الــــذكـــــــر
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } ،{ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم }، { والذاكرين الله كثير والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } يأمرنا -عز وجل- بالإكثار من الذكر الذى هو ما يجرى على اللسان والقلب ، من تسبيح الله تعالى وتنزيهه وحمده والثناء عليه ووصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال والجمال. وأخبر أنه يذكر من يذكره فقال :{ فاذكرونى أذكركم } ، وقال فى الحديث القدسى الذى رواه البخارى ومسلم : «أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه حين يذكرنى،فأن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه ،وإن اقترب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا ،وإن اقتربت إلى ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتانى يمشى أتيته هرولة».
وأنه سبحانه اختص أهل الذكر بالتفرد والسبق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سبق المفردون». قالوا: وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : « الذاكرون الله كثيرا والذاكرات» رواه مسلم. والذكر رأس الأعمال الصالحة ، ومن وفق له فقد أعطى منشور الولاية ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ويوصى الرجل الذى قال له : إن شرائع الإسلام قد كثرت على .فأخبرنى بشىء أتشبث به؟ فيقول له :» لا يزال فوك رطبا من ذكر الله ، ويقول لأصحابه : ألا أنبكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعه فى درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ،ويضربوا اعناقكم»؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : « ذكر الله « رواه الترمذى
والذكر سبيل النجاة ، فعن معاذ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :» ما عمل آدمى عملا قط أنجى له من عذاب الله ، من ذكر الله عز وجل « رواه أحمد
ويذكر السيد سابق فى كتابه « فقه السنة «أن المقصود من الذكر تزكية الأنفس وتطهير القلوب ،وإيقاظ الضمائر . و يشير ذلك قوله تعالى {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر } أى أن ذكر الله فى النهى عن الفحشاء والمنكر أكبر من الصلاة ذلك أن الذاكر حين ينفتح لربه جنانه ويلهج بذكره لسانه يمده الله بنوره فيزداد إيمانا على إيمانه، ويقينا إلى يقينه ، فيسكن قلبه للحق ويطمئن به { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ،ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.وإذا اطمأن القلب للحق اتجه نحو المثل الأعلى ، وأخذ سبيله إليه دون أن تلفته عنه نوازع الهوى ، ولا دوافع الشهوة.
ويستحب أن يكون الذكر سرا لا ترتفع به الأصوات لقوله تعالى { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودول الجهر من القول بالغدو والآصال ، ولا تكن من الغافلين} وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الناس رفعوا أصواتهم بالدعاء فى بعض الأسفار ، فقال :» يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم ،فنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ،إن الذى تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته». ومن الأدب أن يكون الذاكر نظيف الثوب طاهر البدن طيب الرائحة ،فان ذلك مما يزيد النفس نشاطا ، ويستقبل القبلة ما أمكن ، فأن خير المجال ما استقبل به القبلة.
وكذلك يستحب الجلوس فى حلق الذكر عن ابن عمر رضى الله عنهما ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :» إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا». قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال :» حلق الذكر، فان لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر .فإذا أتوا عليهم حفوا بهم «.وعن أبى هريرة رضى الله عنه :أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :» ما قال عبد : لا إله إلا الله مخلصا إلا فتحت له أبواب السماء حتى يفضى إلى العرش ما اجتنبت الكبائر» رواه الترمذى
وعن فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير عن أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :» استكثروا من الباقيات الصالحات « . قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال :» التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله « رواه النسائى
ويذكر فى كتاب « فضائل الأعمال « للحافظ ضياء الدين من فضائل الذكر فى جميع الأوقات ، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، فى يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان فى يومه ذلك حتى يمسى ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به ،إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال سبحان الله وبحمده فى يومه مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر «رواه البخارى ومسلم
وعن تميم الدارى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،إلها واحدا أحد صمدا ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد ، عشر مرات ، كتب الله له أربعين ألف حسنة «رواه الترمذى
أما عن فضل الاستغفار فعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال :» من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب».رواه ابن ماجة والنسائى
وعن الذكر المضاعف وجوامعه عن جويرة رضى الله عنها : أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ، ثم رجع بعد أن أضحى وهى جالسة . فقال :» ما زلت على الحال التى فارقتك عليها؟ قالت : نعم . قال النبى : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته « رواه مسلم وأبو داود
فضل عد الذكر بالأصابع عن بسيرة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :» عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ، ولا تغفلن فتنسين الرحمة ، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ، ومستنطقات «. وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه « رواهما أصحاب السنن
ومن الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :» ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على النبى صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة» رواه الترمذى
أما عن ذكر كفارة المجلس ، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :» من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك ،اشهد أن لا إله إلا أنت ،أستغفرك وأتوب إليك ، إلا كفر الله له ما كان فى مجلسه ذلك».