يوسف الشايب******
وعادت فرقة العاشقين .. لعل هذا أهم ما في الحدث .. عادت بخليط من المؤسسين
وشباب من الجنسين من مختلف أنحاء العالم، بينهم الفلسطيني، واللبناني،
والسوري، والمغربي، والجزائري.. لكنها عادت بذات النكهة التي تفوح منها
رائحة الثورة.
"هبت النار والبارود غنى" .. "اشهد يا عالم علينا وع بيروت" .. "من سجن عكا
وطلعت جنازة" .. أغنيات كان يرددها الصغار والكبار في الحفل "التاريخي"
بقصر رام الله الثقافي، مساء أول من أمس، كما وصفه حسين المنذر (أبو علي)،
مطرب الفرقة منذ تأسيسها نهاية سبعينيات القرن الماضي.
القاعة غصت بالحضور، في الحفل الذي أصر الرئيس محمود عباس على متابعته حتى
النهاية، مصغيا لأغنيات لطالما رافقت نضالاته ورفاقه، وخاصة الرئيس الشهيد
ياسر عرفات.
واضطرت إدارة قصر الثقافة إلى تثبيت شاشة خارجية لإتاحة المجال للمئات ممن
لم يحالفهم الحظ بمقعد داخل القاعة للتفاعل مع فرقة تربت على أغانيها
الأجيال، حتى إن بعض المقاهي في غزة، ثبتت شاشات عملاقة، وعممت على روادها
نقل الحفل الذي بثه تلفزيون فلسطين على الهواء مباشرة.
أبو علي، الذي يرى في زيارة فلسطين حلماً يتحقق، رغم الغصة التي خلفتها
إجراءات الاحتلال، والحواجز العسكرية، وجدار الفصل العنصري، عبر عن سعادته
بالمشاركة في إحياء الذكرى السنوية السادسة لرحيل "الختيار"، مستذكراً
حضوره لحفل الفرقة في العاصمة الأردنية عمّان في العام 1995، وصعوده إلى
المسرح، والعناق الحار من "الأب القائد".
يسرد أبو علي فصولاً من البدايات، ويتحدث عن الملحن حسين نازك، والشاعر
أحمد دحبور .. ويقول: جبنا العالم كله نحكي بالأغنية حكاية فلسطين حتى
العام 1993، حيث توقفت الفرقة عن العمل بعد انقطاع الدعم لها.
أبو علي، لبناني الجنسية فلسطيني الانتماء، والعربي كما يحب أن يعرف بنفسه،
لم يتوقف عن الغناء، حتى بعد تشتت "العاشقين"، وسجل أغنيات بإمكانيات
بسيطة، إلى أن عادت الفرقة بحلتها الجديدة بدعم كامل من رجل الأعمال
الفلسطيني مالك ملحم، المقيم في الإمارات العربية المتحدة، والذي يصفه
بـ"القائد الروحي" لفرقة العاشقين بحلتها الجديدة و"الجميلة".
يصمت برهة .. يشرد .. قبل أن يقول: سعدت جداً لدرجة البكاء حين شاهدت طفلاً
ربما لا يتجاوز السابعة من العمر يغني أغانينا في حفل رام الله .. كان
لحضور الرئيس أبو مازن أثر عميق في نفوسنا، ذكرنا بالماضي، وباهتمام
القيادة الفلسطينية بالفن الذي أراه أهم سفير للقضية الفلسطينية .. "على
العموم العاشقين تعود بتركيبة رائعة تؤكد عمقها .. أنا أكبرهم سناً،
وأصغرنا نحن الثلاثين أو يزيد، في سن الثامنة عشرة".
وفي إطار الخليط الجديد للعاشقين، انخرط العديد من مؤسسي فرقة "العاشقين
أوروبا"، ومن بينهم الشاعر والملحن والمغني الفلسطيني نزار العيسى، ابن رام
الله المقيم في بريطانيا ويحمل جنسيتها .. ويقول: قبل قرابة العامين قمت
ومجموعة من الشباب والمخضرمين بتأسيس فرقة "العاشقين أوروبا" .. بدأنا
بتجميع الطاقات، وبيننا العديد من الفنانين العرب من جنسيات مختلفة،
كالمغربي شفيق الكبيتي والجزائري قادر سعدون، على سبيل المثال .. كان الهدف
إعادة العاشقين إلى الوجود دون المس بروحها، كل ما فعلناه هو إدخال آلات
موسيقية جديدة، والخروج بأغنيات جديدة حرصنا أن تحمل روح "العاشقين" التي
تسكننا، ومن بينها "سلامي لبلادي"، و"من غربتي موال".
ويضيف: انخراطنا في التوليفة الجديدة للعاشقين كان من خلال الفنان محمد
ذياب، أحد رموز الرعيل الأول للفرقة، والذي أعتبره و"أبو علي" وغيرهما
أرشيفاً ثميناً، علمونا الكثير حول أغاني الفرقة، وطريقة غنائها بما تحمله
من أصالة، حتى على مستوى مخارج الكلمات .. بدأت صداقتنا عبر الإنترنت .. هو
يعيش في هولندا، وأنا في بريطانيا، وبذل جهوداً كبيرة وساعدناه في البحث
عن من تبقى من رموز العاشقين لإعادة إحيائها، وتم التواصل مع حسين نازك،
وأحمد دحبور، وحسين المنذر، وخالد الهباش، وغيرهم، وبدأت الفرقة تعمل بشكل
جدي مع نهايات العام الماضي، ومطلع العام الحالي، بدعم من رجل الأعمال
الفلسطيني مالك ملحم، وقدمنا حفلنا الأول هذا العام في دار الأوبرا بمكتبة
الإسكندرية لمصر.
ويشعر العيسى بالفخر بالعمل مع عدد من مؤسسي العاشقين، وبينهم "ابو علي"،
الذي يصفه بالفنان الحقيقي، خاصة أنه شجع الكثير من المطربين الشباب في
إطار الفرقة، على غناء أغنياته التي اشتهرت بصوته الذي لا تمحوه السنون،
وكأنه يؤكد أن العاشقين ستبقى، وأن جيلاً يسلم الراية فيها إلى جيل ..
"المهم لدينا ليس المنافسة تجارياً .. نحن لا ننافس أحداً لأننا نقدم فناً
له خصوصيته على صعيد الغناء والرقص الشعبي والدبكة .. ما يهمنا هو
الاستمرارية".
أما نسرين المصطفى (28 عاماً)، وولدت لأب سوري من الجولان المحتل، وأم
فلسطينية، وعملت مع العديد من الفرق الفلسطينية في سورية كمصممة رقصات،
فترى أن العمل مع "العاشقين" أمر مختلف، مشيرة إلى أن التحاقها بالفرقة
كمساعدة في تصميم لوحات الرقص الشعبي، جاء عبر فيصل ذياب وشوكت الماضي،
وهما من رموز العاشقين، حيث كانا من أساتذتها في دمشق حين كانت في الصف
التاسع الأساسي.
وتقول المصطفى: لا يمكنني وصف شعوري كوني في فلسطين .. "العاشقين" حققت لي
هذا الحلم .. أنا من الجيل الذي تربى على أغاني "العاشقين"، وها هي الفرقة
تعود بروح تفاعلية بين المؤسسين والرموز وبين الشباب من الجنسين .. نحن
نتعلم من المؤسسين الكثير، وهم لا يبخلون علينا بشيء .. لا نشعر بأي تنافس
بل هناك روح تعاونية نادرة داخل الفرقة بتكويناتها الجديدة.
خالد الهباش، عازف المجوز الشهير في الفرقة، وأحد المؤسسين، يشيد بالروح
التفاعلية بين الأجيال المختلفة داخل الفرقة، وبالحماس الذي يبديه الشباب
الساعي لتقديم كل ما يمكن لإنجاح عودة العاشقين إلى الوجود، أو إعادة
إحيائها إن جاز التعبير .. ويقول: الجمهور حتى الآن يشعر بحالة من الغربة
تجاه الفرقة بتوليفتها الجديدة، وكأنه يريد الوجوه ذاتها التي كانت تغني
وتعزف قبل 25 عاماً .. علينا أن نعمل كثيراً لإنجاح الفرقة بشكلها الجديد،
خاصة أن "وجوهنا نحن المؤسسين تغيرت كثيراً خلال ربع قرن" .. ويبتسم.
"العاشقين"، وكما كشف أبو علي، تحضر لاسطوانة جديدة تعمل على إطلاقها خلال
أشهر .. ويقول: قبل أسبوعين توجهت برفقة مالك ملحم إلى حمص حيث يقطن اليوم
الشاعر أحمد دحبور .. وعدنا، ورغم ظروفه الصحية الصعبة، بأنه سيكتب أغنيات
خاصة بهذه الاسطوانة .. كان سعيداً أكثر منا ربما .. لقد بكى دحبور، وبكينا
جميعاً .. وكأن لسان حالنا يقول "... وعادت فرقة العاشقين".