كيف تسعى الطيور !؟ - اقتباس
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(260سورة البقرة إن إبراهيم عليه السلام يسأل : كيف تحيي الموتى ؟ أي أنه يطلب الحال التي تقع عليها عملية الإحياء . فإبراهيم عليه السلام لا يتكلم في الإحياء ، وإنما كان شكه ـ عليه السلام ـ في أن الله سبحانه قد يستجيب لطلبه في أن يريه ويطلعه على كيفية إحياء الموتى ؟ ولنضرب هذا المثل ـ ولله المثل الأعلى من قبل ومن بعد ـ والمثل لتقريب المسألة من العقول ؛ لأن الله منزه عن أي تشبيه . إن الواحد منا يقول للمهندس : كيف بنيت هذا البيت ؟ إن صاحب السؤال يشير إلى حدث وإلي محدث وهو البيت الذي تم بناؤه . فهل معرفة الكيفية تدخل في عقيدة الإيمان ؟ لا. ولنعلم أولا ما معنى: عقيدة ؟. إن العقيدة هي: أمر معقود، وإذا كان هذا فكيف يقول: "ليطمئن قلبي"؟ فهل هذا دليل على أن إبراهيم قبل السؤال، وقبل أن يجاب إليه، لم يكن قلبه مطمئناً؟ لا، لقد كان إبراهيم مؤمناً، ولكنه يريد أن يزداد اطمئناناً، لأنه أدار بفكره الكيفية التي تكون عليها عملية الإحياء، لكنه لا يعرف على أية صورة تكون. إذن فالاطمئنان جاء لمراد في كيفية مخصوصة تخرجه من متاهات كيفيات متصورة ومتخيلة ، ومادمت تريد الكيفية ، وهذه الكيفية لا يمكن أن نشرحها لك بكلام . بل لابد أن تكون تجربة عملية واقعية ، "فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ". و"صرهن " أي أملهن واضممهن إليك لتتأكد من ذوات الطير، ومن شكل كل طير، حتى لا تتوهم أنه قد جاء لك طير آخر . وقال المفسرون : إن الأربعة من الطير هي : الغراب ، الطاووس ، الديك ، الحمامة ، وهكذا كان كل طائر له شكلية مختلفة . "ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعيا "، فهل أجرى سيدنا إبراهيم هذه العملية أو اكتفى بأن شرح الله له الكيفية ؟ إن القرآن لم يتعرض لهذه الحكاية ، فإما أن يكون الله قد قال له الكيفية ، فإن أراد أن يتأكد منها فليفعل ، وإما أنه قد تيقن دون أن يجري تلك العملية . إن القرآن لم يقل لنا هل أجرى سيدنا إبراهيم هذه العملية أم لا ؟ والحق يقول مخاطبا إبراهيم بخطوات التجربة : " ثم ادعهن يأتينك سعيا " وكان المفروض أن يقول : يأتينك طيرانا. فكيف تسعى الطيور؟ إن الطير يطير في السماء وفي الجو. لكن الحق أراد بذلك ألا يدع أي مجال لاختلاط الأمر فقال : "سعيا" أي أن الطير سيأتي أمامه سائرا ، لقد نقل الحق الأمر من الطيران إلى السعي كي يتأكد منها سيدنا إبراهيم، إذن فلكي تتأكد يا إبراهيم ويزداد اطمئنانك جئنا بها من طيور مختلفة وأنت الذي قطعتها، وأنت الذي جعلت على كل جبل جزءا، ثم أنت الذي دعوت الطير فجاءتك سعيا. وهنا ملحظية في طلاقة القدرة ، وفي الفرق بين القدرة الواجبة لواجب الوجود ، وهو الحق سبحانه وتعالى ، والقدرة الممنوحة من واجب الوجود وهو الله ـ سبحانه ـ لمنكر واجب الوجود وهو الإنسان، هذا له قدرة ، وذاك له قدرة؛ إن قدرة الله هي قدرة واجبة، وقدرة الإنسان هي قدرة ممكنة، وقدرة الله لا ينزعها منه أحد، وقدرة الإنسان ينزعها الله منه؛ فالإنسان من البشر، والبشر تتفاوت قدراتهم؛ فحين تكون لأحدهم قدرة فهناك آخر لا قدرة له ، أي عاجز. ويستطيع القادر من البشر أن يعدي أثر قدرته إلى العاجز؛ فقد يحمل القادر كرسيا ليجلس على من لا يقدر على حمله . لكن قدرة الحق تختلف. كأن الحق سبحانه وتعالى يقول: أنا أعدي من قدرتي إلى من لا يقدر فيقدر، أنا أقول للضيف: كن قادراً ، فيكون . وهذا ما نفهمه من قوله سبحانه لإبراهيم: " ثم ادعهن يأتينك سعيا ". إن إبراهيم كواحد من البشر عاجز عن كيفية الإحياء ، ولكن الحق يعطيه القدرة على أن ينادي الطير، فيأتي الطير سعيا. إن الحق يعطي القدرة لإبراهيم أن يدعو الطير فيأتي الطير سعيا. وهذا هو الفرق بين القدرة الواجبة ، وبين القدرة الممكنة . إن قدرة الممكن لا يعديها أحد لخال منها ، ولكن قدرة وجب الوجود تعديها إلى من لا يقدر فيقدر