مريد البرغوثي شاعر فلسطيني ولد في 8 يوليو/تموز 1944 في قرية دير غسانة قرب رام الله في الضفة الغربية تلقى تعليمه في مدرسة رام الله الثانوية، وسافر إلى مصر العام 1963 حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها العام 1967 وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها. وعن هذا الموضوع كتب مريد البرغوثي في كتابه الذائع الصيت رأيت رام الله “نجحت في الحصول على شهادة تخرّجي وفشلتُ في العثور على حائط أعلِّق عليه شهادتي“. ولم يتمكن من العودة إلى مدينته رام الله إلا بعد ذلك بثلاثين عاماً من التنقل بين المنافي العربية والأوروبية، وهي التجربة التي صاغها في سيرته الروائية تلك.
كسّر البرق بللوره في الأعالي
وافلت من دغله نمر طائش اللونِ
رنّت على ظهره فضةُ الليل والرغبةِ الغامضه
كأنّ الصواعقَ تعدو على جسمه وهو يعدو ويعدو ويعدو
ويعلو عن الارض
حتى لَيوشِكَ ان يشغلَ الجاذبيةَ عن شُغلِها
لحظةً
ثم يرقى الى ما يشاءُ الخَيالْ
هذه شهوتى للتى اشتهيها بخمس حواسٍ
ولكنها لا تُنالْ.
**
نمرٌ طائشٌ فى علاليه قلبى
ووثباته طردُ ضوءٍ لليلٍ وليلٍ لضوءْ
وأنا لم أعد اشتهى أيَّ شيء
فانا اشتهى كلَّ شيء
من زمان يليق بموتي
الى اول المشى واللثغ والاول الابتدائىِّ
حَبِّ الشباب ومشطِ السخافةِ
رسمِ الشوارب بالحِبْر فوق الشفاهِ
دويِّ البلوغ الذى يخلط الرعب باللذةِ
المستطيله شيئا فشيئا
وياخذنا، راجفين، الى موعدٍ أَهْبَلٍ
تحت "بيت الدَّرَجْ"
**
شهوةٌ لِلَّعِبْ
لِلُصوصيَّةِ الطفل فينا
نغافل بُخْلَ العجوز التى وجهها مثل كعكٍ تَبَلَّلَ بالماءِ
كى نسرقَ اللوز مِن حَقْلِها
مُتْعَةُ العُمْرِ ان لا ترانا
وامتعُ منها اذا ما راتنا
مَراجِلُنا فى الهَرَبْ
**
وامتع من كل هذا
اذا استلمت خيزرانتُها واحداً
وانْضَرَبْ
**
شهوةٌ للوساوس فى ليل قريتنا
كلُ من زادَ عن عمرنا سنةً
خَوَّفَ الكلَّ بالضبع أو بابن اوى
وفاخَرَنا بالجَسارةِ
واصْفَرَّ خَدّاهُ مِن قِطَّةٍ عابِرَه
**
وانا اشتهى كل شيء
من مكان يليق بموتى
الى شغف ازرق النار بالجارة الفائرة
مِن حرير التلامس والانسجامْ
والنعاس الشفيفِ
وذاك الحفيف اذا النور حَكَّ المخدةَ شيئاً فشيئا
وعز علينا القيامْ
الى شهوتى لمطارٍ رحيمْ
ولذاك الطراز الذى لم اجربه من سفرٍ للسفر
حيث لا يغرس الضابط الوحش نابيه فى روح روحى
ويجلس فى كامل الاعتزاز بسلطانه
مثل ضبعٍ وسيمْ
**
شهوة لوجود النساء اللواتى يخفن قليلاً
ولكن يقفن طويلاً بجفن الردى وهو نائم
وطرحاتهن الغيوم واقدامهن الجنان
وفى روحهن الاساور والماس لا فى المعاصم
يطرز اثوابهن العجاج الكريم
فيخدشن خوذة عصر الغزاة ويسقطن عصر الهوانم
**
شهوة لوجود الرجال الذين بنوا فى المضافه
بيت الكرم
وبيت النكات اللئيمه
بيت التهكم من كل عال قوى
وبيت المساء الطويل بطول الجدال
واخبار كل البلاد كأن الحصيرةَ من تحتهمْ
هيئةٌ للأُمَمْ
**
شهوة لبلاد تطالب ابناءَها
باقل من الموت جيلا فجيلا
وفيها من الوقت وقتٌ نخصصه
للخطايا الحميمه والغلط الادمى البسيط
وزحزحةِ الافتراض البطوليِّ عنّا قليلا
فمسكينةٌ أُمَّةٌ حين تحتاج كلَّ البطولات من كلِّ أبنائها
وتعيش الحياةَ قتيلا قتيلاً
**
شهوةٌ لبلاد تقل الاناشيد فيها
وفيها نعود الى نمنمات احتياجاتنا العابرات
بلا خجل او ندم
**
شهوة ان ارد على الهاتف المتاخر ليلا
بدون التوجس من كارثه
**
شهوة ان اكون الضحيه لامراة عابثه
لا لثوريِّ هذا الزمان
**
شهوة ان تكون الخنازير مطرحها
فى الحظائر او فى المسالخ او فى البرارى
وليس على المقعد المخمليّ
**
شهوة ان يقوز الفؤاد باحلى الوظائف
حرية الشكر, حرية الصمت
حرية الرقص حبا اذا ما هوى
والتخلى الانيق اذا ما نوى
والتنقل ما شاء بين الرضى والجفاء
**
شهوة ان تكون الخصومة فى عزها
واضحة
غير مخدوشه بالعناق الجبان
فقبلات من لا اود حراشف سردينة
وابتسامته شعرة فى الحساء
**
شهوة ان تكون المودة فى عزها
واضحة
دون طُعم الوعود ودون اللغة
فاللغة
علبة للرياء
واللغة
لعبة فى يدى من يشاء
واللغة
رشوة للنساء
واللغة
سمسم الكاذبين الوفير
وفخ يهيا للبنت منذ الصباح المنمق
حتى سرير المساءْ
**
شهوة لغموض العتب
شهوة لاعتذار العيون الذكيّ
شهوة للضمير الانيق
شهوة ليد فى يدى فى الزحامْ
شهوة ان نَغُفَّ الحياةَ كإبريقِ ماءٍ
تبلل فخّاره بالندى
**
شهوة ان يقول المحقق
من اطلق النار فى راس (ناجى العلى)
شهوة ان يحذرنى احد الناس من طعنة فى الظلامْ
**
شهوة ان ارى ما يُرى كُلُّهُ
فى شمولٍ عظيمٍ يوحد بين نجوم السماءِ
وخصلةِ عُشْبٍ بقاع البحارِ
وبين كهوف العتامِ وقوسِ الافُقْ
**
شهوة للقاء مع امراتين فى امراة واحدة
صبحها فى وقار الغسق
ليلها فى فجور الشفق
هى راهبة فى النهار
وفى الليل مرغابة للمسرات
ولوالة بالنداءات مصهالة بالشبق
**
شهوة لتلاوين نشوتنا
فهى خضراء غابيَّةٌ فى ذراعيكِ عند انغلاق العناق علينا