به الشحاذون في بغداد ، فيخرج أحمد إليَّ ويُدخلني بيته ويغلق بابه دوني ، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر ، فالتزمت ذلك حتى مات الخليفة الممتحِن له الخليفة الواثق . وَوُليَّ بعده من كان على مذهب السنة الخليفة المتوكل ، فقد أظهر ميلاً عظيماً إلى السنة ، فرفع المحنه وكتب بذلك إلى الآفاق واستقدم المحدثين إلى " سامراء " وأجزل عطاياهم وأكرمهم ، وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه وتعظيمه ، حتى قيل الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصديق في قتال أهل الردة ، وعمر بن عبد العزيز في رد الظالم ، والمتوكل في إحياء السنة . فقد نصر أحمد ونكّل بأعدائه ، فظهر أحمد وعلت إمامته ، وكانت تُضرب إليه آباط الإبل ، حتى بلغ منزلة لم يبلغها ملك ولا قائد ولا أمير. لم ينس الإمام أحمد معاناتي معه في طلب العلم فكان يعرف لي حق صبري ، فكنت إذا أتيت حلقته العظيمة ، وهو بين تلاميذه ، فسّح لي وأوسع لي في مجلسه ، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه ، فكان يقرأ عليَّ الحديث وأقرأه عليه . ومرت الأيام وآنا على تلك المكانه عند أحمد ، حتى أصابني مرض فأرقدني في سريري ، ففقدني من مجلسه فسأل عني ، فأُعلم بعلتي ، فقام من فوره مقبلاً عليَّ عائداَ لي بمن معه ، وأنا مضطجع في البيت الذي كنت قدّ أجّرت ، وكسائي عليَّ وكتبي عند رأسي ، فسمعت الدار قد ارتج بأهله ، وآنا أسمعهم يقولون : هو ذاك أبصروه ، وهذا إمام المسلمين مقبلاً . فأسرع إليّ صاحب الدار قائلاً : يا بقي هذا أحمد بن حنبل إمام المسلمين مقبلاً عليك ، عائداً لك ، فدخل فجلس عند رأسي ، وقد امتلأ الفندق من أصحابه فلم يسعهم ، حتى صارت فرقة منهم في الدار وقوفاً وأقلامهم بأيديهم ، فما زادني على هذه الكلمات . فقال لي : يا أبا عبدالرحمن أبشر بثواب الله ، أيام الصحة لا سقم فيها ، وأيام السقم لا صحة فيها ، أعلاك الله إلى العافيه ، ومسح عنك بيمينه الشافيه ، فرأيت الأقلام تكتب لفظه ، ثم خرج عني ، فأتاني أهل الدار يلطفون بي ويخدمونني ، فواحد يأتي بفراش ، وآخر بلحاف ، وبأطايب الأغذيه ، وكانوا في تمريضي أكثر من تمريض أهلي لو كنتُ بين أظهرهم . قام بقي بن مخلد القرطبي الأندلسي برحلتين إلى مصر والشام والحجاز وبغداد طلباً للعلم ، أمتدت الرحلة الأولى أربعة عشر عاماً ، والثانية عشرين عاماً . ولقد كان ارتحاله كله من الأندلس وعلى قدميه نعم والله على قدميه !!. | |
|
ابو زيد مشرف
رقم العضوية : 427 تاريخ التسجيل : 11/01/2009 عدد الرسائل : 6447 العمر : 52 الموقع : السويد العمل/الترفيه : حب الله المزاج : حسب حال امتنا *** :
نقاط : 9210
| موضوع: رد: رحلة عذاب ممتعة الجمعة أبريل 20, 2012 10:50 pm | |
| جزاك الله عنا كل خير يا اخ محمد
طرحك في غاية اروعة والجمال
نسأل الله العلي القدير ان ينفعنا بما علمنا
| |
|
نشميه عضو
رقم العضوية : 651 تاريخ التسجيل : 27/03/2009 عدد الرسائل : 10944 العمل/الترفيه : ماشي بأرض الله واساله الرضى المزاج : بحمدالله رائع *** :
نقاط : 17997
| موضوع: رد: رحلة عذاب ممتعة السبت أبريل 21, 2012 4:57 am | |
| محمد عيسى كل الشكر لك | |
|
محمد عيسى الوسام الفضي
رقم العضوية : 6659 تاريخ التسجيل : 11/04/2011 عدد الرسائل : 230 العمر : 50 الموقع : https://www.facebook.com/home.php?#!/profile.php?id=100002270177696 العمل/الترفيه : مدير *** :
نقاط : 331
| موضوع: رد: رحلة عذاب ممتعة السبت أبريل 21, 2012 6:50 am | |
| اشكر مروركم ابو زيد ونشمية | |
|