[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قديمًا كانوا يقولون: شخصيتك من أصدقائك. ثم أصبحت: شخصيتك من ابتسامتك وكلامك. أما الآن: فشخصيتك من مأكلك ومشربك وما تشتريه من منتجات حيث إنه يمكن التعرف على آرائك وأفكارك وما تشعر به من "كيس مشترياتك".
فثقافة المأكل والمشرب تعبر عن آرائك ومشاعرك، وإذا كنت تقاطع منتجات وسلع دولة ما فهذا يعني رفضك لسياسة وأفكار هذه الدولة.
وفي هذه الفترة الحرجة التي نعيشها حاليًا ويترقب فيها الجميع الحرب التي تخطط لها الولايات المتحدة وحليفتاها بريطانيا وأسبانيا على العراق أصبحت المقاطعة ثقافة ولغة حضارية مهمة تمثل سلاحًا فعالاً في مواجهة الآخر والضغط عليه والتعبير عن الرفض لسياسته وآرائه.
وبرغم التصريحات الكثيرة التي خرجت بها العديد من الشركات الأمريكية في أعقاب مقاطعة معظم العرب والمسلمين لمنتجاتها نظرًا لسياستها المنحازة لإسرائيل والتي تقول إن المقاطعة سلاح غير فعال وغير مؤثر في اقتصادها، فإنها تدرك جيدًا في داخلها أن المقاطعة أثرت فيها ولو بالقدر القليل.
أمريكا تقاطع فرنسا
والدليل على فاعلية سلاح المقاطعة ما يقوم به الآن بعض الأمريكيين أنفسهم من مقاطعة للبضائع الفرنسية نظرًا للخلاف بين فرنسا والولايات المتحدة حيث ترفض الأولى الاشتراك مع الولايات المتحدة في حربها المرتقبة على العراق.
وتشن وسائل الإعلام الأمريكية حاليًا حملة معادية لفرنسا يقودها "روبرت موردخ" رئيس شبكة "فوكس" التلفزيونية الأمريكية والذي يدعو فيها لمقاطعة كل البضائع والمنتجات الفرنسية.
ومن أبرز الأمثلة على حملة شبكة "فوكس" على المنتجات الفرنسية تصويرها لأحد أصحاب المطاعم الأمريكية بولاية "كارولينا الشمالية"، وهو يقوم بإلقاء زجاجات النبيذ الفرنسي في البالوعات، هذا بالإضافة للطلب الذي تقدم به نواب جمهوريون بالكونجرس الأمريكي لتغيير اسم "البطاطس الفرنسية" أو "الفرنش فرايز" من على قائمة الأطعمة بالمطاعم الأمريكية إلى اسم "بطاطس الحرية" أو "فريدوم فرايز" احتجاجًا على موقف فرنسا المعارض بشدة لشن حرب على العراق، وكذلك تغيير خبز "الفرنش توست" إلى "فريدوم توست".
ومن هنا تراجعت مبيعات البضائع الفرنسية في الولايات المتحدة، وهو ما اضطر سلسلة الفنادق الفرنسية "سوفتيل" بالولايات المتحدة إلى تنكيس العلم الفرنسي من فوق مبانيها قليلاً حتى لا يكون واضحًا كل الوضوح.
الجبن الفرنسي.. رمز البطولة
وعلى الجانب الآخر ينهال بعض الأمريكيين المؤيدين لفرنسا ورفضها للحرب على شراء البضائع والمنتجات الفرنسية؛ حيث إن فرنسا تمثل بالنسبة لهم البطل المتبقي لحماية السلام، مثل الرواج الواضح للجبنة الفرنسية التي يشتريها الأمريكيون المؤيدون للسلام عنادًا في السياسات الأمريكية كما أكد بعضهم في حوار لموقع "إيكسبتيكا" الفرنسي على شبكة الإنترنت.
كما اشترى أحد أعضاء الحركة الأمريكية للسلام مجموعة من علب السجائر الفرنسية ووضعها في يده وهو يتظاهر ضد الحرب المرتقبة على العراق في الشوارع الأمريكية.
وعلى الصعيد الألماني هناك بعض التوترات الحالية في التعاملات التجارية بين المنتجين الألمان والمستهلكين الأمريكيين، وذلك نظرًا لرفض ألمانيا هي الأخرى للاشتراك في الحرب الأمريكية القادمة على العراق.
ألمان وفرنسيون يشربون مكة كولا
وبمعارضة أغلبية الشعبين الفرنسي والألماني للحرب الأمريكية على العراق تشهد الأسواق الألمانية والفرنسية في هذه الآونة مقاطعة شديدة للسلع الأمريكية ورواجًا كبيرًا للمشروبات الإسلامية التي ظهرت بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية والمذابح الإسرائيلية في مخيم "جنين"، مثل "مكة كولا"، و"قبلة كولا" و"مسلم آب" المشروب الذي ظهر أوائل هذا الشهر (مارس 2003) في فرنسا بواسطة مجموعة من الشباب الفرنسي المسلم.
ومن المعروف أن هذه المشروبات التي وجدت لإعطاء بدائل أخلاقية وثقافية لمشروبي كوكا كولا وبيبسي كولا الأمريكيين، كانت تهدف إلى جذب الجاليات العربية والإسلامية بفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا والدول الغربية بصورة عامة.
إلا أنه بتنامي العداء للسياسة الأمريكية في فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص لإصرارها على شن حرب دون مبرر واضح ومقنع على العراق بدأ المؤيدون من الشعبين الألماني والفرنسي في شراء "مكة كولا"، و"قبلة كولا"، و"مسلم آب".
توفيق المثلوثي
أنتج رجل الأعمال الفرنسي التونسي "توفيق المثلوثي" مشروب "مكة كولا" بعدما ألهمه نجاح مشروب "زمزم كولا" في إيران، وحصل على براءة اختراعه في شهر أغسطس 2002 وحقق مبيعات هائلة في فرنسا، وبتسويقه لألمانيا أوائل الشهر الماضي حقق نجاحًا فاق كل التوقعات.
ويقول رجل الأعمال السوري "محمود الحناوي" الذي يعيش في هامبورج ويدير شركة توزيع ألمانية تعد ضمن الشركتين الأساسيتين التي توزعان "مكة كولا": إنه كان يعتقد أن مشروب "مكة كولا" سيكون محل إعجاب بين العرب، إلا أنه لاحظ شعبيتها الهائلة ليس بين العرب والمسلمين بألمانيا فقط بل من الألمان أنفسهم وهو ما أثاردهشته.
اشرب واتخذ موقفًا سياسيًا
وأكدت "داجمار لومان" الموزعة الأساسية لمشروب "مكة كولا" بألمانيا أن المشروب يلقى رواجًا هائلاً بين الشعب الألماني هذه الأيام، حيث إن "كوكا كولا" أصبحت رمزًا للسياسات الأمريكية؛ ولذلك يبحث الألمان عن شيء بديل ومختلف.
وتضيف "لومان" أن الألمان وهم يشربون "مكة كولا" يقومون بإدلاء بيان سياسي ضد السياسة الأمريكية بالعراق، حيث إن 81% من الشعب الألماني يرفض الحرب على العراق.
وتضيف أنه تم بيع 2 مليون زجاجة حتى الآن في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ويتخذ مشروب "مكة كولا" شعار "لا تشرب كالأحمق.. بل اشرب ملتزمًا".
وتواصل "لومان" حديثها لموقع "دوتشيه فيلله" الألماني على شبكة الإنترنت بأنها أشهرت إسلامها منذ خمس سنوات، حيث لاحظت كمّ الروحانية التي يعيشها أصدقاؤها المسلمون فقررت أن تكون جزءًا من هذه الديانة وتنعم بالسعادة في ظلها.
وتؤكد أن مشروب "مكة كولا" غير مخصص لجماعة بعينها، فهو متاح للجميع صغيرًا أو كبيرًا، مسلمًا أو مسيحيًا.. لكل من يتسم بعقلية واسعة ومتفتحة.
وتقول: إنه إذا قامت الحرب في الأيام المقبلة فسيشهد مشروب "مكة كولا" إقبالاً حادًا، حيث إنها تتنبأ بأنها ربما لا تتمكن من تلبية جميع طلبات المحلات التجارية الألمانية للمشروب.
حروب الكولا مستمرة
وتستمر حروب الكولا في الاشتعال هذه الأيام في بريطانيا أيضًا بعدما وصل منتصف الشهر الماضي مشروب إسلامي جديد بعنوان "قبلة كولا" وشعاره "حرر ذوقك"، حيث شهد هو الآخر رواجًا كبيرًا بين الجاليات العربية والإسلامية هناك والذي يبلغ عددهم 2.5 مليون نسمة، يشاركهم في شربه أيضًا البريطانيون الرافضون لاشتراك بريطانيا مع الولايات المتحدة في حربها على العراق.
وقامت مؤسسة المشروع "زهيدة بارفيين" بإنتاج المشروب في مدينة "ديرب" البريطانية بعدما لمست تنامي مشاعر العداء تجاه الماركات الأمريكية بالعالم كله.
"قبلة كولا" تدعم مسيرة سلمية
كما قامت شركة "قبلة كولا" بدعم مسيرة سلمية نظمتها حركة الوحدة الإسلامية ببريطانيا والتي تهدف للضغط على السفارات بالعالم الإسلامي لمنع أمريكا من حربها الاستعمارية القادمة على العراق.
ونظمت المسيرة السبت 15-3-2003 وبدأت من منطقة "الماربل إرش" في العاصمة لندن وذهبت إلى كل من سفارة المملكة العربية السعودية والسفارة التركية والسفارة السورية والسفارة المصرية والسفارة القطرية والسفارة الباكستانية ووصلت حتى ميدان "بيلجرييف".
وشهدت المسيرة خطبًا باللغة الإنجليزية لكل من "ظافر إقبال" مدير شركة "قبلة كولا" وأعضاء آخرين من الجمعيات والمنظمات الإسلامية بالبلاد.
أشكال جديدة من المقاطعة
ولا يتوقف كل من الشعبين الفرنسي والألماني عن إعلان رفضهما للحرب الأمريكية على العراق بشتى الطرق، بدءًا من تنظيم المظاهرات الشعبية ومقاطعة المنتجات الأمريكية وشراء المنتجات البديلة، ووصولاً بالمقاطعة الجنسية التي بادرت بالإعلان عنها "يوهانافيرنز مويندفر" إحدى عضوات الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، وتتمثل في مقاطعة كل زوجة زوجها جنسيًا إذا ما وجدته يساند الحرب الأمريكية على العراق.
المقاطعة الصغيرة تجني الكبيرة
وبالرغم من تصريح رجال الاقتصاد الأمريكي بأنهم لم يتأثروا إلا قليلاً بالمقاطعة، فإنه في ظل هذا العالم الذي نعيشه أصبحت الانتصارات الصغيرة هي العامل الرئيسي وراء تشجيع الناس على التوحد والاستمرار للوصول للانتصار الكبير، وكما قال أحد الكتاب بصحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي: "إن العالم لم يعد به قوة قطب واحد بل قوة قطبين هما الولايات المتحدة الأمريكية والرأي العام العالمي الذي يمتلك محكمة من كبرى وأقوى المحاكم التي ستجعل الولايات المتحدة تراجع سياستها وتعرف أخطاءها في يوم ما".