يا لها من نعمة كبرى تصوِّرها تلك اللوحات الرمضانية اليومية الجميلة، التي يرتسم فيها اجتماعُ العائلة مع الصغير والكبير، المقيم والعائد، القرابة والأصدقاء.. لوحات تتوسطها طاولة مستديرة، يتهامسون عليها بدعوات الصائمين، وأجمل الذكريات من الأجداد، وأطرف المواقف من الأبناء.
قد تكون مائدة واحدة، أو موائد عدة: قِسْم النساء، قِسْم الرجال، مائدة تجمع الخدم، وأخرى تجمع أهالي الحي، وخامسة وعاشرة.. تتعدد الموائد، والهدف واحد، هو "الاجتماع"، والأنس بشهر الصلات وتقوية الأواصر، الداخلة في زمرة العبادات الجليلة في شهر مضاعفة الأجر والخيرات. لكن باجتماعنا وأُنْسِنا، وعلى موائدنا أصنافُ الكماليات من المطاعم والحلويات، يتبادر إلى أذهاننا صورة على النقيض من اللوحة "المبهرجة" التي أمامنا، صورة تفتقر حتى إلى الضروريات "شق تمرة"، و"كوب ماء" و"لبن"!
صورة زادها الصيام صيامًا على بلواها، ونكبتها في الجوع والحاجة؛ فتبدلت لوحة اجتماعهم الباسم لآخر باكٍ، وعند الاقتراب منها يتعالى صوت الأطفال الجياع، وآلام المسنين، وإبصار حسرة الآباء، ودموع الأمهات الحيارى اللواتي أشغلهن الجوع بالتفنُّن في مداراته عن أطفالهن وأنفسهن، بالحجر والشجر، وربط العصائب على البطون، وعن اغتنام شهر الصيام وطاعاته؛ فتراه مبعثرهم، تاركاً جسدًا ملقى هنا وآخر محتَضرًا هناك.
إنه دوركم يا كرام في شهر البر والإحسان، إنه وقتكم، إنه شهركم، إنها ساعتكم لتُبدِّلوا بلوحاتهم الحزينة أخرى سعيدة، بسخائكم، بصدقاتكم، بدعواتكم..
لا تنسوا إخوانكم في الصومال وغيرها من بقاع المسلمين بكل ما تملكون وتستطيعون، وأنتم أهل الوفاء والإيمان.
إلى من ينفقون الآلاف على توافه الأمور التي امتلأت بها تقارير الصحف: خاتم زفاف بقيمة 380 ألف ريال، عربي يشتري قطعة ملابس داخلية بقيمة 30 ألف دولار، وبرامج المسابقات، والتصويت؛ لإنقاذ فلان وفلان، والقائمة تطول.. أنقذوا بهذا الإسراف قرية بأكملها، أطفالاً يصارعون الجوع الذي يهاجمهم بلا هوادة، الأمهات الحائرات، والآباء المنكوبين.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن تصدَّق بِعَدْل تمرةٍ من كَسْبٍ طَيِّب - ولا يقبل الله إلا الطَّيِّب - فإن الله يقبلها بيمينه، ثمَّ يُرَبِّيهَا لصاحبها، كما يُرَبِّي أحدُكُم فَلُوَّهُ، حتى تكون مثل الجبل". متفق عليه.
............
ربي ساّمِحني عِندَمَاّ أَحزَن عَلّى شَيء أَرَدَتَـُه
وَ لَم تَكتُبُه لِي....