هذا اليوم أتى بالملامح نفسها، بالمعطف المرقع نفسه، تتهاطل فوق رأسه الثلوج، يهرب منها إلى قبعة صوفية حاكتها له صنارة حزيران ..!
إنه عيد زواجنا الثلاثين ، وأنت لازلت على بعد ثلاثين ميلا من الكلام، وثلاثين سنة ضوئية من الحب ..!
سأترك العتاب لفساتيني غير المرئية، تلك التي ما تلبث أن تخرج من سجن الخزانة إلى جسدي حتى تعود حزينة ..!
ألم يعجبك ذوقي يوما؟ أم أنه جسدي الذي لبس السنين، ولبس الموت، وحطت عليه كل عصافير الغياب, لأنه غير مرئي, غير مرئي ..!
وهل ألبس اليوم فستانا؟ لا لشيء ..فقط احتراما للطقوس، الإحتفال ، عادة
نقترفها وإن لم نقترفها نشعر بالذنب, الروح تحب أن نضحك عليها ..!
سأترك الكحلة الآن، تزيني أنت أيتها المرآة، في المطبخ أواني اشتاقت إليّ، وأكواب تنتظر أن أغازلها بلمسة من يديّ ..!
ماذا أعد من أصناف الطعام؟ لو أنك تأتي على غفلة مني ، تحيط خصري بذراعيك، توشوش خصلات شعري، لقدمت لك عمري في حساء ..!
لكنك دائما هناك في عالمك الخاص، تغلق النوافذ ، تقفل الأبواب يقولون أنك لست ملك نفسك ولست ملك أحد، يقولون أنك ملك القلم ..!
تغرق بين الكتب يقولون أنك أديب، أنك شاعر, ولكنك لم تقرأ لي يوما قصيدة ..!
عذرا أيتها الأواني سأعود مجددا للمرآة ، أريد أن أنظر مجددا إلى عيني ، ألا تنفع بيتا شعريا في قصيدة؟
كيف أسكب ملامحي في المحبرة دون أن تذوب دون أن تتبخر ؟! كيف أقنعك أنني أشبه الكتاب، أنني على مقاس ذراعيك ..؟!
أنني إذا ما قرأتني صفحة صفحة، وجدت فيّ الكثير لتقرأ وتطير ولكني على ما
يبدو ، رواية كتبها الزمان ، بلحظة ضجر ثم رماها، قصيدة غزلتها الأيام
بقياسات خاطئة، لم تستطع أن تلبسها، فوهبتها لنسيان لبسها ومضى ..!
ليتني كنت كتابا ليتني كنت كتابا ..!
ثلاثون عاما، لا أدري لم تمرّ كلها أمامي الآن أتذكر يوم كنا , يوم ما عدنا , أتذكر يوم كنا نتأمل بعضنا بصمت ..!
مرّ هذا بسرعة كان القنديل يخفت نوره شيئا فشيئا إلى أن غلبه الظلام ..!
من أوقد في داخلي كل هذا ؟ كل الشموع على مفارشي أضيأت, عموما هي ثوان
وتنفخ في وجهها صورتك الصامتة أو تحقد عليها النار التي أعد فوقها الطعام
..!
غدا لما تسألني الجارة ، ذات الأنف الطويل ، عن هذا اليوم السعيد ، ماذا
أقول؟ هنّ اللواتي تركنني لك منذ الصباح، ليجتمعن عند جارة أخرى ، يحتسين
قهوة الفضول والتكهنات ..!
ماذا أقول لنفسي ؟ لثلاثين عاما من عمري؟ أرض السنين الطويلة ماذا أثمرت؟
لا شجر لوز يغمر أغصانه الزهر،لا تفاحة تنبت على الخد ، لم لا أنسى أنا
أيضا ..؟!
كنت قد نسيت تماما كما نُسيت ، كنت قد شغلت نفسي بأطباق الطعام، بانتظار
زيارة ابنتنا والحفيدة الصغيرة, كنت أقنعت نفسي بأنني صرت جدّة ..!
ولكن هذا اليوم دائما يحرضني لمَ لم أشطبه من الرزنامة؟ لم أعلق تاريخه على البراد ؟
لم لا أسكت فقط ، أركز في السلطة التي بين يديّ؟ لم لا أفرم معها ما تبقى من أنثوتي؟ أرش بعض الليمون، وبعض الملح لأغيّر النكهة ؟!
تجمعنا طاولة العشاء ربما لولاها لكنت نسيت تفاصيل وجهك، وبريق سمرتك ..!
تمسك الملعقة بتأنٍ ، هل تخاف أن تؤلمها؟ تعامل كل شيء بهدوء, رقة هي أم أنه الصمت القاتل ؟!
لكنك اليوم حزين، فاقد الشهية، هل هي ذكرى هذا اليوم الأليمة ؟ أم أن إحدى الكتب طلقتك، هربت منك قصيدة لم تقدر أن تكتبها ..؟!
فجأة تبعد عنك الطعام بعد أن وصل إلى فمك، تنظر إلي وتسألني : هل تحبينني ؟
ياااه ما الذي ذكرك الآن ؟ أبعد كل هذه الأعوام؟ كان عليك أن تلفت انتباهي
أولا لألبس الفستان؟ لئلا أجحف بحق الكحلة وأحمر الشفاه ..!
لا أعرف عزيزي لم أطرح على نفسي اليوم هذا السؤال لا أعرف إن كنت الآن أحبك
أم أنك عادة كسبتها من السنين والأيام ..؟! وانتهى العتاب بين الاحباب .
.
العتاب فيه صفاء النفوس والعتاب على قدر
المحبة ، قول يتداوله الناس ، لكن العتاب لا يكون أسلوب فعالا إلا إذا
استخدم في الوقت المناسب .. ومع الشخص المناسب التي تتقبل العتاب اللطيف
بصدر رحب ، وفي قول لعمر بن الخطاب – رضي الله عنة – يقول : ( لا تقطع أخاك
على ارتياب ،ولا تهجر دون استعتاب)
مهما صفت النفوس تجاه بعضها ومهما تواردت
الافكار والخواطر فلابد ان يتخلل ذلك الصفاء تشويش حتى لو قل وندر, نحن
نسامح لاننا نحب بصدق فمن نحبه نتمنى ان تستمر علاقتنا معه , نسامح لان
قلوبنا بيضاء ولا تلبث بعد فترة قصيرة من الخلاف ان تنفث غبار غضبها مع
هبات النسيان.
.
متى نسامح؟ نسامح اذا استحق مغضبنا السماح
واثبت لنا باعتذاره ندمه وتأسفه وليس عيبا أن نعتذر بل الأعتذار من أجل
الامور التي ترفع مقامات البشر .
والشاعر يقول:
يستوجب العفو الفتى اذا اعترف **** وتاب عما قد جناه واقترف
فما أجمل التسامح حتى لو سبقه العتب , قال أبو الدرداء معاتبة الصديق أهون من فقده .
فالعتاب هو لغة القلوب المتحابة فقد يحدت
عتاب بين الاحباب ويكون ذلك عامل مهم في ازالة العوائق التي تتسبب في
فقدانهم لان الحبيب أو الصديق من الصعب الحصول عليه بسهولة , فالكنز ليس
دائما صديقا أو حبيبا ولكن الصديق والحبيب دائما كنز بأيدينا.
فالعتاب هو لغة الأحباب .. ولا يفهم هذه اللغة إلا الأحباب فقط .
لا تغضب إذا عاتبك أحد .. واعلم أن الإنسان لا يعاتب إلا الشخص الذى له
مكانة عالية عنده .. قابل العتاب دومًا بابتسامة ولين .. حتى وإن كان الشخص
الذى يعاتبك أساء فهمك .. ومخطئ .. يكفيك أنه عاتبك .. وكأنه يريد أن يقول
لك ..( هذه مكانتك عندى .. اعلم مدى غلاوتك فى قلبى )
لا تغضب فى وجهه .. وترفع صوتك .. ولكن
يكفيك أن تبدأ معه بقول ( عندك حق .. اعتذر لأننى جعلتك تفهم الأمر كذلك )
بعدها اشرح وجهة نظرك لكن دون إطالة .. لأن ( الشئ الذى يزيد عن حده ..
بنقلب لضده ) .. فخير الكلام هنا ما قل ودل .. ويمكنك بكلمات لطيفة أن تذيب
أى خلاف .. بل ومن الممكن أن ينتهى اللقاء باعتذاره لك على سوء فهمه
كذلك لا تعاتب إلا من يستحق العتاب .. لا تعاتب إلا من تعلم أنك شئ مهم فى
حياته .. أما من يزيد العتاب من غروره وعناده .. الأفضل أن تتجنبه .. فهذه
هى الطريقة المثلى لعتابه .. دعه يعتقد أنه لا قيمة له فى حياتك .. ويدرك
أنك وصلت لدرجة من الملل أنك زهدت حتى عتابه .. هنا سيكون له رد فعل من
اثنين ( إما أن يغير من طبعه ليستعيدك ثانية .. أو يتمادى فى عناده ويخسرك
للأبد ولن تكون أنت الخاسر ) .. فعلى حسب مكانتك عنده سيكون رد فعله .