الــصلــح بـيــــن الـــمـؤمـنيــن
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ، بساما، يضحك لمن حوله ويقول» الشحناء ليست من شأني» ، وفي نفس الوقت كان يحزن ويغضب حزنا وغضبا نبويا نبيلا تبدو دموعه فيه وكأنها مطر يطهر الكون، وابتساماته وضحكاته وأحزانه وأفراحه وغضبه- عليه الصلاة والسلام- متنوعة وكثيرة وفيها من المواقف التي ترد علي فقهاء النكد والمتجهمين والمكتئبين والواضح أن النبي rاتسم برقة القلب ، فكان يتأثر بما يتأثر به البشر ، فيفرح ويبكى ويضحك ويحزن ويغضب ، ولكن لم يكن فرحه أو بكاؤه أو حزنه أو غضبه شهيقا ورفع صوت ، كما لم يكن ضحكه قهقهة ، ولكن كانت تدمع عيناه r ويسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل ، وفى هذه الزاوية نرصد المواقف التي فرح وحزن وضحك وبكي وغضب فيها النبي r ، حتى نأخذ منها العبرة والعظة وتكون لنا المثل والقدوة،نرصدها طوال شهر رمضان.
يقول أنس بن مالك – رضى الله عنه – بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس إذ رأيناه يضحك حتى بدت ثناياه.. ، فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبى أنت وأمى؟. فقال – صلى الله عليه وسلم- : «رجلان من أمتى جثيا بين يدى رب العزة تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لى مظلمتى من أخى، فقال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته، قال: يا رب لم يبق من حسناتى شئ، فقال الله تبارك وتعالى للطالب: فكيف نصنع ولم يبق من حسناته شئ؟، قال: يا رب فليحمل من أوزارى». قال: ففاضت عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم – بالبكاء،، ثم قال: «من يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك وانظر فى الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأى نبى هذا؟ أو لأى صديق هذا؟، أو لأى شهيد هذا؟، قال: هذا لمن أعطى ثمنه..، قال: يا رب ومن يملك ثمنه؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا يا رب؟، قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإنى قد عفوت عنه. قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فادخلا الجنة»،.. ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين.
أهل الجاهلية
يذكر مجدى محمد الشهاوى فى كتابه «مواقف بكى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضى الله عنهم» عن الوضين أن رجلاً أتى النبى – صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان، فكنا نقتل الأولاد، وكانت عندى ابنة لى، فلما أجابت – وكانت مسرورة بدعائى إذا دعوتها- فدعوتها يوماً فاتبعتنى، فمررت حتى أتيت بئراً من أهلى غير بعيد، فأخذت بيدها فرديت بها فى البئر، وكان آخر عهدى بها أن تقول: يا أبتاه يا أبتاه. فبكى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حتى وكف دمع عينيه. فقال له رجل من جلساء رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: أحزنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم- : «كف، فإنه يسأل عما أهمه». ثم قال له: «أعد على حديثك». فأعاده. فبكى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته.. ، ثم قال: «إن الله وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف العمل».
اقرأ على القرآن
وأخبر الطبرانى فى كتاب «الكبير» عن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه – قال: قال لى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «اقرأ على القرآن». فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك، وعليك أنزل؟!. فقال – صلى الله عليه وسلم - : «نعم، فإنى أحب أن أسمعه من غيرى». قال ابن مسعود، فافتتحت سورة النساء، فقرأت عليه، فلما بلغت: «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا» فإذا عيناه – صلى الله عليه وسلم- تذرفان. وفى رواية عن فضالة الظفرى: فبكى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى اضطرب لحياه، فقال: «أى رب شهدت على من أنا بين ظهريه، فكيف بمن لم أر؟».
حاق الجوع
وروى ابن حيان فى «صحيحه» عن ابن عباس – رضى الله عنه – قال: خرج أبو بكر بالهاجرة إلى المسجد، فسمع بذلك عمر فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجنى إلا ما أجد من حاق الجوع، قال: وأنا والله ما أخرجنى غيره. فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال: «ما أخرجكما هذه الساعة؟». قالا: والله ما أخرجنا إلا ما نجد فى بطوننا من حاق الجوع. فقال – صلى الله عليه وسلم- : «وأنا والذى نفسى بيده ما أخرجنى غيره، فقوما». فانطلقوا حتى أتوا باب أبى أيوب الأنصارى، وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – طعاماً أو لبناً، فأبطأ عنه يومئذ فلم يأت لحينه فأطعمه لأهله وانطلق إلى نخلة يعمل فيها، فلما انتهوا إلى الباب خرجت امرأته فقالت: مرحبا بنبى الله – صلى الله عليه وسلم- وبمن معه. فقال لها نبى الله – صلى الله عليه وسلم-: «فأين أبو أيوب؟». فسمع وهو يعمل فى نخل له، فجاء يشتد، فقال: مرحباً بنبى الله – صلى الله عليه وسلم – وبمن معه،.. يا نبى الله ليس بالحين الذى كنت تجئ فيه! فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم- : «صدقت». فانطلق أبو أيوب فقطع عذاقاً من النخل فيه من كل التمر والرطب والبسر.. فقال النبى – صلى الله عليه وسلم – : «ما أردت إلى هذا؟، ألا جنيت لنا من تمره؟». فقال: يا نبى الله أحببت أن تأكل من تمره ورطبه وبسره، ولأذبحن لك مع هذا. فقال – صلى الله عليه وسلم- : «إن ذبحت فلا تذبحن ذات در». فأخذ عناقا أو جديا فذبحه، وقال لامرأته: اخبزى واعجنى لنا، وأنت أعلم بالخبز، فأخذ الجدى فطبخه وشوى نصفه، فلما أدرك الطعام وضع بين يدى النبى – صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فأخذ من الجدى فجعله فى رغيف فقال: «يا أبا أيوب أبلغ بهذا فاطمة فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام». فذهب به أبو أيوب إلى فاطمة فلما أكلوا وشبعوا قال النبى – صلى الله عليه وسلم- : «خبز ولحم وتمر وبسر ورطب!- ودمعت عيناه – صلى الله عليه وسلم – والذى نفسى بيده إن هذا لهو النعيم الذى تسألون عنه يوم القيامة». فكبر ذلك على أصحابه – رضى الله عنهم – فقال- صلى الله عليه وسلم - : «إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا: باسم الله، وإن شبعتم فقولوا: الحمد لله الذى هو أشبعنا وأنعم علينا وأفضل، فإن هذا كفاف بها». فلما نهض قال لأبى أيوب: «ائتنا غداً».
وكان لا يأتى إليه أحد معروفاً إلا أحب أن يجازيه..، قال: وإن أبا أيوب لم يسمع ذلك، فقال عمر: إن النبى – صلى الله عليه وسلم – أمرك أن تأتيه غداً.. ، فأتاه من الغد فأعطاه وليدته فقال: «يا أبا أيوب استوص بها خيراً، فإنا لم نر إلا خيراً ما دامت عندنا». فلما جاء بها أبو أيوب من عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: لا أجد لوصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خيراً من أن أعتقها..، فأعتقها.