الفراغ العاطفي بين الأزواج .. الأسباب والعلاج
وطن نيوز- الحياة الزوجية زاخرة، مفعمة بمعاني المتعة الحقيقية للحياة لدى
الزوجين، والمرأة بطبيعتها تود أن تعيش دفء المشاعر، والعواطف قولاً وفعلاً
من كلمات لطيفة تشعرها بأنوثتها، وبحب زوجها لها، واحتياجه إليها، كما
تحتاج هي إليه، وتسعى لرضاه وسعادته.
وقد أمرنا الإسلام دين الحب، والمحبة والتسامح، والكلمة الطيبة التي تريح
النفوس، وتبعث الأمل والحياة، وحث الزوج على إطراء زوجته ومدحها جبراً
لخاطرها، وبذرا لبذور الثقة، والمحبة والمودة بين الزوجين.
والبدايات الأولى للزواج تكون العلاقة فيها مليئة بالأشواق والمحبة
والرومانسية واللهفة، بداية من الخطبة، ثم الشهور الأولى في الزواج، وربما
تمتد إلى سنوات.
وتمضي الأيام، فتفتر العلاقة بين الزوجين، وتبرد المشاعر ويخيم الصمت على
الزوجين، وتعاني الحياة الزوجية من تراكمات تفقدها حيويتها، ويتسلل الملل
والروتين للحياة بين الزوجين، فتتوارى العواطف واللهفة والشوق، ويسود
النسيان واللامبالاة، ويغرق الزوج في أعماله وارتباطاته خارج البيت، وتغوص
الزوجة في تربية الأولاد ورعايتهم، فتصبح المشاعر الدافئة والحب بين
الزوجين والتعبير عنها قولاً، أو سلوكيات ومجرد ذكريات جميلة، يترحم عليها
الزوجان.
عندها يسود الفتور، والنكد وتصبح الحياة بلا معنى ولا قيمة، ولكن من
المسئول عن هذا البرود العاطفي، والفتور بين الزوجين؟ هل هى الزوجة أم
الزوج، أم كلاهما معاً ؟ أم أن هناك عوامل أخرى مؤثرة؟
رأي المختصين في الفراغ العاطفي:
تتعدد الحاجات النفسية اللازمة للنمو الإنساني السليم من ضمن الحاجات إلى
الانتماء، فالزوجة في حاجة إلى أن تشعر بأنها تنتمي إلى زوج وأسرة، وليست
وحيدة حتى تشعر بالأمن، والطمأنينة والاستقرار النفسي، ولكن الانتماء لوحده
لا يكفي، بل هناك حاجة أخرى وثيقة بالانتماء وهي التقبل أوالقبول،
فالمشاعر العاطفية بين الأزواج، مؤشر من مؤشرات التقبل، والحرمان من هذه
المشاعر وتبادلها مؤشر من مؤشرات الرفض.
إن البرود العاطفي بين الزوجين يعد أحد أهم المشكلات التي تؤدي إلى تفكك
الأسرة، فمجرد أن تنتهي الأشهر الأولى من الزواج والتي تحوي الأيام
والليالي الحالمة، ويدخل كل من الزوجين في معترك الحياة العملية، حتى
يشعران بالكآبة والملل، وثقل تكاليف الحياة وبرود العلاقة بينهما والانصراف
إلى الحياة الجادة، وقد يستهلك عواطفهما، الطفل الذي يرزقانه بعد ذلك .
ومن أهم أسباب البرود كثرة ما يسمعه الشباب والشابات ويقرأونه من الغزل
والهيام والحب، مما يجعل كلاً منهما يحلم بحياة كلها عاطفة بعيدة عن الجدية
والواقعية، فينتظر دائماً كلمات المحبة والحنان، ويستنكر أي تصرف أو كلمة
خلاف ذلك، ويعتبرها نهاية حياته الزوجية، وكم من الفتيات طلبن الطلاق لمجرد
كلمة جارحة قالها لها زوجها لأول مرة، أسوة بما تسمع وترى في الأفلام
والمسلسلات.
كما أن تعرض الزوجين للنظر إلى من هو أكثر جمالاً من صاحبه، يؤدي إلى احتقار صاحبه لدرجة كبيرة.
ولا شك أن التودد والتلطف، وإعلان المحبة وتعلق القلب بالزوجة، من الخصال
المحمودة التي يجب أن يتمتع بها الرجل، فأعظم العواطف التي تلعب دوراً
مهماً في جمع الحياة الأسرية وتجدد معاني الحياة فيها، وتجمع شملها ما يكون
من العاطفة العذبة الحلال بين الزوجين.
ومن هنا تأتي ضرورة البحث في المجالات التي تغذي العاطفة بين الزوجين، حتى
تستمر الحياة بينهما في غاية الأنس والسعادة والسكن، ولهذا قال النبي صلى
الله عليه وسلم لجابر: " أفلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك ". رواه
الشيخان.
وبقدر ما تصاب هذه العلاقة بالبرود بقدر ما يضعف الرباط الأسري وتتفكك
الآصرة بين الزوجين، ولعل أكثر المشاكل المادية والمعنوية ترجع إلى داء "
الفراغ العاطفي " نجملها في الأسباب الآتية :
- اختلاف الزوجين من جهة الالتزام الديني، وهذه من أهم الأسباب التي تقيم
الحواجز العالية بين التقاء العاطفتين، فالدين أساس كل فكرة وقصد وقول وحب
وعمل.
- اختلاف الزوجين من جهة الجمال الخلقي، فلا شك أن الأصل التقاء المتوافقين
الجمال بالجمال، فكيف يعيش الزوج الجميل مع المرأة الذميمة وتكون سبباً في
عفته، وكذلك الزوجة الجميلة لا يشبعها إلا زوج يجانس حالها، وهذه طبيعة
فطرية في الخلق.
- اختلاف الزوجين من ناحية الطباع والميول.
- انشغال أحد الطرفين عن الآخر، إما ببرنامج الوظيفة أو التجارة أو
العلاقات، أوالصداقات مما يؤدي إلى توسيع الهوة بين عواطف الزوجين، ويبعد
أحدهما عن الآخر، ويضطر كل واحد منهما إلى بناء ما تيسر له من العلاقات
التي تملأ عليه نفسه، بعد أن فقد العواطف الدافئة والمشاعر الحانية، التي
لا يتمكن منها إلا في جوف بيته.
- الإغراق في العناية بالأولاد، والاهتمام بشئونهم ومداعبتهم، واستهلاك العواطف في رعايتهم وحنانهم ودلالهم.
- الزواج المبني على الإلزام لكلا الزوجين، أو أحدهما وهذا بلا شك إكراه.
- المشاكل الاجتماعية التي تكدر صفو البيت، وتعكر مزاج الزوجين وهي كثيرة،
منها ما يكون أدبياً سلوكياً، ومنها ما يكون مادياً ومنها مايكون شكلياً
فقط.
- الحياة الروتينية في برنامجها ومكانها، ومظاهرها ومشاعرها، ومعارفها وعلاقاتها، ووسائل ترفيهها وتسليتها.
- الفراغ القاتل الذي تعاني منه كثير من البيوت، وهو بلا شك باب من أبواب
الشر وكابوس من كوابيس الظلام، وأكثر ما وقعت فيه المجتمعات المسلمة من
الانحراف والضياع كان سببه الأول هذا الداء القاتل.
- الفروق الفردية.
- الواقعية في طلب الكمال لأن الكمال لله وحده.
إن الفتور في الحياة الزوجية يعود إلى عدم وجود نضج اجتماعي كافِ عند أحد
الأطراف، أو الطرفين لفهم واجبات الحياة الزوجية ومتطلباتها، وعدم وجود
مصارحة كافية بين الطرفين، كما أن وجود معوقات لم تكن ظاهرة قبل الزواج
واكتشافها بعد ذلك مثل تدهور أوانخفاض الوضع الاقتصادي، أو وجود زوجة أخرى
أو ظهور عادات وممارسة اجتماعية غير مرغوب فيها من الطرفين وتساهم الأنانية
من قبل أحد الأطراف، وعدم وضوح حقوق وواجبات كل من الطرفين تجاه الآخر،
ومن ذلك الجمود، والخرس الزوجي، بالإضافة إلى ظهور مرض في أحد الطرفين يعوق
الحياة الزوجية.
ويكمن الحل في عدم الإقدام على الزواج قبل دراسة وافية لكلا الطرفين من
جميع النواحي، وملائمتهما للعيش معاً، ويكون ذلك عن طريق الصراحة والوضوح
من كليهما ومعرفة كل من الطرفين بحقوقه وواجباته.
أسباب تزيد من الحب وتجدد العلاقة بين الزوجين:
هناك سبعة أسباب جوهرية استقر عليها المختصون في القضايا الزوجية تساعد على
بقاء الحب بين الطرفين أو بمعنى أدق من الممكن أن تطيل من سنوات انتعاشه
وتجدده، واكتمال العناصر السبعة يعتبر شيئاً مثالياً، قد يكون بعيد المنال
وإن لم يكن محالاً تحقيقه، ولكن كلما زاد وتوفر عدد من هذه العناصر
المجتمعة كان ذلك أدعى للنجاح وأقرب إلى الكمال، الذي يمكن أن يؤدي إلى
حياة زوجية ناجحة ومتكاملة، نحددها في العناصر التالية :
1- احترام الإنسان وحبه لذاته:
وهذا العنصر قد يبدو غريباً، رغم أن معناه إيثار النفس وترك الأنانية، ومن
المعروف أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا أدركنا هذا الشيء أدركنا أهمية حب
الإنسان لذاته، فكثير من العلاقات الزوجية تصاب بالفشل، لأن طرفاً من
أطرافها لا يكن لنفسه الحب الذي يستحق أو يرضى عنه.
2- ضرورة وجود قناة جيدة للتفاهم، والاتصال:
لأن العلاقة الزوجية تقوم على طرفين لكل منهما تكوين النفس الخاص به، ويظهر
هذا التكوين أشد ما يظهر عند الخلافات الزوجية، أو في المواقف الصعبة التي
يمر بها الطرفان، فالتفاهم الجيد والقدرة على تبادل الرأي والمشورة
والمصارحة الواعية الفاهمة، وتفهم كل منهما لنفسية الآخر، كل هذا قادر على
إنعاش الحب، والبعد عن الاختناق بغاز النكد السام ودفنه تحت ركام برودة
الإهمال والتجاهل.
3- القدرة على مواجهة الخلافات بشكل فعال وحاسم:
فكثير من الأزواج وخاصة بعد مرور وقت كاف على الزواج يبدؤون في التهرب من
مواجهة الأزمات أوالمشكلات، ويقوم كل طرف بإلقاء حمل المسئولية كاملاً على
الطرف الآخر، وقد يكون الزوج الذي يهرب بنفسه بعيداً عن مشكلات البيت،
وتزاحم حجم المسئولية فيه ويجد في أصدقائه أو ناديه، أو حتى عمله ملاذاً
للظفر براحة أعصابه، ملقياً بكل مسئولية البيت ومشكلاته على كتفي زوجته
دونما مشاركة بالرأي أوالمشورة.
4- تجديد الأمل في الحب والبعد عن الإغراق في الخيال:
حيث يلعب الإعلام دوراً مهماً، ومؤثراً في عملية الحب بين الزوجين، أوعلى
أقل تقدير ما يصيب الحياة الزوجية من برودة مميتة، فكل قصص الحب التي تزخر
بها المجلات والصحف والكتب وما يقدم عبر الفضائيات والإذاعات، تتحدث عن نوع
غريب من الحب لا يوجد في الحياة الزوجية الواقعية، وهو حب ملتهب لا يتوقف
أمام ظروف الحياة، ونتيجة لهذا الضغط الإعلامي تغرق الزوجة نفسها في
الحسرة، ويغلق الزوج على نفسه عالم الأوهام والأحلام إن لم يسع للحصول على
ذلك الحب المستحيل خارج بيته.
5- تنمية الأماني، والاهتمامات المشتركة:
ولكي يعيش الحب والعاطفة عمراً أطول مما هو مفترض له، فإنه من المهم أن
تكون هناك أحلام وآمال لهذا الحب، وعلى الطرفين أن يعملا على بلوغها
وتحقيقها، فالزوجان عندما يحددان أهدافاً، أو آمالاً لحياتهما ويعملان على
تحقيقها، ويذكيان جذوة الحب بينهما، فالحب بلا أمل أو هدف لا يلبث أن
يتلاشى ويموت.
6- أن يستطيع كل طرف تقدير الطرف الآخر واحترامه:
وهذا العنصر من أهم العناصر لوجود زواج ناجح، لأننا كبشر نفقد الاهتمام بما
نملك، ولا ندرك قيمته إلا بعد أن نفقده أو يسلبه منا آخرون،لذا يجب أن
يتوفر الاحترام بين الطرفين قدر الإمكان.
7- الأمل والأمان:
وإذا لم يتواجدا في الحياة الزوجية بشكل دقيق متوازن قد يكون ضررهما أكثر
من نفعهما ذلك أن المرأة بطبعها وتكوينها تبحث عن الشعور بالأمان، وتريد أن
تحتمي برجل ولكن عندما تستقر في بيت الزوجية وتحصل على الأمان، فإنها لا
تلبث أن تفتقد عنصر التجديد.
- العلاج:
والعلاج النافع للزوجين يكون فى ابتكار كل جديد وطريف دائما، لتجديد هواء حياتهما الزوجية وإنعاش حبهما.
ولكي تدوم جذوة الحب بين الزوجين، وللقضاء على الملل والروتين الزوجي،
عليهما أخذ إجازة قصيرة يسافران فيها فيذهبان إلى استراحة أو مزرعة،
ويتركان المنزل لعدة أيام يجددان فيها الحيوية وينطلقان كالعصافير دون
حواجز بينهما، أو التزامات تلك الإجازة لتجديد الحب وإنعاشه.
كذلك الاحترام ضروري ليدوم الحب بين الزوجين، وإذا عرف كل منهما واجباته
وحقوقه دام الحب، كذلك الابتسامة الرقيقة، وعدم قول الكلام الجارح واللاذع،
الذي يؤدي أحياناً إلى النفور، وكذلك المصالحة بعد الخصام تثير الكثير من
الحب والمشاعر المدفونة في معترك الحياة.