هيا نعيد بناء القصر
ذهبت إلى مكتبة كبرى،في مدينتنا ،وكنت أريد أن أنتقي كتابا، يبهج نفسي، ويسعد فؤادي
،فوجدت أن خير الكتب في هذا هي كتب التاريخ فمعها أستطيع أن أرحل إلى مختلف البلدان
والأمصار وألتقي بالأمراء والفضلاء وغيرهم من سائر الأشخاص فتوجهت إلى قسم التاريخ
وأخذت أقلب الكتب والمجلدات وأتصفحها وأنظر في عناوينها واحدا تلو الآخر فإذا
معظمها يشتمل على سرد للأحداث بأسلوب صعب وتقليدي لا تشويق فيه ولا إثارة فساءني
ذلك غير أني استمررت في البحث وأخيرا وجدت كتابًا متوسط الحجم ذا غلاف مميز وجميل
عنوانه (أشهر القصور) وقد ألفه بعض الباحثين في مجال التاريخ , فتصفحته , فنال
إعجابي, واستقر رأيي على شرائه , وعندما عدت إلى البيت , شغلت عنه , حتى جاء الليل
واقترب موعد نومي , فأويت إلى فراشي , وأشعلت الضوء بجواري, وأخذت كتابي الجديد في
شغف , وبدأت بقراءة المقدمة , وكان مما جاء فيها :(هذه القصور بنيت منذ بداية
التاريخ , حتى العصر الحديث وقد اجتهد بناؤوها أن يتقنوها وأن يبدعوا فيها) تشوقت
لأعرف قصة كل قصر وتاريخه…
اطلعت على القصر الأول , وكان قد بناه قدماء المصريين , وكان شكله الخارجي جميلا ,
غير أن داخله مليئ بالتماثيل, ثم أخذت في تقليب الصفحات , وكان من ضمن القصور, قصر
اليونانيين, وقصر البابليين, وقصر الصينيين, ولكل منها ميزته, لكنها لم تخل من
العيوب, حتى وصلت إلى قصر,هو أجملها وأبهاها,فبدأت أقرأ,فوجدت أن الذي بدأ بناءه هو
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, مع بضعة أناس ممن اتبعوه,وذلك في العام الرابع عشر
قبل الهجرة,وأخذوا يضعون اللبنة تلو ا
الأخرى,وبعد مرور بضعة أسابيع , بدأت أساسات القصر تبدوا للناظرين, وازداد عدد
المتبعين حتى جاءت السنة الحادية عشرة,التي رحل فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
,وهكذا اكتمل القصر بعد ثلاث وعشرين عامًا,لكن للأسف أتى سيل غزير هدم نصف القصر
فأخذ الصدّيق برممه ويبنيه ,حتى اكتمل من جديد , ثم جاء الفاروق, وفي زمنه,كان شكل
القصر بهيًّا,وكان واسعا يكفي لأناس كثر ,حتى استشهد الفاروق ,وعندها كسر باب القصر
, وأخذت النكبات تتوالى عليه,فمرة سيل جارف,ومرة يغير عليه الأعداء,ومرة تأتيه ريح
شديدة,وهكذا لم يستمر على حال واحدة,لكنه عندما كان كاملا,كان أجمل القصور على مر
التاريخ,فقلت في نفسي:
_ ولماذا لآنعيد بناء القصر؟ألسنا قادرين؟
_بلى قادرون
_ولكن كيف؟
_نبنيه من لبن قوي…
إخواني أخواتي , هيا نعيد بناء القصر…
فيما يلي بعض من أنواع اللبن القوي حتى نبني قصرنا العتيق…
النوع الأول : الإخلاص وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة , قال تعالى:(وما أمروا إلا
ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين
القيمة) (البينة:5).
النوع الثاني : التوبة النصوح , قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله
توبة نصوحًا) (التحريم:8).
النوع الثالث : التقوى والصدق,قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين) (التوبة:119).
النوع الرابع : ترك الظلم , عن أبي موسى رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :(إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ :(وكذلك أخذ ربك إذا
أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)
متفق عليه.
النوع الخامس : الوصية بالنساء , قال تعالى :(وعاشروهن بالمعروف)
(النساء:19).
النوع السادس : حق الزوج على المرأة , عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:(أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) رواه الترمذي
وقال:حديث حسن.
النوع السابع : أمر الأهل والأولاد بطاعة الله , عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال :(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…إلخ) متفق عليه.
النوع الثامن : من سن سنة حسنة أو سيئة , قال تعالى:(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا)
(الأنبياء:73) , وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليس
من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن
القتل) متفق عليه.
النوع التاسع : الذكر والدعاء , قال تعالى:(فاذكروني أذكركم) (البقرة:152) , وقال
تعالى:(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) (غافر:60).
وأخيرًا فهذه بعض أنواع اللبنات التي لو وضع بعضها فوق بعض لاستطعنا أن نرمم جزءًا
غير هين من القصر وهكذا تعود إليه مكانته وهيبته.
أسأل الله أن يعود قصرنا جميلا شامخًا كما كان , إنه على كل شيء قدير…
منقول