التسوّق بين الفتنة والمتعة
كان من الصحابة من يأتي السوق لإقامة ذِكـرِ الله حال الغفلة .
فقد كان ابن عمر يقول : إني كنت لأخرج إلى السوق وما لي حاجة إلا أن أُسلِّم
ويُسلَّم عليّ . رواه ابن أبي شيبة .
وكان بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يُكبر ويُسبِّح ويذكر الله تعالى ، فقال
له رجل : يا أبا بكر في هذه الساعة ؟ قال : إنها ساعةُ غفلة .
وكانت الأسواق تُذكرهم بالآخرة ، فإن ابن مسعود رضي الله عنه ما خرج إلى
السوق فمرّ على الحدادين فرأى ما يُخرجون من النار إلا جعلت عيناه تسيلان .
وكان طاووس اليماني إذا مرَّ في طريقه على السوق فرأى تلك الرؤوس المشوية لم
ينعس تلك الليلة .
وكان عمرو بن قيس إذا نظر إلى أهل السوق بكى ، وقال : ما أغفل هؤلاء عما
أُعِـدّ لهم .
وإنما كانوا يحرصون على إقامة ذكر الله في الأسواق لأنها مواطن غفلة ولغو
ولهو ، ويعظم أجـر الذّاكرِ لله في مواطن وأوقات الغفلة ، ولذا كانت صلاة
الضحى تعدل 360 صدقة ، كما في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال : يُصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ؛ فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة
، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر
صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى . رواه مسلم .
ومن هذا الباب عِظم أجر الذاكر في السوق .
قال محمد بن واسع قدمت مكة فلقيت بها سالم بن عبد الله بن عمر فحدثني عن أبيه
عن جده عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من دخل السوق فقال : لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، لـه الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا
يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير . كَتَبَ الله له ألفَ ألفَ حسنة ورفع
له ألفَ ألفَ درجة ، وبَنى له بيتا في الجنة قال محمد بن واسع : فقدمت خراسان
فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت : أتيتك بهدية ، فحدثته الحديث . قال : فكان قتيبة
يركب في موكبه حتى يأتـيَ السوق ، فيقولَها ، ثم ينصرف .
قال الذهبي : هذا إسناد صالح غريب . والحديث حسنه الألباني .
وروى ابن أبي شيبة عن أبي قلابة : قال التقى رجلان في السوق ، فقال أحدهما
لصاحبه : يا أخي تعال ندعو الله ونستغفره في غفلة الناس لعله يُغفر لنا ،
ففعلا ، فقُضيَ لأحدهما أنه مات قبل صاحبه ، فأتاه في المنام ، فقال : يا أخي
أشعرت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق .
وقال عبد الله بن أبي الهذيل : إن الله ليحب أن يُذكر في الأسواق ، وذلك
لِلَغطِ الناس وغفلتِهم ، وإني لآتي السوق ومالي فيه حاجة إلا أن أذكرَ الله
.
قال حميد بن هلال : مثل ذاكر الله في السوق كمثل شجرة خضراء وسط شجر ميت .
ولما دخل الحسن بن صالح السوق فرأى هذا يخيط وهذا يصنع ، بكى ، ثم قال : انظر
إليهم يُعللون حتى يأتيَهم الموت .
وكان مالك بن دينار يقول : السوق مكثرة للمال مذهبة للدِّين .
فاحذورا اخواني اخواتي المسلمين
ولا تتركوا اعمالكم تضيع هباء بعد الافطار
تقبلوا خالص التقدير