من بعض اداب يوم الجمعة -
1- يستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السَّجدة والإنسان كاملتين كما كان النّبيّ يقرؤهما، ولعل ذلك لما اشتملت عليه هاتان السُّورتان ممَّا كان ويكون من المبدأ والمعاد، وحشر الخلائق، وبعثهم من القبور، لا لأجل السَّجدة كما يظنُّه بعض المسلمين. 2- التَّبكير إلى الصَّلاة: وهذا الأمر تهاون به كثيرٌ من النَّاس حتَّى أنَّ البعض لا ينهض من فراشه أو لا يخرج من بيته إلا بعد دخول الخطيب، وآخرون قبل دخول الخطيب بدقائق وقد ورد في الحثِّ على التَّبكير والعناية به أحاديث كثيرة منها: أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «إذا كان يوم الجمعة كان على كلِّ بابٍ من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول. فإذا جلس الإمام طووا الصُّحف وجاؤوا يستمعون الذِّكر. ومثل المُهِّجر (أيّ المبكر) الّذي يهدي البدنة ثمَّ كالّذي يهدي بقرة ثمَّ كالّذي يهدي الكبش ثمَّ كالّذي يهدي الدَّجاجة ثمَّ كالّذي يهدي البيضة» [رواه مسلم 850]. فجعل التَّبكير إلى الصَّلاة مثل التَّقرب إلى الله بالأموال، فيكون المبكر مثل من يجمع بين عبادتين: بدنيَّةً وماليَّةً، كما يحصل يوم الأضحى. وكان من عادة السَّلف -رضوان الله عليهم- التَّبكير إلى الصَّلاة كما قال بعض العلماء: "ولو بكر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشَّمس كان حسنًا". و "كان يُرى في القرون الأولى في السَّحر وبعد الفجر الطُّرقات مملؤة يمشون في السّرج ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد، حتَّى اندرس ذلك" وكان هذا الوقت يُعمر بالطَّاعة والعبادة وقراءة للقرآن وذكر الله -عزَّ وجلَّ- وصلاة النَّافلة، روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّه كان يصلِّي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة. وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يصلِّي ثمان ركعاتٍ. وأدركت إلى عهدٍ قريبٍ أحد العباد -رحمه الله- فكان يدخل الجامع الكبير بالرِّياض لصلاة الفجر ولا يخرج إلى بعد انقضاء صلاة الجمعة. وممَّا يُعين على التَّبكير: ترك السَّهر ليلة الجمعة، والتَّهيأ لها منذ الصَّباح الباكر بالتَّفرغ من الأشغال الدُّنيويَّة، وكذلك استشعار عظم الأجر والمثوبة والحرص على جزيل الفضل وكثرة العطايا من الله -عزَّ وجلَّ-. 3- الإكثار من الصَّلاة على النّبيّ قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «إنَّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم -عليه السَّلام-، وفيه قبض، وفيه النَّفخة، وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاة، فإنَّ صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -أي يقولون: قد بليت- قال: إنَّ الله -عزَّ وجلَّ-، قد حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» [رواه النِّسائي 1373 صحَّحه الألباني]. 4- الاغتسال يوم الجمعة: لحديث الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» [متفق عليه]، واختلف العلماء في حكمه بين الوجوب والاستحباب والجمهور على الاستحباب فيستحب الاغتسال؛ إدراكًا للفضل. 5- التَّطيب، والتَّسوك، ولبس أحسن الثِّياب، وقد تساهل الناس بهذه السُّنن العظيمة؛ على عكس إذا كان ذاهبًا لحفلٍ أو مناسبةٍ فتراه متطيبًا لابسًا أحسن الثِّياب! قال -صلّى الله عليه وسلّم-: «من اغتسل يوم الجمعة، واستاك، ومس من طيبٍ إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثمَّ خرج حتَّى يأتي المسجد، ولم يتخط رقاب النَّاس، ثمَّ ركع ما شاء الله أن يركع، ثمَّ أنصت إذا خرج الإمام، فلم يتكلم حتَّى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى» [صحَّحه الألباني 6066 في صحيح الجامع]. وقال صلى الله عليه وسلم: «غُسل يوم الجمعة على كلِّ محتلمٍ وسواك ويمسُّ من الطِّيب ما قدر عليه» [رواه مسلم 846]. 6- يستحب قراءة سورة الكهف: لحديث الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له النُّور ما بينه و بين البيت العتيق» [صحَّحه الألباني 6471 في صحيح الجامع]. ولا يشترط قرائتها في المسجد بل المبادرة إلى قراءتها ولو كان بالبيت أفضل. 7- وجوب الإنصات للخطبة والحرص على فهمها والاستفادة منها: قال -صلّى الله عليه وسلّم-: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت» [متفقٌ عليه]. 8- الحذر من تخطي الرِّقاب وإيذاء المصلِّين: فقد قال النّبيّ لرجلٍ تخطى رقاب النّاس يوم الجمعة وهو يخطب: «اجلس فقد آذيت وآنيت» [رواه ابن ماجه 923 وصحَّحه الألباني] وهذا لا يفعله غالبًا إلا المتأخرون. 9- إذا انتهت الصَّلاة فلا يفوتك أن تصلِّي في المسجد أربع ركعات بعد الأذكار المشروعة، أو اثنتين في منزلك. أما وقد انصرفت من المسجد وقد أخذت بحظك من الدَّرجات والخيرات إن شاء الله.. تأمل في قول ابن رجب -رحمه الله- في (لطائف المعارف) وهو يقول: "كان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حر الظَّهيرة يذكر انصراف النَّاس من موقف الحساب إلى الجنَّة أوِ النَّار فإنَّ السَّاعة تقوم في يوم الجمعة ولا ينتصف ذلك النَّهار حتَّى يقيل أهل الجنَّة في الجنَّة، وأهل النَّار في النَّار قاله ابن مسعود وتلا قوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان:24]". أخي المسلم: تَحَرَّ ساعة الإجابة وأرجح الأقوال فيها: أنَّها آخر ساعة من يوم الجمعة.. فادع ربَّك وتضرع إليه واسأله حاجتك، وأرِه من نفسك خيرًا، فإنَّها ساعةٌ قال عنها النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «إنَّ في الجمعة ساعةٌ، لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ، قائمٌ يصلِّي يسأل الله -عزَّ وجلَّ- شيئًا إلا أعطاه إيَّاه» [رواه النِّسائي 1431 وصحَّحه الألباني]. جعلنا الله وإيَّاكم ممن يعبد الله حقَّ عبادته وصلّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.