مر مجنون على عابد يناجي ربه وهو يبكي
والدموع منهمرة على خديه وهو يقول: ربي لا تدخلني النار، فارحمني وأرفق بي،
يا رحيم يا رحمن لا تعذبني بالنار، إني ضعيف فلا قوة لي على تحمل النار
فارحمني، وجلدي رقيق لا يستطيع تحمل حرارة النار فارحمني، وعظمي دقيق لا
يقوى على شدة النار فارحمني ضحك المجنون بصوت مرتفع، فالتفت إليه العابد
قائلاً: ماذا يضحكك أيها المجنون ؟؟
قال: كلامك أضحكني
فردَّ العابد: وماذا يضحكك فيه ؟
قال المجنون: لأنك تبكي خوفًا من النار
قال: وأنت ألا تخاف من النار ؟
قال المجنون : لا، لا أخاف من النار
ضحك العابد وقال: صحيح أنك مجنون
قال المجنون : كيف تخاف من النار أيها العابد وعندك رب رحيم، رحمته وسعت كل شيء ؟
قال العابد : إن عليَّ ذنوبًا لو يؤاخذني الله بعدله لأدخلني النار، وإني
أبكي كي يرحمني ويغفر لي ولا يحاسبني بعدله بل بفضله ولطفه، ورحمته حتى لا
أدخل النار ؟؟
هنالك ضحك المجنون بصوت أعلى من المرة السابقة انزعج العابد وقال: ما يضحكك ؟
قال: أيها العابد عندك ربٌّ عادلٌ لا يجور وتخاف عدله ؟ عندك ربٌّ غفورٌ رحيمٌ تواب، وتخاف ناره ؟
قال العابد: ألا تخاف من الله أيها المجنون ؟
قال المجنون: بلى إني أخاف الله ولكن خوفي ليس من نار
تعجب العابد وقال: إذا لم يكن من ناره فمِمَّ خوفك ؟
قال المجنون: إني أخاف من مواجهة ربي وسؤاله لي، لماذا يا عبدي عصيتني ؟
فإن كنت من أهل النار فأتمنى أن يدخلني النار من غير أن يسألني، فعذاب
النار أهون عندي من سؤاله سبحانه، فأنا لا أستطيع أن أنظر إليه بعين خائنة،
وأجيبه بلسان كاذب, إن كان دخولي النار يرضي حبيبي فلا بأس , تعجب العابد
وأخذ يفكر في كلام هذا المجنون
قال المجنون: أيها العابد سأقول لك سرًّا، فلا تذِعه لأحد
فقال العابد: ما هو هذا السرُّ أيها المجنون العاقل ؟
فردَّ المجنون: أيها العابد إن ربي لن يدخلني النار أتدري لماذا ؟؟
قال العابد: لماذا يا مجنون ؟
فردَّ عليه: لأني عبدته حبًّا وشوقًا، وأنت يا عابد عبدته خوفًا وطمعًا،
وظني به أفضل من ظنك، ورجائي منه أفضلُ من رجائك، فكُن أيها العابد لما لا
ترجو أفضل مما ترجو، فموسى عليه السلام ذهب لإحضار جذوة من النار ليتدفأ
بها فرجع بالنبوة، وأنا ذهبت لأرى جمال ربي وعظيم صنعه فرجعت مجنونًا، ذهب
المجنون يضحك، والعابد يبكي، ويقول: فسوف أكتب كلامه بالدمــــوع, لأنه
المجنون الذي ابكى العقلاء.
لكن تلك قصة مجنون ونحن يجب ان نعبد الله حبا له وشوقا اليه وخوفا من عذابه
ورجاء في رحمته فعبادة الله بالحب والخوف والرجاء والخشية وغيـر ذلك
من أنواع العبادة والكثير يعتقد انه يجب عبادة الله فقط لاننا نحبه ونشتاق
اليه والاخر يظن اننا نعبده طمعا واخر يعبده خوفا بل يجب ان نعبده لانه حق
علينا عبادته تضرعا وخفية ورغبا ورهبا ونعبده خشية وخوف, وحبا لملاقاته
فمحبة الله أعظم منازل العبادة وليست كل العبادة ونبكي على ما أذنبنا لعل
الدموع تنجينا من عذاب أليم.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من مؤمن يخرج من عينيه مثل رأس الذبابة من الدموع فيصيب حر وجهه إلا حرم الله عليه النار
و قال عليه السلام ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دمع خرجت من خشية الله و
من قطرة دم سفكت في سبيل الله و ما من عبد بكى من خشية الله إلا سقاه الله
من رحيق رحمته و أبدله ضحكا و سرورا في جنته و رحم الله من حوله و لو كان
عشرين ألفا و ما اغرورقت عين في خشية الله إلا حرم الله جسده على النار و
إن أصابت وجهه و لم يرهقه قتر و لا ذلة و لو بكى عبد في أمة لنجى الله تلك
الأمة ببكائه
و قال عليه السلام من بكى من ذنب غفر الله له و من بكى خوف النار أعاذه
الله منها و من بكى شوقا إلى الجنة أسكنه الله فيها و كتب له أمانا من
الفزع الأكبر و من بكى من خشية الله حشره الله مع النبيين و الصديقين و
الشهداء والصالحين و حسن أولئك رفيقا
و قال عليه السلام البكاء من خشية الله مفتاح الرحمة و علامة القبول و باب الإجابة
و قال عليه السلام إذا بكى العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه الذنوب كما يتحات الورق فيبقى كيوم ولدته أمه
عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما من شيء إلا و له كيل و وزن إلا الدموع
فإن القطرة منها تطفئ بحارا من نار و إذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق
وجهه قتر و لا ذلة فإذا فاضت حرمة الله على النار و لو أن باكيا بكى في أمة
لرُحموا
الدنيا ثلاثة أيام , أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه.