فوجئ المتابعون للوضع السوري حول العالم بمشهد مصور لا يتعدى الدقيقة، تظهر فيه فتاة جريئة شابة في مطلع العشرينات من العمر ترتدي رداء أحمر، بينما تقف في وسط نهر الطريق المزدحم بالسيارات المواجه لمبنى البرلمان السوري رافعة لافتة تحمل عبارة بسيطة، لكنها معبرة: "أوقفوا القتل، نريد أن نبني وطنا لكل السوريين"، فيما وقف عدد من المارة يصفقون بحرارة قائلين: "برافو".
|
الفتاة الجريئة بالرداء الاحمر!
|
سر المفاجأة، بحسب عدد من المتابعين، لم يكن من جراءة الفتاة الصغيرة، فالشعب السوري أثبت جرأته بكل أطيافه منذ زمن بعيد.. ولكن أغلب المندهشين كان دافعهم هو الموقع الذي تقف فيه الفتاة، في عقر دار النظام السوري. ولم تكن النهاية، التي لم تظهرها اللقطات المصورة، سعيدة.. إذ أكد الناشطون السوريون أن الفتاة الشابة تم القبض عليها ضمن مجموعة من الشباب من قبل الأمن السوري، الذي اقتادهم إلى مكان مجهول، بعد استخدام العنف معهم وتوجيه أبشع أنواع السباب إليهم، بحسب شهود عيان.
الشابة ذات الرداء الأحمر، كما يؤكد بعض معارفها، هي ريما علي الدالي التي تتحدر من اللاذقية ودرست الحقوق في جامعة حلب. وكانت ريما ضمن مجموعة من المعتصمين السلميين أمام مبنى البرلمان السوري، اعتراضا على العنف الدائر في أرجاء بلادهم منذ ما يزيد عن عام، والذي راح ضحيته أكثر من 10 آلاف قتيل، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والفارين من الجحيم الدائر في بلدانهم.
ريما قررت ارتداء فستانها الأحمر في وقفتها الباسلة دلالة على دماء المواطنين الأبرياء المهدورة في سوريا، دون أن تتحيز إلى أي طرف بالمعادلة.. وجهت رسالتها السلمية المحايدة تماما إلى نواب الشعب دون إلقاء اللوم على أي طرف. اعتقال وامتهان ذات الرداء الأحمر أثار ردود فعل غاضبة وناقمة على النظام السوري.. وعلى عدد من المواقع الاجتماعية، انطلقت من الداخل السوري والخارج نداءات بإطلاق سراحها، ودعوات بين السوريين للتظاهر والاعتصام مجددا أمام مبنى البرلمان.
|
المارة اخذوا يصفقون بحرارة
|
وأطلق أحد الناشطين على موقعه نداء تحت عنوان "أطلقوا سراح الحرة ريما دالي.. الفتاة السورية ذات الرداء الأحمر"، وجاء فيه: "نناشد الشعب السوري البطل والشرفاء في المعارضة الداخلية والخارجية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية هذه الفتاة السورية الحرة المناضلة من غطرسة النظام، ونطالب على الفور بإطلاق سراحها دون قيد أو شرط، كما نحمل سلطات النظام أي أذى تتعرض له.. ونناشد منظمة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية التدخل الفوري للعمل على إطلاق سراحها وسراح كل المعتقلين السوريين".
مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أكد من جهته خبر اعتقال ريما، مضيفا لصحافيين: "لم تردنا حتى الآن معلومات حول ما إذا أفرج عنها أم لا".. فيما أكد ناشطون أنهم سيصعدون الأمر، وأن المعركة مستمرة مع النظام السوري الذي ما زال ينتهك حقوق الجميع حتى المتظاهرين السلميين، الذين لم يطالبوا بشيء أكثر من "وقف القتل".
من جهة أخرى، عبّر أحد الناشطين لـ"الشرق الأوسط" عن مخاوف من تعرض ريما لعمليات تعذيب في مقر احتجازها، مشيرا إلى أن النظام اعتاد استخدام تلك الأساليب مع المعتقلين لإجبارهم على الاعتراف على زملائهم، أو الاعتراف بانتمائهم إلى خلايا إرهابية. وأضاف الناشط، طالبا عدم ذكر اسمه، أن "المخاوف تزداد على ريما كونها فتاة صغيرة، وبخاصة بعد تأكيدات المواطنين بالداخل السوري حول استخدام النظام لسلاح الاغتصاب بحق الناشطات والمعتقلات لإجبارهن على الرضوخ والإقرار بجرائم لم يرتكبوها".