اشكرك صدى الامواج على روعة الانتقاء والتي من الكلمات الاولى احس انها رواية تستحق القراءه
ولتخفيف العناء على القارئ صدى الامواج
لنضعها كلها بالمنتدى على اربعة فصول
مع الاحترام للكاتب والناشر بحفظ حقوق النشر لمدونة رحيل الصمت
سيدة الحرية
RAHEEL الفصل الاول
الرابع عشر من يونيو عام 1424هـ في العاصمة السعودية الرياض..أفقت من نومي على صوت أذان الفجر,لم أتحرك من سريري ولم افتح حتى عيناي,بقيت اردد خلف الأذان وكأن المدينة استيقظت وسكنت في خشوع..,
بعد عدة دقائق فتحت عيناي بسرعة..وكأنني الآن فقط تذكرت أن اليوم هو السبت..وسوف اذهب للمدرسة..
قطبت حاجباي بوقت لم تكن فيه ملامحي استيقظت..فكانت حركة مفاجأة انتهت بنهوضي ..
علَ انزعاجي ينتهي بتأديتي الصلاة..
بعد ذلك عدت للنوم وأنا اردد
“وش يصير لو غبت اليوم يعني بتزعل الدنيا؟؟”
تزعل الدنيا؟؟هنا ضحكت لتلك الجملة الغريبة التي فاجأتني..
ولكن بالنهاية لم تكن الدنيا بل كانت امي..!
لكنني استطعت بعد مشهد كاذب ان أتغيَب عن المدرسة!
عند الساعة العاشرة صباحاً..
كنت قد استيقظت وتناولت فطوري وحدي وبيدي مجلة قديمة لم أجد فيها مايقرأ سوى مقالة عنوانها هل الحرية في مجتمعنا مطلوبة؟
وقفت لأصعد لغرفتي وذلك التساؤل يتردد في عقلي الصغير!!!
كحياة الجميع بدأت حياتي…طفولة بريئة..قد ينغص صفوها سؤال يكبرها بسنوات كما أتذكر الآن ذلك السؤال الذي أرهقني حينها..!
مرت عدة أشهر والهدوء الذي كنت امقته كان مسار لها.. فلم أكن
اعلم أن القدر سينزع ذلك الهدوء ليشتت السكون من حولي..!
تلك الأيام لم يكن شيئاً يشغل بالي سوى تلك المقالة التي تحدثت عن الحرية..
حتى أصبحت كل تفكيري… وهذا ماسترونه لاحقاً…
ليبدأ عداد الدقائق الغامضة لتبدأ القصة باستضافة قلمي!…
.-.
“مضت عدة أيام”…
( 1 )
::::خطوات الساعة:::::
تمضي خطوات الساعة بثقة كبيرة…وأنا عاجزة عن إيقاف دقيقة واحدة من عمري لأقف في مواجهة حاسمة مع ذلك الشخص الذي يسكنني!!
أقف بثقة أمام تلك الروح التي تقبع تحت ذلك الكم من العظام التي ترسمني!!
وأحكي ما لم يستطيع لساني نطقه!!
.ـ.
.ـ.
أغمضت عيني في محاولة فاشلة لاستقطاب ثانية واحدة من تلك الثواني السريعة الغير عابئة بمن خلفها!!
ولكن كما هو الحال في كل مرة..
لا تحدث أيّ مواجهة!!
ولكن… فوجئت هذه المرة بامتداد يدي نحو تلك الساعة الجالسة بهدوء على احد الرفوف
والأفكار تطوقني بجنون!!
فتعبث أطراف أصابعي بهدوء دفع برقية سريعة لذاته..متنبأ لعاصفة ما…!
ليتوقف الزمن على عقاربها!!
فتسقط محطمه….فتموت..!
تموت..
تموت..
ليموت العقرب المجتهد الذي ضلّ عمره في الدوران حولها..
العقرب الشقيّ الذي شقيَ منذ ولادته..
لاهثاً..
فقط ليصنع الوقت!!
فيمضي البشر لاهثين في استغلاله!!
حتى حدث ذلك الشيء العظيم في حياتهم!!
وهو ما يسمى بالنظام..!!
النظام…!
عندما تردد صدى تلك الكلمة في عقلي
اجتاحتني رغبة عظيمة في تحطيم جميع الساعات في العالم..لأخفي ملامح الوقت..!
لنعيش في حرية تامة…
فلا دقائق نسمع خطاها..!!
ولا ثواني تسبقها..غير آبهة بمن مضى عمره يتبعها!!
فيأتي الموعد الذي أراه يتحدد دون الرجوع إلى تلك السيدة التي طالما احترمها الناس دوماً .. ساعة..!
لنذهب…
…. إلى حريتنا…!
وداعاً لكِ سيدتي ساعة…فاعذريني لا أجد بك وقت لأسجل به لحظة وفاتك!!
وهاقد حققت حلمي منذ زمن..
أتعلمين من أنا سيدتي؟!
إنني سيدة الحرية..!!
.ـ.
.ـ.
.ـ.
نعم…سيّدة الحرية…
رغم قصة النظام التي أعيشها منذ طفولتي..!
ولكنه يبقى حلم الطفولة التي كبر معي…!!
.ـ.
.ـ.
..كلَما أخذت مني والدتي لعبتي لأنام…كررت بسأم
ليتني أعيش بحرية!!
..كلما وُبّخت في المدرسة لم أكتب واجبي…كررت…
ليتني أعيش بحرية!!
كلما ذهبت لمكان لا أرغب بالتواجد فيه…كررت …
ليتني أعيش بحرية..
باختصار….
كلما اُجبرت على شيء لا أرغب به كررت..
ليتني أعيش بحرية..!
كبرت وكبرت معي تلك الحروف..فاتسعت عيناي للواقع أمامي..
رأيت ما يعجبني بالتلفاز من أماكن ليصرخ صوت في داخلي…
ليتني أعيش بحرية!!
رأيت برامج تعرض حالات السجناء..ويقف مذيع بائس يسأل سجين..ماذا تريد من الدنيا؟!
ليجيب بيأس:
..أريد الحرية..
أحسست أن الجميع يريد ذلك..ويفكر كما أفكر أنا..!!
لتقف هذه الكلمة سيَدة لأفكاري.. فأبتسم..
إنني حتماً سيّدة الحرية..!!
..×..///..×..///..×..///..×..///..×..
كان عقلي الصغير لايستوعب أكثر من معنى واحد لتلك الكلمة… وكان المعنى الأجمل.. كنت صغيرة.. لم أتجاوز الرابعة عشر من عمري…
هل تساءلت أعينكم كيف لفتاة بعمري أن تفكر بالحرية وتعيش قصصاً معها بهذا العمر!!
الم تسمعوا والدتي يوماً وهي تردد بتعجب:
(انتي من وين تجيبين هالافكار؟ اللي يسمعك يقول هذي وحده ضاع شبابها بالسجن!)
كنت اضحك على كلماتها والفكرة تأبى التزحزح عن صدر أفكاري..!
ما أطيب الجلوس معك يا أمي..!
أحبكِ..!!
..!
عفواً خارج النص!!
..ولكن لم أرضى بأن تحذف هذه العبارة مهما كان الموضوع…فقط لأنها أمي..ولأنني هنا فقط حُرَة!!
حسناً..
انا”رسيل”… أقيم في المملكة العربية السعودية.. وتحديداً الرياض..
أٌلقَبْ ب”سيّدة الحرية”..
“بيني وبينكم محد لقبني بهاللقب..ويمكن محد يعرفه اصلاً لكن …مدري يمكن كان سؤال ليش ما اكون حرَه..تحول محور حياتي البسيطة!”
إلى هنا اكتفي.. سأخبركم بالمزيد لاحقاً..
كل شيء..
لا تتعجبوا..
فأنا بسرعة امنح الثقة لمن يقف أمامي.. وهو أمر ندمت عليه كثيراً…
لكم ثقتي الآن..
أقدمها لكم على طبق من حروف..!
لنكن أصدقاء حتى أخبركم بدون حواجز أو خجل!!
والآن..
اسمحوا لي..
لي عودة لكم ولكن يجب أن أنام..
فلا أريد أن يزورني ذلك الضيف الثقيل في المدرسة..
….النعاس….!
أرأيتم!!
ماذا لو كنت حقاً حرَة!!
حتماً كنت سأكمل لكم…
فلازلتم لا تعرفون عني شيئاً…!
أعلم أيُ أسئلة تدور الآن في مخيلتكم!
لكن دعوا السطور تأخذ لها مكاناً…
فلابد من الذهاب للمدرسة غداً…طالما كرهت ذلك!! ولكن متى سيتحقق حلمي!!
حطمت ساعاتي بالأمس ولكنني لم أكن حتى اليوم
“سيدة الحرية”
ِAlsamt..×..///..×..//..×..///..×..Raheel
( 2 )
.ـ.
.ـ.
استيقظت هذا الصباح بمزاج سيء جداً كما هو الحال كل صباح مدرسي!!
أمسكت ببطء شعري فأخذت أغرس أسنان الفرشاة فيه بملل شديد..
.ـ.
.ـ.
بعد أن انتهيت من العمل اليومي الممل وأنا بصورة جيده..
بل رائعة!
فجميع الطالبات هنا…منذ دخولي المرحلة المتوسطة.. الجميع .. إلا من رحم ربي!!
يصببن جل اهتمامهن على مظهرهن…
مما قد لايليق بمكان تترأسه الكتب المدرسية!!
كل صباح!!
ولست مستثنية من ذلك..!!
.ـ.
.ـ.
إنني قد رسمت ملامحي بجنون..
وقفت أمام المرآة..
إنني رائعة!!
لكنّ عيناي ناعسة هذا الصباح..
فهي لم تستيقظ بعد..!
وفي مرات كثيرة اذهب للمدرسة وأعود وهي لا تزال ناعسة..أو في سباتها العميق!!
اووه .. لقد تأخرت.. أقفلت باب غرفتي ورميت المفتاح في حقيبتي…
كما افعل دوماً..لا لسبب ولكن أخاف أن تستغل والدتي غيابي فتعيد ترتيب
غرفتي..أو أن تزيل الفوضى التي اعتدت عليها..فلا يجب أن يدخلها النظام..!
.ـ.
.ـ.
مررت مسرعة بأمي..وضعت قبلة على رأسها وبسرعة أكبر خرجت
وقد خيّل لي أنها تردد:
“حفظكِ الله”!
بتلك السرعة ركبت السيّارة وأغلقت الباب وأنا أقول:
“صباح الخير”
“صباح الخيرات”
“اووف ياليتني أغيب”
أجابني بتفكير وهو يغالب النعاس:
“أي والله ياحلو الغياب”
التفت عن ..”بدر”..لأقول للسائق:
“أول بدر بعدين أنا”
حرك رأسه بتفهم فهذه الكلمات ارددها في كل مرة..!
بدر-”أول رسيل بعدين أنا …. مدرسة رسيل بعيد”
مسكين ذلك السائق..يومياً يستمع لأوامر متضادة.. ..
“بدرووه ليش تروح قبلي أنا مالي خلق احضر الطابور”
رد وهو يضغط على رأسه كمن يزيل اثر الصداع
“وانا مالي خلق أروح أصلاً”
“خلاص وش رايك نروح البر..ونقعد للظهر”
قلتها بانفعال حتى أفاقت عيناي الناعسين..
لينظر إليّ بسخرية:
“صاحيه انتي وش نسوي هناك؟ بعدين واذا درت امي…؟
أقوول اسكتي مالي خلق”
كنت اعلم انه يود ذلك أيضاً..لذا أثاره الحديث ولم يرد حتى التفكير فيه..لكي لا يستجيب..فتحدث الكارثة من ِقبل أمي..!!
نعم أمي.. كل ما نفعله لأجلها.. أطال الله بعمرها..إذن لنذهب إلى المدرسة…
ولكن ليتها تتحقق امنيتي…!
كنت افكر فيها ذلك اليوم بأكلمة واعرضها على صديقاتي وانا لا أزال اذكر
ملامحهن الضاحكة على جنوني الصباحي..كما علقت عليه “دانه” أغلا صديقاتي منذ
ذلك الحين..!
لكن بالطبع لم اذهب ولا الايام التي تلتها..
لكنه يبقى المكان الذي احبه رغم جفافه وفراغه..ويريحني كما يريح البحر أهل السواحل..!
فانا حقاً أحبه..
قطع حبال أفكاري قبل أن تلتوي عند كلمة ( أحبه)!
صوت السائق الذي بت اكرهه لأنه يومياً يقودني إلى حيث لا اريد!!!
لكم أبغضتهم جميعاً حينها!
.ـ.
.ـ.
إذن لم أخبركم عن بدر..
انه أخي الذي يكبرني بثلاث سنوات.. أي في بداية المرحلة الثانوية
أخي الوحيد.. كما انني اخته الوحيدة..!
ونشترك في كره شيء اسمه مدرسه..!!
هذا كل شي الآن!
.ـ.
.ـ.
على الغداء..
قالت امي بأسلوب لا احبه:
“اقـول.. كم باقي على الامتحانات…؟!”
“… … …”
“أشوفكم سكتوا..!”
ألقيت نظرة عابره على بدر لتضيق ملامحنا فيقول بدر:
“ثلاث أسابيع”
ضحكت أمي على تغير ملامحنا من سؤالها..
“الله يعين”
قلتها لأسمع بدر يقول بصوت منخفض:
“عاد ياللي تذاكرين”
“إيه بذاكر تراني بروح لسنه جديده مابي اقعد بأولى”
أمي-”الله يوفقك”
بدر-”اييه هيّن..كل سنه تقولين هالكلام..وننصدم بالنتيجه”
“بدرووه اسكت لا تفتح الباب لامي تراها جاهزه لأي شي!”
امي-”لا..وقدامي بعد..! أنا اوريك من الحين تبدين تذاكرين يالله”
بدر-”هههه تراها مو توجيهي خليها إن بغت ترسب”
قلت-”اسكت ويا وجهك انت..! انت اللي بترسب ترا الثانويه مش سهله”
بدر بسخرية-”احلفي ههه والله تضحكين..توك جمعتي معلومات عن الثانويه”
قلت-”اعرفها قبل تدخلها”
قاطعت أمي ذلك الطريق من الجدال الذي نخوضه يومياً لسبب أو بدونه لتقول:
“بدر حبيبي متى آخر مره شفت ابوك؟”
“قبل اسبوعين ..يوم رحت أنا ورسيل”
“ماتشوفه بالمسجد؟”
قلت مقاطعةً بمكر:
“يمه لا تحرجينه تراه يصلي بالبيت له اسبوع”
أمي-”اجل وين تروح وقت الصلاة”
بدر-”اتركيها ماعليك منها زين..لكن ابوي من زمان ماشوفه يمكن يروح مسجد ثاني”
أمي بقلق-”تتوقع رجع الشرقيه؟”
بدر-”يمه شفيك بيروح ومابيقولنا!”
أمي-” هذا اللي سمعته”
“شلوون يمه مين قالك؟”
أمي-”مدري خلاص لاتهتم بدري روح نام قبل العصر”
التفت لي بدر:
“وانتي روحي ذاكري اذا منتي نايمه”
قلت لامي برجاء:
“يمه مابي اذاكر واللي يسلمك”
قلت هذه الكلمات وليتني لم اقلها..!
لتبدأ في محاضرة لا تنتهي عن الاستعداد للامتحانات
بعد ذلك ذهب كل منا إلى غرفته..
.ـ.
.ـ.
.ـ.
أغلقت على نفسي الباب لأفكر في والدي..فلا أشعر بأي مشاعر اتجاهه..لا حُبْ و لا كره..
وحتى أنني..
لا اشتاق له مهما ابتعد…
فمنذ أن ترك والدتي.. وذهب ليعيش في إحدى مدن المنطقة الشرقية..
ونحن لا نشتاق له..ولا حتى نتعمد فتح موضوع يخصه..
سبع سنوات..وأمي صامته…
وسبب طلاقها مجهول بالنسبة لي ولبدر..! ولا نجرؤ حتى السؤال عن ذلك…
ولما السؤال أصلاً دعه بعيداً .. فلا سبب يقنعني بأن يترك والدتي غير أنه موضوع الجنون..!
أتعلمون.. لم يسألني أي شخص سابقاً..
لماذا والداك انفصلا..!
ربما لم يوجد ذلك الشخص في حياتي!
فلا صديقات لديّ صادقات…!
عندما استثني دانه يكون جميع من أجلس معهن بالمدرسة هنّ زميلات دراسة فحسب..!
عندما يفكرن بالسؤال عمَا يخصني..كان عن دفتري اومابيديَ!
قد أكون انطوائية لولم استثني دانه..!
دانه التي لاتجد الوقت للسؤال عن حالي لكثرة ماتشكي أحوالها..!
فقد كنت لها البلسم من تقرحات الزمن…
وهذا مايسعدني…رغم أنني اغلق فمي..حتى عند حاجتي للكلام..!
.ـ.
.ـ.
أحياناً اردد:
ليتني فتاة قصة!!
ولدي صديقة اخبرها بما تريد الكاتبة أن توصله لقرائها..!!
Alsamtِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
( 3 )
..
..
هربت أيام الامتحانات بعد أن سرقتنا المعلومات والراحة..
ولا ندري بأي ورقة تعود..!
(مرحبا بك يا محبوبتنا…)
الإجازة.. ..!
ما أجملك حبيبتي وأخيراً انتهيت من هذا العام..
.ـ.
.ـ.
“الله يستر من النتيجه”
قلتها لأرى بدر ينظر بتفكير وقد عقد حاجبيه..
” الخوف على امي…اخاف تصدمها الدرجات..!”
قلت له-”ليش..لا يكون بترسب مثلي؟”
بدر-”ههه مثلك؟ لا لا ما اتوقع لكن تعرفينها تطمح للأفضل .. لكن جد انتي بترسبين؟”
” ماأدري يا بدر لكن (تصنعت البراءة وأنا أقول)
معلمتي وضميرها..”
ضحك بدر “ضميرها هاه..؟ وانتي وش دورك؟”
“انا عملت اللي علي والباقي على الله.. .. تراني ذاكرت شوي”
“هههه.. ماقصرتي”
عندها دخلت والدتي وهي تقول:
“رسيل بتروحين لخالتك اليوم؟”
قلت-”ايييه ياليت والله”
بدر-”غريبة.!!رسيل وتفرح بالروحه لهم”
“شسوي يا بدر الملل ذابحني.. اف ماكنا معطلين”
امي-”مالك يومين معطله..بعدين اكيد لمى مشتاقه لك”
ابتسامة سخرية تتصدر ملامح بدر..لكني قلت باشمئزاز:
” تشتاق لي!! أصلاً أنا بروح أغير جو..لا أكثر..”
أمي-”بتكبر وبتعقل ان شاء الله انتي اكسبيها الحين..المهم بنروح بعد المغرب..بتروح بدري؟”
بدر-”بسلم وبخلي السواق يرجعني”
بعد ذلك ذهبت لأجهز أغراضي .. لنذهب لقلعة خالتي كما اسميها..
أتعلمون لمَ..!
بسبب كبر منزلها وشبه خلوه.. فخالتي بعد أن تزوجت ابنتاها وهي تعيش مع
زوجها وابنها مازن وهو قد انهى الثانوية هذا العام ..وبالطبع” لمى”…
لمى..
إنني اكره الاحتكاك بها..بأي طريقه..فهي منذ سنوات تفسد كل شيء يجمعنا..
رغم أنها تصغرني بسنتين..فلم تغادر جدران المرحلة الابتدائية..
.ـ.
.ـ.
هناك..
.ـ.
“متى الشهادة يا رسيل..!”
تغيرت ملامحي..إنني هنا هاربة من رائحة الامتحان والمدرسة..!
تسألني عن ما هو أمرّ وأدهى!!
“مدري خالتي أصلاً ماسألت..مابي اخذها الا اذا داومنا”
لمى بمداخلة-” أيـه كل الكسلانات كذا…”
رمقتها خالتي بنظرة تهديد..لابتسم بدوري..
فقلت
“إلا خالتي ماقلتي لي بتطلعون ويانا؟”
(كنت اقصد”البر” فوالدتي أخبرتني بذلك بالأمس)
“إن شاء الله إذا حالة امك تسمح بنطلع كلنا “
لحظه…
ماذا قالت..؟!
أقالت امي!!
وجهت أنظاري لوالدتي التي ابتسمت مطمئنة لعيناي المتلهفتان لقراءة أي كلمة من بين توترها..
” شفيك حبيبتي؟”
“يمه شفيك..؟!”
خالتي-”لا بس السكر أتعبها هاليومين.. لا تخافين امك قويه”
اتبعتها بضحكة غريبة..!
“شـ..شفيك؟”
قلتها متجاهلة أي كلمات تصدر من غير شفتيها اللتين اهتزت منذرة بشيء لا اعرفه..!
لأول مرة أرى والدتي هكذا..!
.ـ.
.ـ.
بعد كلمات أضيفت على نفس الموضوع انتهى الحوار وصدَقت..
صدَقت فقط لأنني أريد التصديق.. ..!
أمي كل ما تبقى لي من هذه الدنيا التي لم أتعرف عليها أكثر..ولا أريد..!
فلا أتصور دوماً سوى الامور البسيطة تأخير.غياب..جوع..!!!
فلا تزال الدنيا جميلة بعيني…
.ـ.
.ـ.
عندما عدنا..
دخلت الصالة لم أجد بدر..
ذهبت للمجلس أبحث عنه فوجدته مع صديقه “عمر” يتناقشان في موضوع جاد بعض الشيء..!
“بدر أدوّرك..”
رفع عينيه لي وهو يقول-”هااه بشري.. عساك لقيتيني ؟”
قلت وانا اضحك-” لا مالقيتك..اذا شفتك خبرني”
بدر_” ابشري”
عمر-”نحن هنا”
قلت بتمثيل طفولي-”زين لقيتك.. بسألك ماشفت بدر؟”
عمر-”يا قدمك..خبري به يوم كنا بالمدرسه..ياحليله شلونه الحين”
قلت_”مادري تشوفني أدوره”
بدر-”لووعه..شفيكم سامجين..يالله رسيلووه وش تبين تشوفينا مشغولين”
“مابي شي بس ادورك..واشوف وينك وبس”
بدر-”لقيتيني؟”
“اييه”
بدر-”خلاص اطلعي برا”
قلت بعصبية_” ثقيييل دم”
وأنا خارجة سمعت عمر يقول لبدر:
“هههه حرام عليك يمكن تبغى شي واستحت ولا……….”
فقدت باقي الكلمات مع ابتعاد خطواتي للداخل…
في السابق عندما كان بدر يغضبني كنت اذهب لأمي واخبرها وهي بدورها تعاقبه…
وكان كـ أبي يواجه الغضب بالغضب…فعند إحساسه بالخطأ لايبرر خطأه بل يجعل جميع من حوله يخطئون ليبرأ نفسه..!
وتلك صفة قبيحة قد تجبرها الصفات الجميلة فيه..!
ولكن الغضب ينتهي به لذلك الألم في معدته..
لذا لم اعد اشتكي لها..
تلك الصفة…
آخر ماعرفته عن أبي..! بعد معرفتي بسبب خلافه مع عمي…فجميعهم يملكون هذه الصفة السيئة….لذا منذ زواج أبي..بترت العلاقة..
والسبب يعود لزواجه من أمي..كما اعتقد..!
عمَي…الشيء الوحيد الذي اعرفه عنه..هو اسمه…وتلك الصفة!
حسناً دعوه جانباً…
.-.
.-.
اف إن الفراغ يقتلني…إنني وحيدة لا تعرف كيف تشغل وقتها..
بدر مع صديق عمره كل منهما يملأ وقت الآخر..
أما أنا..!
فوحدي..فصديقتي دانه لايسمح لها بالذهاب لمنزلي..
والبقية لا يوافقونني بالميول والأفكار..
لكن..
ماذا لو كانت دانه حرَه ايضاً…بالطبع ستأتي اليَ..
حسناً اذاً لا أود الخوض بهذه المعركة من جديد..!
(لا توجد مشكلة الآن..سأذهب لوالدتي…
الم يقولوا لابد من الأم أن تكون صديقة ابنتها..!
إذاً أنا أقول لا بد من الفتاة أن تكون صديقة والدتها…!!
لا تركزوا معي..! كلام شخص قد غلبه الملل..!
>…أشعر بالفراغ…حتى قلبي بدأ يشكي ذلك..!<
Alsamtِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
( 4 )
.ـ.
.ـ.
الساعة السابعة مساءً..
اليوم منذ الصباح..وأنا اجلس أمام التلفاز.. ولست مهتمة بما يعرض.. لأنني لا أجد ما يشغل وقتي..
والدتي الآن لديها ضيوف ولست مهتمة بالأمر… فهي اليوم وعلى غير العادة لم تجبرني بالسلام عليهم..!
.. ..
بعد تردد كبير تقبلت الفكرة التي راودتني منذ شهور..وأظن أن للفراغ دور في إقناعي بفكرتي..!
أولاً.. لابد من مكان هادئ..وغرفتي تفتقد للهدوء في هذا الوقت..!
إذن طالما أن بدر خارج المنزل الآن سأذهب إلى
(مجلس الرجال) فهو هادئ حتى السكون..!
أخذت معي عدة أقلام ودفاتر وكراسة رسم..وذهبت أنفذ فكرتي..
.ـ.
.ـ.
أمسكت بالقلم وكتبت “بسم الله الرحمن الرحيم”…وأخذت أزخرفها بعدة ألوان..!!!
بعد ذلك نظرت للسقف في محاولة فاشلة لجذب الكلمات…
أين موطن العبارات…! أين يجدها من يحتاج إليها..!
..
بعد نصف ساعة من عناء التفكير..والجهد الذهني العظيم..!
وضعت كل ما في مخيلتي الصغيرة على تلك الكراسة..
ورسمت أيضاً بعض الملامح الجميلة كجمال ما أفكر فيه..!!
قررت أن يكون اسمها..طبعاً وبلا تفكير..!
“سيَدة الحريَة”
لأن الفتاة..صورة محسنة لي.. ..!
مزقت العديد من الأوراق حتى بقيت الورقة التي اكتب بها الآن..
كانت الأوراق توشك أن تغطي المنطقة أمامي وأنا في حالة ولادة بطيئة للأفكار..!
لكن قطع عملية تجميع الأفكار تلك هو صوت الباب يفتح ببطء..
بدر-”رسيــل..!! وش تسوين..”
عمر-” افف شهالحوسه”
بمجرد استيعابي لوجود أشخاص غيري انقضضت على أوراق فجمعتها وأنا مرعوبة من موقفي..!
رفع بدر حاجبه تعجباً لتلك الأوراق وهو يقول:
“يعني نقول شاعره؟؟”
عمر بسخرية-”تكتب قصيده..واو خطير نزار قباني ههههه”
عندما ترجمت تلك الكلمات انطلقت مني الحروف صانعة
(هجوم مضاد)..!
” أولاً.. أنا ما أكتب قصيده..ثانياً.. أنا مو نزار قباني..ثالثاً..
والاهم ليش اكتب قصيدة واقعد ساعه اجمع الكلمات..وهو ما في احد يستاهل إني
أكتب عشانه قصايد..”
تعجبوا مما نطقت به..فقد رأوا منحى آخر لتفكيري الصغير..!
فقال بدر متفلسفاً..وذلك لا يناسبه أبداً..!
“الشعراء مو كلهم يحبون…فيه ناس يصنعون لهم شخص في بالهم ويتخيلونه ويكتبون قصايد فيه..وهو بالطبيعه مو موجود”
يضيف عمر مؤكداً:
“صحيح اصنعي لك شخص فخيالك واكتبي…”
أضفت بتلك الجرأة:
“قلتلكم أنا ما اكتب قصيده…وبعدين أنا مو متخلفه أتخيل ناس وأتغزل فيهم..اشقالو لك..!”
جمعت الأوراق بسرعة وتوتر أريد الهروب ولكن..
بمجرد أن رأى بدر مني هذا التصرف سحب من تلك الأوراق آخر ورقه وعلامات الانتصار تعلو ملامحه ..
و”عمر” بجانبه يقرأ بدهشة!..
- ليس بيدي شيء..
- كُشفت أسراري..
- يا ترى أي ورقة الآن تقرءون..!
أفقت من أفكاري المتضاربة على أصوات ضحك قويه من كلاهما..
بدر-”ههه ياحليلك رسيلووه..قصة..ههه تكتبين قصة انتي..ههه”
عمر-”هههه اختك مو سهله ابد..عشان كذا انصحها لاتكتب مره ثانيه يعطونها عين الحساد..هههه”
بدر-”شوووف عمر..هههه..اسمها هذا ولا ويين..”
عمر-”هههه سيدة الحرية وينا في..مسجونه وحنا ماندري..هههه خلاص بطني ماتحمل ههه”
بدر-”هههههههه لا ما اقدر انا ههه اقرا تقول
(سوف يجي اليوم الذي ما أحد يتحكم فيني …) هههههه رسيل
“سوف يجي ههههه وما أحد أو لا احد ” ههه شوفي دروسك اصرف هههه”
عمر-”هههههههههه “
.. ..
- كل ذلك أمام عيني..!
- حطموا طموحي بتلك الضحكات..!
- قتلوا أفكاري بتلك الكلمات..!
- لن أدعهم أكثر يعبثون بأحلامي…
سحبت الورقة من بين يديه وجمعت أوراقي بغضب وقلت وأنا خارجة
ونظرات التعجب تلحق بي..!
- من طلب منكم تقييم أعمالي..!
“محد سألكم..مالكم شغل على الأقل أنا حاولت أحقق طموحي…مو مثلكم ماعندي إلا الضحك..”
عمر بسخرية:
“ومن قالك احنا ماعندنا طموح..طبعا وبفخر انا كابتن طيارة وبدر دكتور..بس ما..”
قاطعه:
بدر-” لحظه انتي شفيك عصبتي انتي من جد تكتبين قصة؟”
رسيل-”إيه..أكتب قصة ومحد بيقراها منكم..”
بدر بابتسامه-”أجل من بيقراها..؟”
رسيل-”اللي شجعني على إني اقضي وقت فراغي بشي مفيد.. والقصة شي مفيد.. الله يخليها لي مــامي”
عمر-”هههه اوكي وش تقصدين بالعنوان؟”
شعرت بأنني مهمة من هذا السؤال.!.
فقلت وتفكيري محدود..محدود جداً..
“إني أنا سيدة الحرية…”
عمر-”ماجبتي شي هذا العنوان”
(تورطت..!! أنا ما عرف من المعنى إلا هالجانب..ومو عارفه أوصله..)
“مالكم شغل..لا تلمحون تبون تقرونها..”
على صوت ضحكاتهم خرجت…وأنا غاضبة وإحساس بالفشل يتملكني لأصادف أمي فاخبرها بما حدث.. ..
أمي-”ماعليك منهم تراهم غيرانين منك.. انتي اكتبيها كلها وبقولك إذا حلوه ولا لا..!”
كانت تجاملني بذلك..ولكن المجاملة لا تقارن بالسخرية..
ولازلت اذكر كلماتها تلك التي لن تبرح ذاكرتي ماحييت…كما هو صوت ضحكاتهم الذي لايزال يسكن مسمعي…ويزيدني إحباطاً يتبعه إصرار..!
إذن سأكتب وأكتب..!
>>عندما امسك بالقلم..أغرق في بحور حبره..فلا أرى سوى روعة الحروف<<
Alsamt ِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
( 5 )
مضى شهر من هذه الإجازة ونحن نستمتع كثيراً…
وإذا سألتم عن أخبار قصتي فأبشركم أنني سوف أنهيها قريباً..
ولكن هناك جملة قالها بدر وعمر أحس بها تلاحقني كلما خلوت مع قلمي…
“اصنعي شخص في خيالك واكتبي”
لكنني لا أستطيع…سأصاب بالجنون…ولكن هل سأوقف كتاباتي حتى أرى ملهم قلمي…!
هل سأراه..!
هل تعتقدون ذلك..! أم أنها كلمات استهتار من بدر وعمر..!
لا أدري…
.ـ.
.ـ.
.ـ.
إذاً..
ماذا حدث في هذا الشهر..؟؟!
لا أذكر سوى أن بدر وعمر كلّ ما رأوني سخروا مني..
فـ بدر يناديني ب
“تشارلزديكنز”
وعمر بكل استخفاف يناديني ب
“في جعبتي حكاية”..!
وضحكاتهم تتعالى في المكان…!
أعترف لكم بأنني توقفت عدة أيام بسبب كلماتهم..أصبت بالعجز…ولكنني عدت لأكتب لأجل أن اثبت لوالدتي أنني استطيع..!
.ـ.
.ـ.
إذن وماذا حدث أيضاً…
.. ..
آه..نعم تذكرت قبل عشرة أيام في (عيد ميلادي) فقد أصبح عمري الآن الخامسة عشر..
العمر كله…!
لذا أتعلمون ما حدث في ذلك اليوم من ابنة خالتي “لمى”
أفضّل ألا أخبركم فقد أفسدت الحفلة بسبب كلماتها التي تكبر عمرها بكثير…!
كنت أفكر..!
ماذا لو علمت بأنني أكتب قصة..!
لا لا داعي.. فستبقى تسخر مني مدى الحياة…!
كما سخر غيرها..!
أخي الدكتور بدر..
عندما أقول الدكتور اضحك..اضحك بشدة..ليست ردة فعل لضحكه علي..بل لتساؤلي..
هل أصبحت مهنة الدكتور حلم من لم يحلم..هكذا فقط ..مجرد حرف الدال قبل اسمه..!
إن بدر مضحك جداً..انه حتى لا يحب المدرسة!!
أما عمر فكابتن طائرة…!
إنهم يملكون طموح اكبر منهم بكثير..ويستهزئون
ببساطة طموحي..!
ولكنني وحدي سأحقق حلمي..
انتظروا سيادتي للحرية..!
.ـ.
.ـ.
.ـ.
اليوم كنا سنخرج ولكن أمي مريضة..
حسب ما ذكرته لنا خالتي وماتذكره دوماً..انه فقط
(انخفاض في السكر)
“بدر..مو كن امي تأخرت”
كانت ملامحه متوترة وكأنه يخفي شيئاً ما…!
“مدري خايف يصير جاها شيء”
منذ الصباح وأنا أحس بانقباضه قلبي…وهاهي تتضاعف..
“فال الله ولا فالك ان شالله بتطلع مو اول مره”
..كنت أتمنى أن لا تصْدُق مخاوفي..
بدر-”بس هالمره طولت..من شهر وهي تعبانه”
“ادري بس خالتي تقول …”
قاطعني وهو يرد على الهاتف بجانبه…
“ليش راحت عندكم…..طيب…الحين…شفيك خالتي…الله يسلمك..ان شالله الحين..لا لاتمرينا احنا بنجي…مع السلامه”
نظر إليّ وقد تغيرت ملامحه…وخيل لي انه وجهه أصبح اسوداً من الخوف…وكأن حالة استنفار للدماء علت وجهه..!
نفس العلامات زارت ملامحي..!
ليقول وهو يقف..وقد ابيضّت شفتاه رعباً..
“خالتي تصيح”
.ـ.
.ـ.
.ـ.
كل العلامات لا تبشّر بالخير…ازداد الخفقان بصدري..وازدادت دقات قلبي حتى
نظرت ل بدر وأنا اكذّب تلك الملامح التي علت وجهه..والتي رآها بوجهي
أيضاً..
وهو كذلك يحاول التكذيب…!
.ـ.
.ـ.
بالطريق للمنزل كنت أتضرع لله بالدعاء..أبكي رجاءَ..أتوسل إليه بان يشفي والدتي ويعيدها إلينا..
.. ..
وصلنا لمنزل خالتي..
أمسكت بيد بدر والرعشة تسري في جسدي كله..
أحسست ب أُذناي تفقدان شيئاً فشيئاً حاسة السمع..!
ولكن..
لم أرى أيّ سيارة بالقرب من الباب..! إذاً أين خالتي..!
الطريق من السيارة والباب الذي نعبره سابقاً بخطوات قليله..
هانحن نعبره شاقاً طويلاً تأبى أقدامنا التقدم..
نخاف الواقع…!
لا نريد أن نسمع ما سمعته من ظنوني المقلقة..
بدر ينتظر مني التقدم..
إحساس بدأ يتسلل إلى قلوبنا ليعتصرها ألماً..إحساس لا أتمناه لأحد..
إحساس بالفاجعة…!
.ـ.
.ـ.
أغلق بدر الباب بعد دخولنا للمنزل..
أخذت أرمي بنظراتي هنا وهناك.. بحثاً عن خالتي..
رأيت شفتا بدر تتحرك..
أظنه يتحدث إليّ..ولكني لا اسمع ماذا يقول..
هل فقدت حاسة السمع..؟
.ـ.
.ـ.
.ـ.
إنني أتحدث إلى رسيل ولكن ما بالها لا تجيب علي…!
” رسيل..ادخلي شوفي إذا فيه احد ولا لا…”
” رسيـــل..”
أصفر وجهها وبدا شاحباً لا يقل عن اصفرار وجهي بعد رؤيتي لها هكذا..
بدأت اشعر بآلام في معدتي شديدة..
يا الهي هل عادت علي آلام القرحة..في هذا الوقت..!!
رسيل لماذا لا تردين علي..!
أين امي..! صرخت من شدة خوفي على كلاهما
” رسيــــــــــــل..”
ولكن من أجابت صرختي هي خالتي…
“بدر تعال”
قالتها بصوت تخنقه العبرات…
لا أعلم كيف استطعت التقدم خطوة..
خطوة..!
خطوة تجر خطوة..!!
وكأنني أحسب الزمن..!!
وصلت إليها أخيراً وأذناي تستعدان لالتقاط أي حرف يصدر..
- عيناها مرهقتين..متورمتين من البكاء..
- هل أتخيل ذلك..أم أنها حقاً كانت تبكي..!
- لكن لما..!
طال سكوت خالتي لألتفت إلى رسيل التي لا تزال واقفة في مكانها .. لأسمع خالتي تقول:
“بدر حبيبي أمك بخير..
(استجمعت قواها لتضيف) زوجي هناك خليته يشوف الإجراءات عشان ينقلونها.. شوي حالتها خطيرة…وماندري شالسبب..
إن شاء الله بتطلع من العناية..”
-العناية…!
-حالتها خطيرة..!
-بخير..!
-ينقلونها..!
-شوي حلتها خطيرة..!
بدأت ترن تلك الكلمات في رأسي حتى خيّل لي أنها ستمزق طبلة أُذني…
“لا تخاف حبيبي .. أنا كنت عندها..بس جيت عشانكم وبرجع لها الحين”
وقبل أن أنطق بأنني سأذهب معها رن هاتفها..
.ـ.
.ـ.
لم تنطق حتى أهلاً…سمعت عدة كلمات وخيّل لي أن المتصل زوجها…
لتصرخ صرخة هزة ما كان ثابتاً فيني ليسقط هاتفها صريع ما سمعه..
لأبقى تلك اللحظة…كمن فقد إحساس…!
إحساس هرب من رعب الموقف…!
وفقدت أي قدرة للبحث عنه…
لم أصدق..فقط أخذت أبحث عن الأمل.. أخذت عيناي تدور بين سواد غطى المكان…وصراخ وبكاء…وكلمات لم أعد افهم معانيها…
صنع أمامي عالم غريب..كئيب..يلفه السواد..كل من يعيشون فيه شبه ميتين..عدى صراخهم الذي يصنع طريق للموت…!
كل ذلك صنع في أقل من ثواني…
لذا لن أعيش…دقائق وسأنضم لذلك العالم…ولكن دعوا قلبي يهدأ من رجفته..
وعقلي حتى يصدق..
ودموعي حتى تسيل..!
.ـ.
.ـ.
.ـ.
أنـــا..
كنت لا أزال واقفة في مكاني…
عندما سمعت صرخة خالتي التي اخترقت جدران الصمت بداخلي…
لتعيد لي حاسة السمع…وبقوة..!
لأرى خلف صراخها بدر الذي طوقته خالتي بذراعيها…
وأنا لا أزال أقف..!
بعد ثانية اخرى..
علمت بأنني لست على خارطة الكرة الأرضية…
تعطلت جميع وسائل اتصالي بالعالم الخارجي… !
أبعد من الصوت أبعد من الرؤية..أبعد من ترجمة أحاسيسي..أبعد من تصوير العالم.. !
تعطلت شاشات العرض لحياتي…
فسقطت…
مغمى علي..!
>>لحظات سوداء…لولا رحمة الله لرحل كل من فقد حبيب بعده…
..دقائق خارج ساعة الزمن…تمر فتفطر القلب وترحل.. ليعيش القلب ما تبقى من عمره بذلك الجرح..!
فأين الطبيب..!؟ <<
Alsamt ِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
( 6 )
{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }”10الزمر”
.ـ.
.ـ.
لم تعد الأصوات كما كانت..ولا الألوان كما كانت..!
فقد أطلت دنيا غير التي كانت..!
الجميع أصبحوا كصورة..!
صورة التقطت قبل ظهور الألوان للتصوير..!
وضعت في برواز كسرت قاعدته…فاستغنت عنه جدران الزمن..!
أزيز البكاء سكن مسامعهم…واليأس افترش أرضية حياتهم…
لتفقد الدموع هيبة ظهورها….
يــارب…
ألهمنا الصبر..
أين الصبر..!
.ـ.
.ـ.
ملئت حقيبتها بالدموع والجروح والآهات…واكتفت بكمية الألم تلك…وقررت الرحيل…
لكن لن ترحل إلى الأبد..!
ولا تعلم متى ستعود..!
فكل ما تعلمه أنها زرعت حزنها خلف الغصون المنحنية…
والورود الذابلة..
لترحل….!
فوداعا أيام الحزن..أيام الفاجعة..!
أرجوكِ انه الوداع بلا لقاء..!
.ـ.
.ـ.
….غادرت تلك الأيام….ركبت قطار السنين…
لاضم الأمل والألم بين جروحي…
وأكتفي بأن..
أرفع عيناي للسماء…!
.ـ.
يوماً..بعد يوم…
مرت ثلاثون يوماً…
أترى ألا زال قبرها رطباً..!
لم تكن تفارقني دقيقة قبل ثلاثون يوماً…وبعدها…
لا أجدها حتى دقيقة..!
هل من يرحل لا يعود..!
في السابق كنت متيقنة من صحة هذه العبارة…ولكن الآن اشكك في صحتها…
هل هذا هو الأمل..!
امي..
هل أعيش فوق الأرض…وأنتِ تحتها..!
أخاف أن يكون هذا العقوق الذي درسته..قالت لي معلمتي ذات يوم أننا لابد أن نجلس تحت أقدامك لننال رضا الله..
هل أصبحتِ تحت تراب أطأه بأقدامي..!
خذيني مكانكِ..خذيني معكِ..أي شيء إلا أن أبقى وحدي هنا…
هل وصلت لمرحلة الهذيان…! هل حقاً ما أقول..!
لا أدري..!
كل ما اعلمه أنني أصبحت كـ كأس فارغة… لم يسكب فيها ولم تكسر..!
وضعت على أحد الرفوف المنعزلة..!
ثلاثون يوماً مرت كأصعب شهر في حياتي…
اليوم فقط.. بدأت استطعم مرارة اليتم..!
كانت والدتي لي الام والأب..بينما أبي فوق هذه الأرض لا تحتها..!
في غياب أبي عنا لم نعرف ماهو اليتم…
وبعد غياب امي تعلمت مفردات هذه الكلمة بكل قواميس البؤس في هذه الدنيا..وحفظت معانيها..
رحلت..
بكل بساطة يصعب علي وصفها…!!
.ـ.
أنا لا زال في منزل خالتي…
اقطن في أحد الغرف المنعزلة بالدور الثاني..
أما بدر.. فقد اخذ الملحق التابع للمنزل.. ورفض أن يبقى بالداخل..
حتى بعد محاولاتنا انا وخالتي بالعدول عن رأيه..
بل وقفنا باستسلام له عندما هددنا بان يعود لمنزله..
او منزلنا..
الذي لا أتخيل جدرانه دون امي..
آهٍ…
لم اعد أتخيّل شيئاً عن المستقبل…
بدأت أرى حياتي في الماضي..وهذه الفاصلة الكبيرة بين أيامي..!
بدوت كغرفة صغيرة..أغلقت أبوابها على طفل نائم…
لا احد يدري متى سيصحو…وان استيقظ ماذا سيفعل..!
فهل سأصحو يوماً دون أن توقظني امي..!
.ـ.
.ـ.
بدر ورسيل نائمين…
بصفتي أختها الوحيدة…وخالة الطفلين..
فإنني أقرب لهما من زوجة أبيهم ليمكثوا في منزلي..
هذه الأيام مضت ثقيلة..
فما سبق تعذر القلم عن كتابة تفاصيله…والإحساس عن وصفه…
فأصبحت الدموع الحاجز الوحيد بيني وبين الحروف..!
لذا..سأعبر السطور بسرعة…
.ـ.
.ـ.
أتى والد بدر …من المنطقة الشرقية..
هو لم يرى زوجته رحمها الله منذ سنوات..ولكنه فُجع أيضاً…
جلس مع رسيل عدة مرات..ومع بدر أيضاً..
وكان يردد بتساؤل… كيف..! كيف توفيت..!
ما السبب..؟!
ليأتيه الجواب إنها إرادة الله…وهذا هو يومها المكتوب قبل أن تولد…
كان عندما ينطق بالسؤال أو يكرره…ينظر لرسيل متسائلاً…
لتعكس عينيها عليه نفس السؤال…!
مر هذا الشهر ورسيل تنتقل من مستشفى لآخر…
-فقر دم..
-فقر دم حاد..
-صداع..
-ألم في الرقبة..
كانت تجيء وتذهب بصمت تام…لا تتحدث عن أي شيء..حتى عن والدتها..
المرة الوحيدة التي تحدثت فيها هي عندما قالت
“لا”
وهي ترفض ذهابها لأحدى العيادات النفسية…كما هو بدر يحتاج أيضاً لها..
فـ بدر كان يعاني من آلام في معدته طوال هذه الأيام..
وأظن السبب هو تلك الُقرحة المزمنة..!
مرت الأيام هكذا وليس بيدي ما افعله..
.ـ.
.ـ.
بعد عدة أيام من العزاء الذي استمر أكثر من شهر…!
وقف أبي أمامي وقد بدا عليه الحزن الغريب وهو يقول:
ابو بدر-”رسيل يالله حبيبتي”
لم اجبه لان بدر كان يقف أمام الباب..ليدخل وهو يقول:
“ويـن؟”
ابو بدر-”وين يعني تجون معاي للشرقية”
بدر بتعجب وسخرية-”معاك؟؟”
أنا لازلت استمع بصمت..
ابو بدر-”اكيد معاي ولا نسيت اني ابوك!”
بدر-”وتوك صرت ابوي اسمح لي ماراح اجي معاك”
ابو بدر بعصبيه-”بــــــــــــدر”
بدر موجهاً كلامه إلي..وأنا اعبث بساعة يدي بتوتر
“انتي بتروحين ؟؟”
كنت لا ابالي بشيء..فقد تساوت الأماكن والنظرات في عيني..حتى البسمة والألم بدت لي من موطن واحد..
لذا هززت رأسي بلا مبالاة بالإيجاب…
صرخ بدر ولأول مرة اشعر بإحساس غير الحزن منذ رحيل والتي..
فقد شعرت بالرعب!
بدر-”والله ماتروحين..بعد كل اللي عمله في امي نروح نعيش معاه”
دخلت خالتي بشبه حجاب خائفة بعد ان رأت والدي مقدم لصفع بدر
فتوقف وبدأت تقول كلمات لم أعي أكثرها..
بدر اقترب مني وقال-”اذا رحتي معاه انسي ان لك اخو”
وخرج بعصبية وكأنه يشق الأرض من غضبه.. وبقيت جالسه كورقة ممزقة..لا أكثر..!
.ـ.
.ـ.
بالغد اتى والدي هادئاً على غير عادته…
جلس بالقرب مني فهمس
-”اقنعي اخوك..مايصير تعيشون عند خالتك هذا بيتها وبيت زوجها..وولد خالتك يبغى ياخذ راحته بالبيت..لازم تقنعينه هذا مو بيتكم”
ظللت صامته واستمع فأضاف:
“انا غلطت وامك الله يرحمها…..”
لم اعد استمع لبقية كلماته فقد استوقفتني وعصفت بلقبي بقوة “امك الله يرحمها”
هل حقاً بدت كجميع من رحلوا…يضاف إلى اسمها “الله يرحمها”
كـ جدتي…!
كـ أحلامي..!
كـ حياتي..!
أفقت على يد والدي وهي تمسح دمعة فرت من أسى عيناي..!
وقفت لأخرج من المكان فسمعته يقول:
“ماراح اكرر غلطتي وأترككم مره ثانية..وغلطة الأمس اليوم نلقى لها عذر”
بينما أنا امشي لغرفتي قفز بيت لا ادري أين قرأته..أو من أين اتى هذه اللحظة…
>>”كبر الخطـــا..مــاكـل عـذر يغـطـيـهـ..,
مثــل التـعازي..مـاتـرد الـمـصيـبـهـ.., “
.ـ. .ـ. .ـ.
.ـ.
عندما رأيت بدر يصرخ رافضاً..قررت التدخل…
أخبرت زوجي الذي لم يهتم كثيراً…
كما أنني تكلمت مع والدهما..
..
أخبرته بأنهما لابد من أن يبقيا هنا.. إنهما كـ لمى ومازن..
بدر ولدي..ورسيل ابنتي..كيف لا ووالدتهما أختي..
رجوته أن يبقيهما ولو لمدة محدودة..
بدا رافضاً رجائي حتى بكيت أمامه…
ربما دمعاتي أطفت جمرة غضبة…فختم حديثنا بـ كلمته:
“يصير خير”
.ـ.
.ـ.
بعد يوم عاد من حيث أتى بعد أن سكب همومه وآلامه هنا..
لذا سأذهب مع بدر ورسيل هذا اليوم لمنزلهم لأجلب بعض الملابس وما يحتاجانه..
فقد بدى لي انه سيبقيهما مدة ليست بقصيرة..
.ـ.
.ـ.
.ـ.
بدر وهو جالس يفكر بالأيام التي مضت..والأيام القادمة..بعد أن زاح هم والده بان يأخذهم معه..
اخذ يفكر برسيل..
فهو لم يتحدث معها سوى بلغة الدموع.. ولم يسمع صوتها ولو بكلمة..
وكيف أصبحت انطوائية…
فلم تعد رسيل السابقة..حتى في شكلها..!
أما أنا فليس لي سوى عمر…يسليني ويخفف من همومي..
أما خالتي فجزيت خيراً..فقد تحملت الكثير لأجلنا..
.ـ.
عندما هممنا بالذهاب للمنزل..
.ـ.
ركبت خالتي السيارة وقد تفاجأت بـ عمر الذي طلبت منه مساعدتي..
أتعلمون..
عمر أكثر شخص تأثر لحالتي.. أكثر حتى من والدي..!
كم اعزه ويعزني..أبقاه الله لي…
قبل أيام كنت اطلب من الله أن يأخذني إليها.. لا أريد العيش من بعد أمي.. ولكن عمر يزجرني عن هذه الدعوة وبشدة..
وهو يقول لي… من يبقى لرسيل بعد رحيلك…ألا يكفيها ما فقدت..
إنني أثق أنها تعاني أكثر مني…
لعمرها,وتعلقها الشديد بها…
سكوتها يخفي انفجار…هدوءها يخفي بركان..غامض..!
بكائها عميق,مؤلم..
حزنها يفجع قلبي أكثر فأكثر..
“رسيل ماراح تجي..؟”
سألني عمر بهدوء لأقول:
“شلون تجي وتشوف البيت عقب امي..(بلعت غصة)انا مدري شلون بدخل”
عمر-”قاعده لحالها..؟”
“لا عندها لمى”
كانت خالتي صامته..ومحرجه قليلاً يبدوا أنها لم تعتاد على عمر…كما كانت أمي..!!
.ـ.
.ـ.
.ـ.
ما أصعب وجودي هنا…
عندما وصلنا..صعدت إلى غرفتي مباشرة
لأجمع أغراضي واخرج ولكن..
لا اعلم كيف قادتني قدماي إلى تلك البقعة..!
هويت على سريري فبكيت بحرقة.. بكيت كما لم ابكي في حياتي…
بكيت دموع لم تخرج بتلك الحرارة في منزل خالتي…!
بكيت الماضي..بكيت منزلي.. بكيت أطلال أمي..
تغيرت الحياة الآن..
آه كم أتمنى أن تعود تلك الأيام مرة أخرى.. ولو ليوم واحد..
ولو لدقيقة..!
آه كم كنت أتمنى أن أعود وأجد كل شيء كما كان..
كم كنت أتمنى أن يكون كل ذلك حلم..!
حلم مريع.. ..!
.ـ.
.ـ.
انتشلني عمر من بين آلامي ليقول:
“تعال أنا أخذت أغراضك…”
“ورسيل..”
قلتها من بين شهقاتي..ليقول وهو يربت على كتفي:
“رسيل شالت أغراضها خالتك…تروح تساعدها؟..”
انطلقت لغرفة رسيل وأنا اختلس النظر لغرفة والدتي لأكتم آخر شهقاتي وأنا أراها مقفلة..
مر علي شريط الذكريات سريع.. تمنيت لو أستطيع إيقاف لحظة منها..!
ولكن…!
“يالله حبيبي أنا اخذت اغراضها”
مسحت آخر دمعاتي وأنا أرى خالتي تمد لي يدها لنخرج..
وفي عينيها حنان يعزيني بعدما ذكرني بنظرة امي..!
بهذا الوقت..!!
قلت لها-”انزلي وانا وراك”
ذهبت والتفت لأرى عمر محرج وهو جالس على ذلك الكرسي..الذي جلست عليه مراراً والدتي وبيدها كوب القهوة الذي كسرته رسيل دون علمها..!
لم يكن هنالك متسع من الوقت حتى لتوبخها..!!
“بــدر”
قالها عمر وكأنه يتساءل لمَ بقيت واقفاً أتأمل مكانه..لذا ولجت حتى نهاية الغرفة..ابحث عن
لا شيء..!
ابحث عن طيف لأمي..!
ولكنني لم أجد.. حتى ذكريات..!
.ـ.
.ـ.
وأنا خارج من الغرفة لمحت على أحد الرفوف ساعة مفككة عقاربها…وبجانبها مجموعة أوراق في ملف ابيض…
اتجهت إليها وجمعتها بغير ترتيب….لأخرج..
.ـ.
.ـ.
.ـ.
كنت جالسة بالقرب من غرفة بدر…أي بالخارج لا أدري كيف يسكن بدر في هذا الملحق..!
ألا يخاف…!
اعلم أن عمر دوماً هنا ولكن عندما يحل الظلام ألا يخاف..!
ابتسمت بسخرية..!
أي ظلام يرعبنا أكثر من ظلمة غيابكِ..يا امي.!
أخذت انظر إلى الباب الخارجي للمنزل..وأنا أتذكر كيف كنت أقف هناك وأنا اسمع الفاجعة…
تذكرت كل موقف هنا..!
وصلت بي الأفكار إلى أمي..وانكساري بعدها..
وإحساسي بأنني ضيفة ثقيلة هنا..
ليس على خالتي..بل زوجها..وابنتها..وابنها الذي كان كـ خالتي يعزيني بابتسامة..!محاولاً بفشل انتشالي من ذلك الكم من الحزن..!
أحياناً اشعر أن الحياة بأكملها ضيفة ثقيلة علي..!
آهٍ يا أمي
ألا تسمعي توجعي..لماذا رحلتي..!
لماذا تركتني..؟!
استغفر الله الذي لولاه لما ألهمت و بدر
تحمل مصيبة فقدك..!
اخبريني..
كيف رحلتي..؟!
لما دوماً نعيش السؤال..!!
ونفقد الإجابة..!
منذ طلاقك من والدي وحتى رحيلك..
والإجابة دوماً فقط علامة استفهام..؟!
.ـ.
.ـ.
مع تركز عيني على ذلك الباب والأفكار تدخل وتخرج من خلاله بحرية..
رغم ذلك الضيف اللطيف الذي يحجب عن عيني الرؤية بوضوح..
تلك الدموع التي أحبت المكوث في عيني هذه المدة..!
.ـ.
.ـ.
وأنا لا أزال انظر لبوابة المواقف التي عبرتها يوماً..
رأيت الباب يفتح فتدخل خالتي وبدر..وأيضاً عمر..
انطلقت بسرعة إلى بدر والهواء قد تولى مهمة تجفيف دموعي..
سألته:
“لقيتها..؟”
نظر بدر إلى خالتي ..لتقول بقلق:
“تعالي حبيبتي ادخلي وياي”
قال بدر:
“خالتي خليها أبيها شوي”
خالتي-” براحتك أجل أنا داخله..”
بعد أن تركتنا خالتي قلت لبدر مرة اخرى
“دخلت غرفتها..؟ أكيد إنها نايمه..ولا يمكن زعلانه علينا عشان جلسنا واحد وثلاثين يوم هنا وماجيناها صح؟”
بدر-”رسيـل.. ..”
عمر يحاول أن يقول شيئاً..
وأخيراً نطق:
“رسيل تكفين..يكفي اللي في بدر الحين..لا تعشين بوهم وتعيشين بدر معاك؟”
لحظة صمت…
بدر يحاول صنع ابتسامه وهو يبدو الآن فقط مستوعباً وجودي..اعلم انه مشتاقاً للحديث معي كما هو حالي
-”رسولة انتي مرتاحه هنا؟”
لم أُجبه..!
-ماذا أقول..؟
-هل أقول أنني مرتاحة فأكذب..!
-أم أقول له الحقيقة..؟
-ليس بيده شي سأضيف هماً على همومه لذا
“أنا مرتاحه..”
بعد لحظة اخذت اتفقد فيها من حولي..
بدر كما هو بذلك الوجوم المؤلم..اما عمر فقد تغير منذ ان رأيته آخر مرة..هل
هو صاحب الضحكة وتلك الروح المبتهجة..لم هو يشبه أحزاني.!!
هل الدنيا سلبت ضحكته مع والدتي وحياتي..!
قاطع تفكيري صوته:
“مو زين لك كذا انتي مؤمنة وهذي ارادة الله لازم ترضين..”
ظللت صامته بعد ذلك التفت لبدر اوجه له سؤالي:
“دخلت غرفتها..؟”
بدا لي أن الحزن هجر ملامحه ليستقر في عينيه فقط..!
بدت لي نظرته شاحبة معلقة..لاتصل إلى شيء..!
بعد دقيقة صمت
رأيت دمعة تفر من عينيه بألم..وكأن محاولاته لمنعها باءت بالفشل..!
عندها هم عمر بالانسحاب وهو يقول
“انا بغرفتك”
بدر مسح الدمعة بسرعة تعادل سرعة نزولها وهو يقول له
“عــمــر خليك شوي”
نظر إليّ مستأذناً بقاءه لكنني لم أبالِ ..وقلت لبدر وكأنني فاجأته
“بدري لا تبكي..؟”
نظر بدر إلي بسرعة وكأنني قد سرقت العديد من أفكاره بهذه الكلمة….
أما عمر فبقي متعجباً…فهو لا يرى أي كلمة تستحق هذا القدر من التعجب والاهتمام من بدر:
قلت مبررة:
“ادري مايحق لي..ادري هذه الكلمة خاصة بأمي بس انا “
بدر وهو يحرك رأسه نافياً-”انتي الوحيده الباقية لي بهالدنيا ..
.. ناديني كذا أحس بهالكلمة وجود امي”
ابتسمت بانكسار من بين غشاء الدمع لأقول:
“أنا بدخل الحين”
.ـ.
.ـ.
بدر نظر لـ عمر الذي لا يزال متعجب…
بدر موضحاً له-” بدري..امي كانت تسميني بدري”
ثم قلت بسرعة:
“رسيــل”
التفتت إلي..ثم اقتربت فقلت:
“أنا لقيت بغرفتك هالملف وقلت يمكن تحتاجينه”
أخرجته من تلك الحقيبة بجانبي..
نظرت إلي بتعجب..ثم تغيرت ملامحها لحظة رؤيتها لذلك الملف..
أخذته مني بهدوء…تصفحت أوراقه فقالت بسخرية..
“قريتها؟”
أجبت:
“لا…بس قريت العنوان”
بعد ذلك ابتسمت رسيل ابتسامة سخرية..
فقالت:
“سيَدة الحرية… او تشارلزديكنز..
(ثم ضحكت ضحكة لم تكن في مكانها أبداً..وكأن تلك الضحكة لها صدى..! أو لم اعد افرق بين الانفعالات..!)
ثم وجهت نظراتها لـ عمر فقالت بتلك الضحكة:
“أو في جعبتي حكاية”
.ـ.
.ـ.
.ـ.
-كنت أضحك..لاشعورياً…
ربما لأنني نسيت متى تنطلق الضحكات..!
لكني رأيت ملامح بدر وعمر لاتزال جامدة..بل كانت أقرب للشفقة..
هنا قلت:
“ليش ماتضحكون..! مو كنتوا تضحكون علي دايم..!
امي الوحيده اللي شجعتني أكمل قصتي…والحين راحت..!
انت ليش جايب الاوراق…؟؟”
لم يجبني أحد..فأضفت وكأن الكلام المقيد تلك الأيام خرج هنا :
“عشان تضحكون صح..؟..طيب ليش ماضحكتوا…!”
نظرت للأوراق بعد أن أخرجتها من الملف..فقلت
وهما لا يزالان بذلك الوضع..
“تدرون عن ايش تتكلم..؟!”
ابتسمت بسخرية فقلت:
“عني أنا .. كنت البطلة فيها.. كنت سيَدة الحرية والجمال..
كنت البطلة اللي تعيش بحرية..تسافر وتروح وين ماتبغى..
البطلة اللي تركت المدرسة اللي تكرهها وتزوجت شاب غني..وعاشت أحلى حياة..
البطلة اللي رسمت لها حياة ورديه .. وخليت كل اللي معاها يحبها..
بطله ساكنه بين أهلها بوسط مزرعة كبيرة والطبيعه فيها رووعه مثل روعة الحياة بنظرتها..
كل اللي أتمناه كان هنا…(وأشارت لذلك الملف)
كل أحلامي وخططي وطموحاتي..
عشان امي بس كتبت…وتعمقت أكثر بأحلامي..عشان تعرف ان أحلامي بهالورعه!
(توقفت لحظة وكأنها تتذكر ماحوته القصة)
وتدرون كنت أملك فيها محل للمكياج.. وكانت لي كوفيرات وخدم..
كنت باختصار..ملكه..سيَدة للحرية مافي شي يمنعني”
ابتلعت كمية من الهواء لتضيف بين دموعها:
“امي طلبت مني تقراها مره..لكني قلت اذا خلصتها بتقرينها..
كنت بنهيها لكن..
(أجهشت بالبكاء ووضعت أوراقها على وجهها)
راحت قبل…ماتت وماقرتها”
.ـ.
انهرت في بكاء مؤلم ليقف بدر أمامي عاجزاً..
فقد هاله منظر الحزن الذي تجسد فيني لحظتها..
لكني رفعت عيناي وقلت والأوراق لا تزال بيدي:
“هذي هي كاملة ماعدا الجزء الأخير اللي في كل مره اكتبه امسحه وأقول
لا ابغاه يكون أحسن..الحياة أحلا من كذا..
الحياة احلا من كذا…
وراحت وهي ماكتملت..مثل أحلامي!”
قال عمر منقذاً الموقف وهو يقرأ بعينيها سطور المأساة..
“رسيل خلاص يكفي ارجوك..”
ولم يسمع سوى صدى صوته لذا قال:
” انتي الحين لاتجلسين كذا..اشغلي نفسك فيها.. كملي الجزء الأخير…احنا مابنضحك عليك..و…”
قاطعته:
“أكمل..!(ونظرت لـ بدر بتعجب)
خلاص..الحين اكتمل…”
أضفت:
انا خلاص..البطلة ماتت..”
وكأن الرياح