التدين و الآلهة في الهند يرى
مجموعة من علماء مقارنو الأديان أن الغريزة الدينية مشتركة بين كل كل
الأجناس البشرية و أن الإهتمام بالمعنى الإلهي و بما فوق الطبيعة هو أحدى
التزعات العالمية الخالدة للإنسانية و هناك عوامل تقوي هذه الغريزة من
أهمها اختلاف قوى الطبيعة و مواجهة الإنسان لهذه القوى وجها لوجه و احساسه
بالضعف اتجاهها ......1
و الهند حقل رائق لتطبيق هذه المبادئ فقد
نشطت قوى الطبيعة و واجهها الإنسان الهندي وجها لوجه و أحس بالضعف اتجاهها
فأصبح متدينا بطبيعته و يشغف بالروحانيات و يسعى دائبا الى معرفة الإله و
يتخذ من الزهد وسيلة ليتخلص من دنيا المادة و ينتظم في دنيا الروح .......2
فمن الصعب أن تجد هنوسيا لا يعبد عددا من الآلهة فالعالم عنده
زاخر بها حتى أنه يصلي للنمر الذي يفترس أنعامه و لجسر الحديد الذي يصنعه
الأوربي و للأوربي نفسه عند الحاجة لذلك .........3
لقد عرف الهنود القدماء عبادة الحيوانات و بخاصة البقرة كما عرفوا عبادة قوى الطبيعة و عرفوا كذلك عبادة العضو التناسلي
الذكري
معتقدين أنه سبب الخلق و كان هذا الإله يسمى عندهم (Linga) و هي اشتقاق من
الكلمة الإنكليزية Link أي صلة و رابط و في العصور الآرية اندمج هذا الإله
في الإله الذي تكون منه الثالوث الهندي .......4
و عبدة الهنود
للحيونات نشأت عن الفكر الطوطمي أو عن اعتقادهم بأن الله يتجلى في بعض
الأحياء فيحل فيها - فيُحتمل حلوله في هذا الإنسان أو ذاك - أو لأنهم آمنوا
بالتناسخ فجاز عندهم أم يكون الحيوان جدّا قديما أو صديقا عائدا الى
الحياة ..........5
و كان للبقرة قدسية خاصة من بين الحيوانات لذلك سأخصها بالذكر في هذا البحث ثم سأتكلم عن آلهة الهنود من الظواهر الطبيعية
عبادة البقرة جظيت
البقرة في الهند بأسمى مكانة و هي من المعبودات الهندية التي لم تضعف
قداستها مع مرور الزمن ففي الأدب المنسوب للمهاتما غاندي تفسير لما حظيت به
البقرة قديما و حديثا من نفوذ ديني .
في مجلة تصدر في بومباي اسمها ( Bhavan's Journal ) العدد نوفمبر 1963 نقتبس ما يلي عن عبادة البقرة
نشيد نشرته المجلة في صفحة مستقلة كُتب داخل رسم تخطيطي لبقرة و الترجمة الى العربية كما يلي :
صــــــــلاة الى البقرة
أيتها البقرة المقدسة , لك التمجيد و الدعاء , في كل مظهر تظهرين به , انثى تدرين الحليب في الفجر و عند الغسق
أو عجلا صغيرا , أو ثورا كبيرا , فلنُعد لك مكانا واسعا نظيفا يليق بك , و ماء نقيا تشربينه , لعلك تنعمين بيننا بالسعادة .
و هناك أسطورة تُروى كمحادثة تم اقتباسها من مجلة ( Sumani Sinanda ) و هي محادثة بين ملك و خنزير كما يلي :
ذهب الخنزير يوما الى ملك و هو يصلي أما البقرة و يعلن لها أنها معبودُه الأوحد
قال الخنزير للملك : أيها الملك متى ستعبدني ؟
فثار الملك و نهر الخنزير قائلا : أخرج و إلا قتلتك
بكى الخنزير و انتحب و قال : نعم أنا أعرف أنك تحب فقط لحمي فأنا أموت لأقدم لك ما تحب و مع هذا فإنك تعبد البقرة و لا تعبدني
فأجاب
الملك : انك أحمق أيها الخنزير انني آخذ لحمك بعد موتك أي بعد أم تكون في
حال لا تستطيع أن تمنح و لا أن تمنع و سرعان ما ينتهي لحمك , أما البقرة
فإنها تقدم لي طعامي طائعة و هي حية و كذلك تستمر في في تقديمه يوما بعد
يوم بلا نهاية
انها رمز للإثيثار و لذلك أنا أعبدها .
و قد قال المهاتما غاندي في مقالة له بعنوان ( أمي البقرة ) في نفس المجلة ما يلي :
"
إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند الى العالم و هي
احساس برباط الأخوة بين الإنسان و الحيوان و الفكر الهندي يعتقد أن البقرة
أم الإنسان و هي كذلك في الحقيقة , إن البقرة خير رفيق للمواطن الهندي و هي
خير حماية للهند "
" عندما أرى البقرة لا أحسبني أرى حيوانا لأني أعبد البقرة و سأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع ......."
"
و أمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة أوجه فالأم الحقيقة ترضعنا لمدة
عام أو عامين و تتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا و لكن أمنا البقرة
تمنحنا اللبن دائما و لا تتطلب منا شيئا مقابل ذلك سوى الطعام العادي , و
عندما تمرض الأم الحقيقة تكلفنا نفقات باهظة و لكن أمنا البقرة لا تخسرنا
شيئا ذي بال و عندما تموت أمنا الحقيقة تتكلف جنازتها مبالغ طائلة و عندما
تموت أمنا البقرة تعود علينا بالنفع كما كانت تفعل و هي حية لأننا ننتفع
بكل جزء من جسمها حتى العظام و الجلد و القرون "
الآلهة من الظواهر الطبيعية : و من آلهة الآريين التي وردت في كتبهم المقدسة مجموعة من الظواهر الطبيعية مثل :
وارونا : إله السماء
إندرا : إله الرعد الذي يسبب الأمطار
الشمس
: و كانت تُعبد في خمسة أشكال فتُعبد لذاتها باسم ( سورية ) و تُعبد كمصدر
انتعاش باسم ( ساوتري ) و تُعبد اتأثيرها في نمو الأعشاب و الحشائش باسم (
بوشان ) و تُعبد كبنت للسماء باسم ( مترا ) و أخيرا باسم ( وشنو ) أي
النائب عن الشمس ثم استقل وشنو فعُبد لذاته .
أغني : إله النار
أوشا : إله الصبح
رودرا : إله العواصف
بارجانيا : إله المطر و المياه و الأنهار
وايو , واتو : إلها الرياح ...........6
و
يُعلق كتاب Hindusim على كثرة الآلهة بقوله : ان هذه الديانة توزع الآله
حسب المناطق و حسب الأعمال التي تناط بهذه الآله فلكل منطقة إله و لكل عمل
أو ظاهرة إله
الهندوسية
الهندوسية
هي ديانة السواد الأعظم لسكان الهند و قد قامت على أنقاض الويدية و تشربت
أفكارها و تسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة و الأساطير الروحانية
التي نمت في شبه الجزيرة قبل دخول الآريين و من أجل هذا عدها الباحثون
امتداد للويدية و تطورا لها
و تسمى الهندوسية أو الهندوكية اذ
تمثلت تمثلت فيها تقاليد الهنود و عاداتهم و صور حياتهم و أطلق عليها
البَرهميِّة ابتداء من القرن الثامن عشر قبل الميلاد نسبة الى براهما
Brahma و هو القوة العظيمة السحرية الكامنة التي تطلب كثيرا من العبادات
كقراءة الأدعية و انشاد الأناشيد و تقديم القرابين و من براهما اشتقت كلمة (
البراهمة ) لتكون علما على رجال الدين الذين كان يُعتقد أنهم يتصلون في
طبائعهم بالعنصر الآلهي و هم لذها كانوا كهنة الأمة , لا تجوز الذبائح إلا
في حضرتهم و على أيديهم
صور تمثيلية للبراهما
مؤسس الهندوسيةمن الذي أسس الهندوسية ؟ و من الذي وضع كتابها المقدس الويدا ؟
في
الحقيقة ليس هناك مؤسس للهندوسية يمكن الرجوع اليه كمصدر للتعاليم
فالهندوسية دين متطور و مجموعة من التقاليد و الأوضاع تولدت من تنظيم
الآريين لحياتهم جيلا بعد جيل بعدما وفدوا على الهند و تغلبوا على سكانها
الأصليين و استأثروا دونهم بتنظيم المجتمع و قد تولد من استعلاء الآريين
الفاتحين على سكان الهند الأصليين و من احتكاكهم بهم تلك التقاليد
الهندوسية و اعتبرت على مر التاريخ دينا يدين به الهنود و يلتزمون بآدابه
و
يمكن القول بأن الهندوسية هي عقائد الآريين بعد أن تطورت بسبب اختلاطهم
بشعوب كثيرة و خاصة الإيرانيين ثم تأثرت هذه العقائد بعد احتلال الآريين
للهند و من كثرة الإحتكاك الآري بالشعوب الأخرى أصبحت الهندوسية بعيدة عن
العقائد الآرية الأصلية
و الهندوسية أسلوب في الحياة أكثر مما هي
مجموعة من العقائد و المعتقدات و تاريخها يوضح مدى استيعابها لشتى
المعتقدات و الفرائض و السنن و ليست لها صيغ محدودة العوالم و لذا تشمل من
العقائد ما يهبط الى عبادة الأحجار و ما يرتفع الى التجريدات الفلسفية
الدقيقة
و اذا كانت الهندوسية ليس لها مؤسس فإن الويدا أيضا كذلك و
هو الكتاب االذي جمع العقائد و العادات و القوانين بين دفتيه و ليس له
واضع معين لذلك يعتقد الهندوس بأنه أزل لا بداية له - و نرى هنا التشابه
بين هذه الفكرة و الفكرة الإسلامية التي تقول بأن القرآن كلام أزلي - و يرى
الباحثون أنه قد نشأ في قرون عديدة متوالية لا تقل عن عشرين قرنا بدأت قبل
الميلاد بكثير و قد أنشأه أجيال من الشعراء - لاحظوا وجه الشبه و كيف أن
القرآن كان يشابه شعرا الجاهلية - و الزعماء الدينيين و الحكماء الصوفيين
سنة بعد سنة و قرنا بعد قرن وفق تطورات الظروف و تقلبات الشؤون و ينسب
Berry كتابة الويدا الى الآريين .
الــــويــــدا
ذكرنا
فيما سبق أن الويدا - الكتاب المقدس لدى الهندوس - لم يُعرف له واضع معين و
لوضع صورة أقرب الى الدقة فإن الويدا يعتبر بحق دائرة معارف عن الهندوس و
في بحث قيم للدكتور هندي قدير كتب عن الويدا في كتابه ( فلسفة الهند
القديمة )
للويدا قيمة تاريخية اذ تنعكس في هذا الأدب الديني حياة
الآريين في الهند في عهدهم القديم و مقرهم الجديد ففيه أخبار محلهم و
ترحالهم , دينهم و سياساتهم , حضارتهم و ثقافتهم , معيشتهم و معاشرتهم و
ترى فيه مدارج الإرتقاء للحياة العقلية من سذاجة البدو الى شعور الفلاسفة
فتوججد فيه أدعية ابتدائية تنتهي بالارتياب و أهلوهية ترتقي الى وحدة
الوجود .
و الويدات عبارة عن أربع كتب دينية هي :1-
الريج ويدا ( Rig Veda ) و هو أشهر الأربعة و أهمها و أشملها و يقال ان
تأليفه يرجع الى 3000 ق.م و يشمل 1071 أنشودة دينية وُضِعت لُتضرع بها الى
الآلهة و أشهر الآلهة التي تم ذكرها فيه هو الإله أندرا إله الآلهة ثم يجيئ
بعده الإله أغنى إله النار و راعي الأسرة فالإله فارونا فالإله سورية (
الشمس ) و غيرهم
و
لا يزال الهنود يتغنون بأناشيد من الريج ويدا و يرتلونها في صلواتهم صباحا
و مساء و يتيمنون بتلاوتها في حفلات زواجهم كما كانوا يفعلون منذ ثلاثة
آلاف عام و حتى يومنا هذا
2- ياجور ويدا ( Yajur Veda ) و تشمل العبادات النثرية التي يتلوها الرهبان أثناء تقديم القرابين
3- ساما ويدا ( Sama Veda ) و تشمل الأغاني التي ينشدها المنشدون أثناء إقامة الصلاة و تلاوة الأدعية
4-
آثار ويدا ( Athar Veda ) و تشمل مقالات في السحر و الرُقي و التوهمات
الخرافية المصبوغة بالصبغة الهندية القديمة فالحياة الهندية كما يصورها
آثار ويدا مملوءة بالآثام و الكون حافل بالشياطين و الأغوال التي تخوف
الناس كما أن الآلهة كفت يدها عن الخير و لم تعد تدفع الشر و يروي آثار
فيدا لجوء الناس الى الخرافات و الرقي و السحر ليحموا أنفسهم .
و
كل من هذه الويدات الأربعة يشمل على أربعة أجزاء هي سمَهتا و برَهمن و
أرنيك و أبانيشاد و هي بهذا الترتيب من حيث قدمها التاريخي و سنتحدث عن كل
منها في ما يلي :
1-
سمَهتا ( Samhita ) أو مجموعة المنظومات
لكثرة المنظوم فيها و منظومات الريج ويدا أهمها و قدج تكرر أكثرها في ساما
ويدا و هذه المنظومات يُتغنى بها عند تقديم القرابين و يشمل سمهتا من
ياجور ويدا بعض تلك الأدعية كذلك أما منظومات آثار ويدا فهي أدعية قدمها
سكان الهند القدماء لآلهتهم قبل زحف الآريين على الهند و بهذا لها قيمة
تاريخية و دينية عظيمة و تمثل السمهتا مذهب الفطرة في لتفكير الهندوسي .
2-
البرَاهمن ( Barahman ) أو الهدايات التي يقدمها البراهمة للمقيمين في بلداهم و بين أهلهم و تشمل
بيان أنواع القرابين و تفاصيلها و مواسمها و تبيان أن ارضاء البراهمة ضروري
لقبول القرابين و يمثل البراهمن مرحلة أقرب الى التحضر في التفكير
الهندوسي .
3-
أرَنَيك ( Aranyaka ) أو الغابيات أو الهدايا و الإرشادات التي تقدم للشيوخ المعمرين الذين
يتركون أهلهم في الربع الرابعم من أعمارهم ليقيموا في الكهوف و الغابات -
كما سيأتي - و الأرنيك تهدي مثل هؤلاء الى أعمال سهلة يقومون بها بدل
القرابين التي أصبحوا يعجزون عن تقديمها .
4-
أبانيشّادات ( Upanishad ) و هي الأسرار و المشاهدات النفسية للعرفاء في الصوفية و تدون هذه
الإرشادات للرهبان و المتنسكين الذين مالوا الى باطن الحياة و تركوا ظاهرها
و يمثل الأبانيشادات مذهب الروح الذي هو المرتبة العليا في سلسلة الإرتقاء
الديني .
و
يُعتبر الأبانيشادات خطوة جريئة في سبيل الحرية الدينية و تخليص الدين من
الرسوم البرهمية و بها أُبعدت الآلهة أو قل الإهتمام بها و هدأت الأدعية و
ندرت القرابين و انحطت المراقبات اللاهوتية و حل العلم و العرفان محل ذلك و
لولا بقايا من الشعور الديني لكانت الأبانيشادات فلسفة محضة .
و
الناظر في هذه الأقسام الأربعة يلاحظ أن السمهتا تمثل دين الفطرة أو الفكر
الطوطمي البدائي أما البراهمن فيمثل مذهب القانون و دين الأمة التي تركت
البداوة و لم تتعمق بعد في الحضارة أما الأرنيك فينقل الفكر من القانون الى
الروح فهو معبر تأريخي و يأتي بعده الأبانيشادات حيث مذهب الروح الذي هو
المرتبة العليا في سلسلة الإرتقاء الديني و قد وضعت الأبانيشادات في المدة
من 800 الى 600 ق.م .