لطالما خاف الإنسان من النار، حتى نجد
الأساطير قد نسجت حولها منذ آلاف السنين, وقد وصل الأمر بالخوف من النار
عند بعض الشعوب قديماً إلى عبادتها، ومنهم من كان يسجد للشمس كرمز من رموز
النار والحرارة.
ففي قصة سيدنا سليمان عليه
السلام نجد ذكراً لهؤلاء الكفار على لسان الهدهد الذي أخبر سليمان بأنه رأى
أناساً يسجدون للشمس من دون الله، وأن الشيطان هو من زيّن لهم هذه
الأعمال، يقول تعالى على لسان الهدهد: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً
تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ *
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ
الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا
تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيم) [النمل: 23-26].
.
سبحان الله! هذا كلام هدهد
ليس من البشر بل هو من البهائم، فإذا كان هذا الطير البسيط قد أنكر السجود
لغير الله تعالى، وهو يعلم بأنه لا إله إلا الله، فكيف بمن يجعل لله ولداً وشريكاً؟ وكيف بمن ينكر وجود الله تعالى؟ أليس هذا الشخص أضلّ من البهائم؟ بل إن البهائم تفهم أكثر منه!
لا تنتهي معجزات هذا النبي الكريم عليه
الصلاة والسلام وفي هذه المقالة نتناول حقيقة علمية طالما درسناها في مختلف
المراجع وهي تتعلق بإشعاع الجسم الأسود تتعلق بتدرج درجات الحرارة، أي
علاقة لون النار أو الإشعاع بدرجة الحرارة. وسوف نرى بأن الرسول الأعظم
عليه صلوات الله وسلامه قد تحدث بدقة مذهلة عن هذه الحقيقة العلمية، والتي
يعتبر الغرب نفسه أنه هو أول من تحدث عنها.
.
وسوف نأتي أولاً بالحقائق العلمية التي اكتشفها علماء القرن
العشرين، ثم نتأمل كلام النبي الأميّ عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر
قرناً كيف تناول هذه الحقيقة وكيف تحدث عنها لنكتشف التطابق والتوافق بين
العلم وكلام سيد المرسلين، وهذا يثبت أن النبي الكريم لا ينطق عن الهوى، بل
كل كلمة جاء بها هي الحق!
إشعاع الجسم الأسود
يؤكد العلماء بأن لون الضوء الذي يشعّه الجسم المشتعل أو
المحترق يتعلق بدرجة حرارة هذا الجسم، وهذه حقيقة لم تكن معروفة في الماضي،
إنما هنالك قياسات حديثة أثبتت وجود هذه العلاقة, حتى إن العلماء يؤكدون
بأن العامل الوحيد الذي يؤثر على لون الضوء الصادر من الجسم المسخّن هو
درجة الحرارة. ولذلك يسمي العلماء هذه العلاقة “بدرجة حرارة اللون” .
عندما تزداد درجة الحرارة تنتقل الألوان من الطول الموجي
الأكبر باتجاه طول الموجة الأقصر، أي من اللون الأحمر إلى اللون الأصفر
فالأزرق فالبنفسجي وأخيراً فوق البنفسجي وأخيراً اللون الأسود.
لدى البدء بتسخين أي جسم فإن لونه يبدأ بالتغير من الأحمر، ثم
عندما تزداد درجة الحرارة يصبح اللون أكثر بياضاً ويقترب من الأصفر. وإذا
علمنا بأن اللون الأبيض هو مزيج من ألوان الطيف الضوئي السبعة، فإن اللون
الذي يطغى خلال هذا التسخين هو الأبيض، أي مزيج من ألون قوس قزح السبعة.
وأخيراً عندما ترتفع درجة الحرارة بشكل كبير، فإن الألوان
تصبح قاتمة أو غامقة حتى تنتهي باللون الأسود، وهذا اللون لم يتم الحصول
عليه بعد عملياً ولكن العلماء يؤكدون بأن اللون الأسود هو نهاية ألوان
الطيف الضوئي الحراري .
حقائق علمية مؤكدة:
بعد دراسات
استمرت سنوات طويلة وضع العلماء قوانين فيزيائية مهمة أهمها قانون الإشعاع
للجسم الأسود، وهذا القانون يقضي بأن كثافة الطاقة الضوئية تتناسب مع طول
موجة الضوء ودرجة حرارة الجسم، أي أننا نستطيع أن نحدد لون الطيف الضوئي
الذي يبثه الجسم الساخن فقط اعتماداً على درجة حرارته. أي أن هنالك علاقة
مباشرة بين درجة الحرارة ولون الضوء.
“أنك تستطيع أن
ترى إذا سخنت جسماً أسوداً إلى درجة حرارة 1900 درجة كلفن أن هذه الجسم
يتوهج باللون البرتقالي، وعندما تزداد الحرارة يتحرك اللون الناتج عن
الإشعاع باتجاه الأصفر، ثم الأبيض وأخيراً الأزرق”.
وهذا الكلام يحدد الطيف المرئي للضوء، أما درجات الحرارة العالية جداً فيؤكد جميع العلماء أننا لا نراها، لأنها مظلمة!!
ويعتقد العلماء
نظرياً بأننا إذا سخّنا الجسم إلى درجة حرارة لا نهائية فإن طول موجة الضوء
الناتج ستكون صفراً!! أي أنه ليس هنالك أي ضوء، بمعنى آخر هنالك إشعاع
أسود وتصبح عندها النار الناتجة عن احتراق هذا الجسم ذي درجة الحرارة
اللانهائية سوداء مظلمة.
وهذا طبعاً كلام
نظري أي لا يمكن تطبيقه عملياً، لأننا لا نستطيع رفع درجة حرارة الجسم إلى
اللانهاية، هنالك حدود للحرارة لأن الحرارة العالية لا يستطيع أي جسم أن
يتحملها.
إننا نرى من
الألوان التي تصدرها النار فقط مجالاً محدوداً هو الطيف المرئي للضوء، ولكن
بعد ذلك وعندما ترتفع درجة الحرارة كثيراً تختفي الألوان المرئية وندخل في
نطاق اللون الأسود المظلم أي المجال غير المرئي.
وهكذا نستطيع أن نستنتج بأن أسخن الألوان هو الأسود!!
اللون الأحمر هو
أول الألوان ظهوراً , عندما نسخن أي شيء ونرفع درجة حرارته فإن أول لون
يظهر نتيجة احتراق هذا الجسم هو اللون الأحمر، ولذلك يعتبر العلماء أن
اللون الأحمر هو أبرد الألوان!! على عكس ما نشعر.
يقيس العلماء
اليوم الألوان بدرجة الحرارة التي تعبر عنها، فدرجة حرارة اللون الأحمر هي
بحدود 1800درجة كلفن أما اللون الأبيض المصفر وهو لون وسط النهار عندما
تكون الشمس مشرقة فهذا اللون درجة حرارته 6000 كلفن وأخيراً اللون الأزرق
فحرارته 10000 كلفن، ومن هنا نخلص إلى نتيجة وهي أن اللون الأحمر أبرد من
اللون الأزرق!! وهذه حقيقة علمية، لم يستطع العلماء الوصول إليها إلا
مؤخراً بالأرقام والقياسات .
لا بدّ أننا
سمعنا جميعاً بما أطلق عليه العلماء “الثقب الأسود” ، وهو نجم انفجر على
نفسه وتهاوى ثم انضغط بفعل الجاذبية الفائقة وأصبح لا يُرى، أي هو جسم درجة
حرارته عالية جداً ولا يمكن تصورها , إن الثقب الأسود يمثل المرحلة
النهائية من عمر النجوم ويمثل المرحلة النهائية من حرارة النجوم، وبالتالي
فإنه يمثل المرحلة النهائية من ألوان النجوم.
وبالتالي يمكن
القول بأن اللون الأسود هو آخر الألوان الحرارية، ولذلك أطلق العلماء على
الجسم التخيلي الذي يعتمدون عليه في نتائج تجاربهم “الجسم الأسود”، وهم لم
يصلوا إلى هذا الجسم بعد إلا نظرياً.
إذن نحن أمام
ثلاثة ألوان رئيسية هي الأحمر، ثم الأبيض، وأخيراً الأسود وهو غير مرئي.
وبالطبع يوجد بين هذه الألوان الثلاثة مراحل متعددة، أي أن ألوان الطيف
الضوئي الناتج عن ارتفاع الحرارة يتدرج من الأحمر باتجاه البرتقالي فالأصفر
ثم يصبح أبيضاً ثم ينحدر نحو اللون الأزرق فالبنفسجي ثم يتجاوز الألوان
المرئية إلى الجانب المظلم، أي الطيف غير المرئي وينتهي بالأسود.
والآن نأتي إلى
كلام حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وننظر كيف تحدث عن النار, وبعد أن
رأينا العلم البشري وما توصل إليه من حقائق يقينية، نأتي إلى المعلم الأول:
هل من معجزة نبوية في هذا المجال؟ وهل حدّد لنا الألوان كما رآها العلماء
في العصر الحديث؟
الحديث النبوي المعجز
لقد جاء النبي
الكريم في زمن كان المشركون فيه يقدّسون النار ويعبدونها، فقد كان الاعتقاد
السائد عند هؤلاء أن النار إله ينبغي السجود له! فكيف تعامل الرسول الأكرم
مع هذه القضية، وكيف تحدث عنها، وهل صحّح المعتقدات السائدة وقتها، أم ترك
الناس على جهلهم؟
لقد تناول النبي
الكريم الحديث عن ألوان النار من خلال تحذيره من عذاب الله تعالى. وقد
استخدم معجزة علمية ليؤكد لكل من مشكك بأن هذه النار آتية لا محالة، وأن
إخبار الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ضمن إطار معجزة علمية هو تأكيد
على صدق كلامه صلى الله عليه وسلم.
يقول النبي
الكريم عليه الصلاة والسلام: (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت، ثم أوقد
عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت، فهي سوداء
مظلمة) [رواه الترمذي].
وهنا يتدرج اللون
حسب هذا الحديث من الأحمر إلى الأبيض انتهاء بالأسود!! وهذا يطابق تماماً
العلم الحديث, وهنا يؤكد الحديث على أن المرحلة النهائية هي الظلمات، وهذه
لا نراها في الدنيا ولكن العلماء أخبرونا عنها من خلال دراستهم للثقب
الأسود.
يقول تعالى:
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) [الغاشية:
1-4].وكلمة (حامية) تدل شدة الحرارة أي تدل على درجة حرارة عالية، ونجد
فيها إشارة إلى عمليات إحماء للنار أي تسخين مستمر، وبالتالي تغير في
الألوان. وهذا يؤكد صدق الحديث النبوي الذي اعتبره بعض العلماء حديثاً
ضعيفاً [7].
ونود أن نشير إلى
انه لا يوجد أصلاً كلام ضعيف أو قوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن
كلامه كله حق وكله صحيح، ولكن المقصود بالحديث الضعيف هو أن أحد الذين
نقلوا إلينا هذا الحديث مشكوك في صدقه أو ذاكرته أو سلوكه.
قد يقول من يريد
أن يشك بهذا الحديث بأن النار لا تتطلب زمناً مقداره ألف سنة حتى تحمرّ،
لأننا مثلاً نرى ضوء الشمعة يستغرق جزءاً من الثانية حتى يصل إلى اللون
الأحمر، فما هو الجواب عن هذه الشبهة؟
إن النبي
الكريم يتحدث هنا عن نار يوم القيامة وهي ليست كنار الدنيا التي نراها، بل
إن كل ما نراه في الكون اليوم هو جزء من نار جهنم. ولذلك فقد روى أبو هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نار بني آدم التي
توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله إن كانت
لكافية؟ فقال: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً) [رواه البخاري], ففي هذا
الحديث إشارة واضحة إلى عظمة نار جهنم وشدة حرارتها، وأن النار يوم القيامة أعظم بكثير من النار التي نراها في الدنيا بسبعين ضعفاً.
وتأمل أخي القارئ النار التي تستغرق ألف سنة حتى تحمرّ ثم ألف سنة أخرى حتى تبيض
ثم ألف سنة حتى تسودّ، وقد يكون كل يوم من هذه السنوات يساوي ألف سنة مما
نعدّ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ
وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج:
47]، تأمل كيف سيكون شكل هذه النار؟ وكيف ستتحمل أجسامنا ناراً كهذه إن لم
يتغمّدنا الله في رحمته؟
وأخيراً نقول لكل
من يشك بيوم القيامة ويشك بعذاب الله ويشك برسالة الإسلام أن يقرأ قليلاً
عن معجزات هذا النبي الكريم عليه صلوات الله وسلامه. وندعوه لتأمل هذه
النفحات الإعجازية وأن يطرح على نفسه سؤالاً ويحاول الإجابة عنه: كيف علم
النبي الكريم بتدرج الألوان هذا؟ وكيف علم بأن المرحلة النهائية لدرجات
الحرارة ستكون اللون الأسود؟ وكيف علم بالعلاقة بين درجة حرارة النار
ولونها؟ ونكرر قولنا لأولئك المستهزئين: ادرسوا حياة هذا النبي وتعاليمه
وما جاء به من رحمة وهدى ونور، ثم ارسموا في أذهانكم وقلوبكم الصورة التي
تناسب هذا النبي الرحيم.
نسأل الله تعالى
أن يجنبنا عذاب النار وحرّها وظلماتها، ونتذكر الأمر النبوي الشريف: (اتّق
النار ولو بشقّ تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة) [رواه البخاري].
اللهم اجعلنا من
عبادك المُخلَصين، الذين قلتَ فيهم:(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا *
إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا).